دور يا كلام على كيفك دور!
على عكس الآخرين، حياة الفنان ليست ملكه تماما، فهو من رغب أن يكون تحت الأضواء الساطعة، ,هو من وضع نفسه في خدمة الشهرة التي كما يقال لها ضرائبها، وحقيقة أن حياة الفنان ليس ملكه، تجيء من كون الأضواء والشهرة والنجومية سببها الجمهور، فهو من يعلي من قيمة فنان ما والعكس صحيح، والجمهور هو من يصنعه نجما وفق مفاهيم النجومية الأصيلة، -وهذا حديث ذو شجون خاصة-،لكن هذا لا يعني أن يصبح كعبه دوارا كما يُقال، ولا يعني أن يبقى ليل نهار في وجه الجمهور حتى وهم نائم! ليس فقط في الأعمال الدرامية التي صارت تُعاد مؤخرا على المحطات التلفزيونية الفضائية وكأنها شريط كاسيت يدور في “مُسجلة” تقوم بقلبه على الوجه الآخر أوتوماتيكيا كلما انتهى الوجه الأول، بل في مختلف البرامج الفنية المتعددة الأسماء والمتشابهة المضمون إلى حد كبير،وليس على شاشة واحدة أو اثنتين، بل في مئات البرامج “الفنية” الموزعة على مئات المحطات الفضائية، حتى صارت الأحاديث مكررة والقصص التي تُحكى ممجوجة، وهي في غالبها “فضائحية”، فتلك البرامج تعتمد “ريتنغ” المشاهدة من قبل الجمهور للنجم أو النجمة، وكلما كانت أحاديثهم وأفعالهم أكثر إثارة للجدل، زادت نسبة المشاهدات، ودارت المقاطع الأكثر جرأة على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى غاب تماما مفهوم المقابلة التلفزيونية وما كانت تعنيه في الماضي، من إطلالة على بعض من الجوانب المخفية في حياة هذه الشريحة من الناس المرهفون حسيا، مع تركيز أعلى على الأعمال الفنية لهذا النجم وغيره، ففي سالف الزمان كان اللقاء المتلفز مع النجم الفلاني أو النجمة العلتانية، هو حدث ينتظره الجمهور، فهو سيتابع من يراه في الأفلام والمسلسلات بل وفي الأحلام، ولكن في حديث ينحو في جانب منه نحو الشق الشخصي من حياة هذا الفنان أو الفنانة، والتي غالبا ما تكون شبه سرية أو مختبئة لا تظهر للعلن، فلكل خصوصياته، وهو أي الفنان عموما، من الكل، ولا يحب أن تجري خصوصياته على كل لسان، حتى أن العديد من أهم نجوم الغناء والتمثيل، كان ظهورهم على شاشات التلفزة في برامج حوارية جدية، شبه غائب أو غير موجود إلا ما ندر، ومنهم على سبيل المثال السيدة فيروز، التي يُبحث عن حديث أو لقاء معها بالسراج والفتيلة كما يقال، ولا يوجد إلا الشحيح والنادر جدا من المطلوب.
هذا كان فيما مضى، اليوم لا يكاد يغيب ظل أحد الموجودين في دائرة النجومية هذه، والتي اختلف مفهومها 180 درجة، من هذه الشاشة، حتى تبان قرعته في تلك، لتدور أحاديث ما أنزل الله بها من سلطان، واللقاءات التي كان فحواها متعويا ومفيدا وجذابا، صارت اليوم على العكس تماما، فضائحية في المقام الأول، محرجة للعائلة، لا تعني الجمهور في شيء، حتى التسلية صارت مخجلة، وفي بعض الأحيان مقرفة لما تحتويه من مضمون يحمل الصفة نفسها، هذا عدا عن الإسفاف الذي بقي لدينا وفي معظم قنواتنا المحلية في اخفض درجاته، لكنه ليس كذلك على شاشات الآخرين.
برامج كثيرة على المحطات المحلية والعربية، تعتمد لملء ساعات بثها خصوصا في أوقات الذروة كما تسمى، نجوم الدراما عادة، فهذه الشريحة لها حصتها الكبيرة عند الناس من المتابعة والمشاهدة، ولكل نجم أو نجمة، يوجد اليوم حشد من “الفانزات”، الذين يلاحقون إطلالتهم هنا أو هناك، وكأنما بوقا ما زعق في رؤوسهم ما أدى إلى استنفارهم كالدبابير، إما ليهرعوا إلى ضغط اللايكات، ـومشاركة الصور والمقتطفات، أو الرد بالشتيمة غالبا على من ينتقد نجومهم لأي سبب، والكلام الذي كان يُوضع في “القبان” قبل أن يٌقال، صار هلسا وتهريجا مملا، عدا عن الفضائح التي باتت الشغل الشاغل لهذا البرنامج الفني أو غيره، الراقصة الفلانية شتمت الممثلة الفلانية، وتلك ترد الصاع صاعين، حديث نجلاء والحصان، هذه وغيرها من الأحاديث العجائبية تلك، هو ما يتصدر الشاشات، ولأجله يُهرق ماء الوجوه ودماء العروق التي استحالت عصيرا.
أن تكون نجما اليوم، يعني ألا تختفي عن الساحة، وأن تواظب على الظهور أمام الناس ومن أي مكان تريد، حتى لو كان مجرى مصرف صحي، المهم أن تبقى موجودا، إن لم يكن بعمل فني كدراما تلفزيونية ما، أو أغنية ضاربة، ففي موقف محرج ووضيع أو غيره مما نراه هذه الأيام، وهذا الأمر تتولاه تلك المحطات ببرامجها “العياطة” لا الحوارية، فزمن الحوارات الفنية ولى، ونحن اليوم في زمن الردح و”السح الدح نبو”، نحن اليوم في زمن النجوم المحترقين، وما يبقيهم على قيد نجوميتهم، هي الأساليب المخزية التي يتبعونها لأجل ذلك، وهي في عمومها مُسفة، يجوز فيها كل شيء، فكل شيء مباح كرمى خاطر “الرتينغ والفانز” والمشاركة في هذا المهرجان أو تلك الدعاية الإعلانية، لا فرق، فالمهم هو الظهور، أما كيف فهذا حديث آخر.
تمّام علي بركات