الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

شتات

عبد الكريم النّاعم

بداية، أشير إلى “أحلام اليقظة” التي هي “إعمال الذّهن في تحقيق الرّغبات إشباعاً على مستوى الخيال”، أشير إليه لأنّ ما أنا بصدده هو نشاط الدماغ الذي لا يهدأ لا في الصحو، ولا في النّوم، والذين تكون هذه الحالة نشيطة لديهم لا يكون نومهم عميقا، ونادرا ما يصلون إلى الدرجة الثالثة في النّوم، وهي التي، حين يصل إليها النّائم، فإنّ نوم عشر دقائق تعادل نوم ثماني ساعات، بحسب رأي “أوشو”، وعلى ذمّته.

الدّماغ لا يتوقّف عن النشاط، ولا ندري كيف تتولّد الأفكار، والرؤى، متناسلة، وغالبا غير مترابطة، ولكنّها في لحظات الألم النفسي الحادّ، تكاد تتحوّل إلى كوابيس من التناسل الذي لا أفق له، ولا تغادرنا إلاّ إذا انصرفنا لحديث لابدّ من متابعته، أو إلى القراءة، أو الكتابة، وتظلّ رغم ذلك نيرانه لاهبة، ما تكاد تخبو.

لاشكّ عندي في أنّ للألم وظيفة نفسيّة، أو روحيّة، لا أعرفها، وقد يكون تفسيرها لدى الأغلبيّة مرتبطا بما استقرّ في نفوسهم من قناعات دينية، أو فلسفيّة، وأيّا كانت تلك القناعات فإنها، ربّما تفسّر بعض ما نواجهه من ألم نفسيّ، ولكنّها لا تستطيع إلغاءه، وإنْ كان فيها قدر من تلطيفه، أو تشذيب بعض استطالاته.

هنا لابدّ من التّذكير بتلك التمارين النفسيّة في اليوغا التي من مهامّها التقليل من الأحاسيس، أو إلغاؤها في بعض الأحيان، وبتلك الحالات التي يُبرّد فيها البعض الحديد المحمّى بلسانه.

في مدارس اليوغا أيضا ذات الأصل الهندي، والتي انتشرت في أصقاع العالم، يحدّدون بعض التمرينات، في محاولة لإيقاف شغب الدماغ، للإمساك بفرصة ترتاح فيها النفس من تراكم ذلك الشغب، وهي تمرينات عديدة، ويُنصح أن يكون تدريب اليوغا على يد معلّم بارع فيها، وإلاّ فإنّها قد تؤذي مَن يمارسها، وهذه التمرينات هدفها إيقاف ضجيج الشغب، وإتاحة الفرصة لإراحة النفس من معاناتها، ويقول الخبيرون بذلك أنّها أفضل من تناول المهدّئات المعروفة، وذلك ليس مجرّد قول، بل له في مجريات التطبيق ما يدعمه.

هنا في السياق، آخذ بالرأي القائل بالتفريق بين “الدّماغ والعقل”، فالدماغ هو آلة التفكير، أماّ “العقل” فشيء آخر، تختلف النظرة إليه بين المدارس القائلة بالفلسفة الماديّة، وتلك الآخذة بالفلسفة الرّوحيّة.

كلّ ما بسطتُه كان بسبب ما، لا أريد أن أفرضه على القارئ، ولكنّه يضعنا أمام مسألة شغلت أذهان المفكّرين، والصوفيّين، والفلاسفة، وقد لا يتنبّه لها إلاّ القلّة، وهي هل بُني هذا العالم على الفاجع، بحسب بعض الأقوال؟!!

حين نتأمّل في تسلسل حياتنا، وحيوات مَن حولنا، ونبحث عن اللطيف، المريح، المشرق، اللّدن، المُبهج، قد نُفاجأ بأنّه ما يكاد يُذكر إذا ما قيس بالخشن، الضاغط، العاتم، القاسي، الأسيف، ومع هذا فإنّنا نتشبّث بأهداب الحياة، وقد حبّبها الله إلينا لنَصْلُح لإعمار هذه الدار،.. المكان الذي أُسكنّا فيه، ولنحقّق شيئا من ترسيخ الاستخلاف الذي أراده الله لنا، “يا آدمُ إنّا جعلناكَ خليفة” – قرآن كريم- وتلك هي الأمانة الموكلَة إلينا، وإعمارها لا يكون إلاّ بإعمار الخراب، كما إعمار النّفوس، لأنّ النفوس الخَرِبة حين تُقيم بناء فإنّها لا تُقيمه إلاّ على زغل. بهذا، ورغم الممضّ من الآلام، والضاغط حتى ضيق النفس، لا مناص من إكمال الشوط، فإمّا أن نُكمله واعين، مدركين، وإمّا أن ننكص على الأعقاب، والمسألة لا خيارات متعدّدة فيها إمّا أن نجيد حراسة أغنامنا وإمّا أن تتناهشها الذّئاب.

سلاما للصابرين، للبناة الحقيقيين، وفي مقدّمتهم الذين زادوا عن حياض الوطن، وللذين يصونون الأمانة، ويغرسون ما تتزيّن الأرض به وبثماره.. سلاماً لقوّاتنا المسلّحة معجزة هذا العصر.

aaalnaem@gmail.com