الحرب التجارية ضد الصين إلى أين تمضي؟
ترجمة وإعداد: عائدة أسعد
يقول المفكر العسكري الكبير اللواء جي إف سي فولار: إن هدف الحرب التجارية ضد الصين ليس النصر، إنما تحقيق أهداف سياسية، ومن السيئ للغاية أن الرئيس دونالد ترامب لا يقرأ الكتب. لقد بدأ حروباً اقتصادية ضد الصين– روسيا– إيران– كوبا وفنزويلا، دون أي هدف استراتيجي إنما لغرور منه واعتقاده بأنه سيد العالم وأنه بحروبه يحق له معاقبة هذه الدول على العصيان!.
إن إدارة ترامب تفتقر في سياستها الخارجية إلى منحى استراتيجي واضح، وهي عرضة للتخبّط، وبحروبه الاقتصادية ينوي نشر القوة الاقتصادية والتضخم المالي للولايات المتحدة لإخماد الدول الأخرى التي لا تلتزم بأوامر واشنطن، فشعار واشنطن هو: “الطاعة لي أو لغيري”، لكن العقوبات التجارية لن تجعل أمريكا عظيمة الشأن كما يزعم ترامب، بل ستجعلها بلداً مكروهاً في جميع أنحاء العالم. والأسوأ من ذلك أن حرب ترامب بزيادة التعرفة الجمركية التي فرضها ضد الصين لم تعزّز النمو الاقتصادي الأمريكي بل ألحقت ضرراً بالدولتين، وهما القوتان الاقتصاديتان الرائدتان في العالم، كما أثارت التوترات في آسيا، وهاهو العالم يواجه جزءاً كبيراً من الأضرار وتباطؤ النمو الاقتصادي بسبب حروب ترامب المشؤومة والتي تهدف لإثبات قوته ومجده فقط.
يضيف فولار: قد يكون ترامب ومستشاروه على صواب بشأن الممارسات التجارية المشكوك بأمرها، فقد عملت في الصين لمدة 15 عاماً وكانت إحدى الخدع الصينية المفضّلة بترك الواردات تكسد تحت أشعة الشمس على الأرصفة أو تأجيلها لفترة طويلة لحين خسارة الأوراق، وهاهي الحرب التجارية الأمريكية مع الصين تنشب من جديد. لقد رأيت كل أنواع الجنون في سوق الصين الشرقية البرية، ولكنني أتذكر أنه سوق جديد لا تتجاوز فيه رأسمالية النمط الغربي سوى جيل واحد، وعلاوة على ذلك تعلمت فيه الصين العديد من ممارساتها التجارية من فرنسا أمّ النزعة التجارية.
بالفعل نهضت الصين واستفادت من المعلومات التقنية والعسكرية على نطاق واسع، وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والتي حصلت من خلال وكالات التجسّس لديها في جميع أنحاء العالم على المعلومات المهمّة لنموها الاقتصادي، ولكن ما لم يفهمه ترامب وشركاؤه هو أن الرئيس الأمريكي نيكسون بذكائه سمح للصين بدخول منطقة آسيا الكبرى المشتركة مع أمريكا لإخضاعها للنفوذ الأمريكي بالضبط، كما كانت عليه اليابان وكوريا الجنوبية في الخمسينات، وأن الفائض التجاري للصين مع الولايات المتحدة يكون بتوزيع أرباحها وفقاً لقواعد واشنطن، وإذا تمّ سحب المكافآت أو العلاوات التجارية الصينية فستقبل الصين بسياسات الولايات المتحدة، وبالتالي سترتفع التوترات العسكرية بشكل حاد.
ومن وجهة نظر الصين فإن الولايات المتحدة الأمريكية تكرّر ما فعلته بريطانيا العظمى في القرن التاسع عشر بإعلانها الحرب وإجبار تعاطي الأفيون في بورما الخاضعة للحكم البريطاني على المدمنين الصينيين بشكل متزايد، واليوم المحصول التجاري المفروض هو زراعة فول الصويا وتربية الخنازير.
إن الهدف النهائي للرئيس ترامب والذي تدركه الصين بوضوح هو خلق أزمة تجارية عالمية ثم إنهاؤها بالطبع قبل الانتخابات العام المقبل. لقد أصبح ترامب دكتاتوراً رئيسياً للأسواق المالية الأمريكية يرفعها ويخفضها حسب تغريداته المفاجئة على التويتر هذه الميزة التي تفرد بها عن سواه من الرؤساء.
لذلك، لا يمكن تقدير الأموال التي حقّقها أتباع ترامب في عمليات البيع على المكشوف أو على المدى الطويل في سوق الأوراق المالية. لقد أصبحت أسواق الولايات المتحدة الأمريكية التي تبلغ تريليونات الدولارات تعتمد على شعور ترامب حين استيقاظه صباحاً ومشاهدته أخبار “فوكس نيوز” الملقبة بـ أمّ التضليل.
وما يثير الدهشة هو الاعتقاد بأن ترامب وأتباعه يستطيعون تخويف الصين لدرجة الخضوع والخنوع، لكن لا يدركون أن الصين تتمتّع ببوصلة واضحة ولديها خطة لتوجهاتها والوسائل التي تحقّق بها أهدافها. لقد صمدت الصين أمام الدمار الجماعي وفقدت 14 مليون قتيل على الأقل في الحرب العالمية الثانية من أجل محاربة الهيمنة اليابانية، فهل يعتقد البيت الأبيض حقيقة أن بكين ستقبل بأوامر واشنطن على تجارة فول الصويا وغيرها بسهولة؟. لهذا من غير المرجح أن يخسر إمبراطور الصين الجديدة شي جين بينغ واجهة حرب تجارية مع طغاة الولايات المتحدة الأمريكية الذين لا يمكنهم التراجع عنها، ولديه الجلادة والصبر على الانتظار حتى يحكم البيت الأبيض عقولاً أكثر توازناً.
نادراً ما تأتي الحروب التجارية بالفوائد لكلا الجانبين، إنها تعادل إرسال عشرات الألوف من الجنود الذين لاقوا حتفهم بالرشاشات في ساحات المعارك المليئة بمستنقعات من الدماء في الحرب العالمية الأولى، والنتيجة المجد للجنرالات والموت والبؤس للجنود العاديين. كما أن الحرب التجارية حرب حمقى، واحتدامها بين الطرفين أدى إلى تعطيل سلع بآلاف المليارات من الدولارات وألحق أضراراً بالأسواق وركوداً بالاقتصاد وأذى للناس العاديين، ولن تنتهي إلا بتسوية وحلّ وسط يحفظ ماء الوجه بين واشنطن وبكين.. فإلى أين هي ماضية؟.