النواب الأمريكي يمهّد لعزل ترامب
يؤكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دائماً أنه الرئيس الأكثر غرابة الذي جلس على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، حيث أصبح يمثّل تهديداً خطيراً للأمن القومي لبلاده، من خلال سياساته التدميرية التي لا تخلو من العنصرية والتطرف، الأمر الذي جرّ عليه معارضة شديدة في الشارع الأمريكي، استغلّها خصومه الديمقراطيون الذي بدؤوا فعلياً بإجراءات عزله، فضلاً عن سياساته الخارجية المستندة إلى التدخل الفاضح في شؤون الدول، ومحاولة فرض هيمنته عليه، وشنّه حروباً تجارية على أكبر اقتصادات العالم مهدّداً بذلك النظام العالمي بأسره.
وفيما يبدو أنه حملة منظمة تقودها زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لعزل ترامب، بدأ الديمقراطيون في المجلس تحقيقاً رسمياً بشأن الاتهامات الموجّهة لترامب بالتماس مساعدة أجنبية من أجل تشويه سمعة منافسه الديمقراطي جو بايدن قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل.
وقالت بيلوسي: “ينبغي محاسبة الرئيس على أخطائه.. لا أحد فوق القانون”، مؤكدة أن تصرفات ترامب قوّضت الأمن القومي، وانتهكت الدستور الأمريكي، وأضافت: “إن تصرّفات رئاسة ترامب تكشف عن حقيقة مخزية، وهي خيانة الرئيس لقسمه وخيانة أمننا القومي وخيانة نزاهة انتخاباتنا”.
من جانبه ردّ ترامب سريعاً بتغريدة على تويتر زاعماً أن التحقيق بأنه “حملة اضطهاد تافهة”، ووعد بنشر نسخة من المحادثة الهاتفية مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي.
وعلى الرغم من أنه أقرّ بأنه تحدّث عن بايدن في الاتصال، لكنه نفى أن يكون هدف قراره تجميد مساعدات أمريكية بقيمة 400 مليون دولار لأوكرانيا هو الضغط على زيلينسكي لفتح تحقيق سيلحق الضرر ببايدن الذي يتصدّر استطلاعات الرأي بين مرشحي الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية.
لكن بيلوسي سرعان ما أكدت “يؤكّد نشر تسجيلات الاتصال الهاتفي من قبل البيت الأبيض أن الرئيس متورّط في تصرفات تقوّض نزاهة انتخاباتنا وكرامة المنصب الذي يتولاه وأمننا القومي. حاول الرئيس أن يحول انعدام القانون إلى خير في أمريكا والآن يصدّره إلى الخارج”.
من جانبها شنت وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، هجوماً عنيفاً على ترامب، ووصفته بأنه خطر على مستقبل الولايات المتحدة، وشدّدت في الوقت نفسه على أنه من غير المقبول ممارسة ضغط على السلطات الأوكرانية بشأن بايدن، الذي يعد المرشح الرئيس للانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 عن الحزب الديمقراطي، وتابعت: “هذا السلوك الأخير تجاه أوكرانيا، ومحاولات استمالة رئيس أوكرانيا في مؤامرة لتقويض سمعة بايدن، إذا لم تكن هذه جريمة خالصة، فأنا حينئذ لا أعرف ما الذي يكون هذا الأمر؟!”.
ورأت هيلاري أيضاً أن ترامب أوقف الدعم المالي لأوكرانيا، الذي كان وافق عليه الكونغرس، ووصفت الرئيس الأمريكي بأنه “إعصار بشري أرعن وفاسد لا يهتم إلا بنفسه”، مشدّدة على ضرورة البدء في إجراءات عزله “في سبيل مصلحة الأمن القومي”، وذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث قالت: “رئيس الولايات المتحدة يخون بلدنا يومياً. هذا الشخص، الموجود الآن في المكتب البيضاوي، يشكّل خطراً جلياً وقائماً على مستقبل الولايات المتحدة”.
وحسب مراقبين قد يؤدّي تحقيق المساءلة في النهاية إلى عزل ترامب من المنصب رغم أنها ستكون مهمة صعبة على الديمقراطيين.
وحتى إذا صوّت مجلس النواب الذي يهيمن عليه الديمقراطيون بمساءلة ترامب، فإن مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون هو الذي سيتخذ الخطوة التالية بعزله من المنصب بعد محاكمته، حيث تحتاج إدانته إلى أغلبية الثلثين في المجلس.
وسيكون هذا أول تحقيق للمساءلة في الكونغرس منذ تحقيق عام 1998 مع الرئيس السابق بيل كلينتون بتهمة الحنث باليمين وعرقلة العدالة فيما يخص علاقته بالمتدرّبة السابقة بالبيت الأبيض مونيكا لوينسكي.
ويواجه ترامب أزمات داخلية متتالية بسبب سياساته وتصريحاته المشحونة بالعنصرية والتمييز بين الأمريكيين، إضافة إلى انتهاكاته المتكررة وإساءة استخدامه السلطة تحقيقاً لمصالح شخصية.
من جهة ثانية، وفي إطار ردّها على استفزازات ترامب المتكرّرة لها سياسياً وتجارياً، جدّدت الصين دعوة الولايات المتحدة لعدم التدخل في شؤونها الداخلية، مؤكدة أنه إذا أرادت الولايات المتحدة أن تظل العلاقة معها مستقرة فإن المهم هو احترام سيادتها ونظامها الاجتماعي وطريقها للتنمية، وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في كلمة ألقاها خلال حفل عشاء نظمته اللجنة الوطنية للعلاقات الأمريكية الصينية ومجلس الأعمال الأمريكي الصيني وغرفة التجارة الأمريكية ومجلس العلاقات الخارجية بشكل مشترك: إن “الصين لم ولن تتدخل في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة.. وتأمل منها أن تعاملها بنفس الروح، وألا تتدخل في شؤونها الداخلية”.
وأضاف: على واشنطن أن تتفادى اختيار صراع مضلل آخر مع الدولة الخطأ “لأن شنّ حرب تجارية من جانب واحد أمر خاطئ”، مشيراً إلى أن التناغم الحقيقي يرتكز على الإقرار بالتباينات واحترامها، وبيّن أن الصين أبقت أبوابها مفتوحة للتفاوض، ويجب أن يكون التفاوض على أساس الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة.
وشهدت العلاقات التجارية بين الصين وأمريكا مؤخراً توتراً شديداً بدأ عندما فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوماً على واردات وبضائع صينية بأكثر من 200 مليار دولار، وذلك في محاولة يائسة للضغط على بكين لتقديم تنازلات تجارية غير قانونية، وهو ما ردّت عليه الصين بإجراءات مماثلة ضمن حقها الطبيعي بالرد.