النخب الغربية تبتعد عن مواطنيها
ترجمة: عناية ناصر
عن موقع غلوبال تايمز 19/9/2019
خلق النظام الانتخابي في الدول الغربية جواً تنافسياً يبدو ديمقراطياً، لكنّ هذه النخب في الواقع، كانت دائماً القوة الحاكمة للدول الغربية. ومن خلال التدابير العلنية والسرية كان المال يرتّب كل شيء، فيما تساعد النخب رأس المال على تحقيق المصالح، وبالتالي تشكيل تحالف المصالح. وبسبب مثل هذا النظام، ابتعدت النخب عن عامة الناس.
لا تهدف الأنظمة السياسية الغربية، على سبيل المثال، وفي أغلب الظروف، إلى حلّ المشكلات، بل تستخدم المشكلات لبدء صراعات سياسية. وبالتالي، تتحوّل المشكلات بسرعة إلى نزاعات أيديولوجية بدلاً من حلّها. كان الهدف الأصلي من برنامج أوباما للرعاية الصحية حلّ مشكلة 30 مليون أمريكي ليس لديهم تأمين صحي، لكن الخلافات كانت تركز دائماً على ما إذا كان برنامج أوباما للرعاية الصحية غير دستوري، أو ما إذا كان ينتهك خيارات الناس المختلفة.
إضافة إلى ذلك أصبحت مراقبة الأسلحة حاجة واقعية في الولايات المتحدة، إذ تتكرّر عمليات إطلاق النار المميتة في الولايات المتحدة كل عام، وعدد ضحاياها أكبر بكثير من عدد الجنود الأمريكيين الذين قُتلوا في العراق وأفغانستان. ولكن طالما أن القضية قد أُثيرت، فهناك نزاعات حول ما إذا كانت غير دستورية وعما إذا كانت تنتهك الحقوق، كما لو أن هذا الخلاف مبرّر أكثر من حماية الأرواح. وهذا يشير إلى أنه تُستخدم إثارة حماس الناس على نطاق واسع في ظل النظام الغربي، لكن التأثير ليس دائماً إيجابياً، فعلى سبيل المثال، ساعد البالغون الناشطة السويدية المراهقة غريتا ثونبرج المعنية بقضايا المناخ على الدفع بحماية البيئة إلى الحدّ الأقصى، مما ساعد على تجاوب الناس هناك.
حالياً تسود الفوضى المجتمع الغربي، حيث ساعدت الشعبوية بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة والسياسيين على البروز، الأمر الذي يمكن اعتباره نتيجة متطرفة لابتعاد النخب عن الناس العاديين. حتى أن تشجيع الدبلوماسية المتشدّدة هو فعل النخب الغربية النموذجية، إذ تستفيد النخب الغربية أكثر من النظام الدولي القديم، وبالتالي فهي مرتبطة بشكل كبير بالنمط القديم وتهتمّ أكثر بالجغرافيا السياسية. ولكسب الدعم الشعبي، فإنها تروّج للإيديولوجية التي تساعد على تعزيز الدبلوماسية المتشدّدة، وهذه هي “القومية” التي يتهمون بها البلدان النامية.
يمكن اعتبار الأمن القومي الأمريكي هو الأكثر أماناً في العالم، لكن النخب الأمريكية تزعم أن أمنها القومي قد اهتز بشدة، ولذلك على أمريكا أن تعزّز دفاعها وتحدّث أسلحتها وتبني حاملات طائرات جديدة، وتعزّز بشكل شامل تفوقها العسكري، لكن كل هذه الأمور تخرج عن الاهتمامات والمصالح الفعلية للأمريكيين.
في المقابل، كانت القوة الوطنية للصين ضعيفة للغاية في الثمانينيات من القرن الماضي، وكانت علاقاتها مع الاتحاد السوفييتي متوترة، لكنها كانت قادرة على بناء إستراتيجيتها للتنمية السلمية في ذلك الوقت. ومع ذلك، فإن النخب الأمريكية الآن تسيء الحكم بشكل خطير على الوضع العالمي وكذلك على توقعات الأمريكيين، لأنهم يوجهون البلاد لوضع الموارد في الاتجاه الخاطئ، ما يعني لا يمكن للنظام الانتخابي الغربي أن يحلّ مشكلة النخب السياسية التي تبتعد بعيداً عن الناس العاديين، وبالتالي تكون المصالح، في ظل النظام الرأسمالي، دائماً أقوى من النظام الانتخابي.
وهذا يعني أن المواطنين في الدول الغربية يتشاركون الرغبة نفسها مع أولئك الذين ينتمون إلى أجزاء أخرى من العالم، فالناس جميعاً يرغبون في تحقيق تنمية اقتصادية ووظيفة جيدة وحياة مزدهرة، ولهذا السبب قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤخراً بزيارة الصين مع وفد تجاري كبير لخلق قوة دفع للاقتصاد الألماني من خلال تعزيز التعاون بين الصين وألمانيا، لكن وسائل الإعلام الألمانية والغربية طالبتها بوضع حقوق الإنسان في هونغ كونغ على رأس جدول أعمالها، لكن هل قضايا حقوق الإنسان في هونغ كونغ هي من مصالح الشعب الألماني؟.