مسرحية هزلية أم فرصة لالتقاط الصور!
لا يفوّت معظم قادة ورؤساء وملوك العالم، في أيلول من كل عام، المشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، والوقوف على منبرها، والتنطّع للحديث عن أهميتها في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وأنها صمام الأمان لحل جميع المشكلات على اختلاف أنواعها، ولكن في الوقت ذاته تمارس الدول الكبرى، وعلى رأسها الدولة المستضيفة وحلفاؤها، سياسة أقل ما يقال عنها أنها تدمّر المنظومة الأممية، وتدفع العالم بأسره نحو سياسة الغاب والقطيع، وتسلّط القوي على الضعيف، فهل ما نشهده على منبر الجمعية العامة في كل عام مسرحية هزلية تتبارى فيها الدول الكبرى لإظهار قوتها وجبروتها، أم هي فرصة فقط لالتقاط الصور؟.
ما من شك أن المنظمة الدولية التي تأسست في 24 أيلول 1945 كرّست واقعاً دولياً جديداً ساهم في الحفاظ على غنائم الدول الكبرى التي انتصرت بعد أن حطّت الحرب العالمية الثانية أوزارها، ولعل في القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي، ومنعت الدول المهزومة مثل اليابان وألمانيا من إعادة امتلاك القوة العسكرية، ووضعتها تحت الوصاية الأمريكية ما يؤكد ذلك، واليوم وبعد مرور 74 سنة على ولادة المنظمة الأممية، لا تزال الأمور على حالها، فالمنظمة الدولية بقيت مكاناً لشرعنة تقاسم النفوذ بين الدول المسيطرة، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه أمام الجمعية استخدم قرارات الأمم المتحدة شمّاعة لتغطية ما يقوم به حالياً من حصار وعقوبات لفنزويلا، مستنداً حسب زعمه إلى تقارير مؤسسات الأمم المتحدة عن تردّي الأوضاع في هذه الدولة اللاتينية، بينما لا تزال الدول المستضعفة تبحث في أروقة المؤسسة الدولية عن نافذة أمل تحافظ فيها على كيانها وحدودها واستقلالها، على الرغم من التزامها التام بمواثيقها وقراراتها دون جدوى، والمثال الفلسطيني ما زال ماثلاً للعيان.
ولكن هل هذه الانتقائية في التعاطي مع قرارات الأمم المتحدة ستدفع الدول إلى الانسحاب من هذه المؤسسة الدولية، والبحث عن بدائل عبر تأسيس منظمات وكيانات إقليمية لا ترتبط بالأمم المتحدة، وهل هناك من يدفع إلى ذلك بالفعل؟!.
لاشك أن الأمم المتحدة بكل مؤسساتها بحاجة إلى إصلاح وفق المتغيرات الجيوسياسية الحاصلة في العالم، من ظهور قوى جديدة تطالب بأن يكون لها دور في صياغة القرار الدولي “الهند- ألمانيا”، ودول أفل نجمها، وباتت تتلطى خلف الامتيازات التي حصلت عليها سابقاً لاستمرار تسلطها وهيمنتها على العالم، ولكن السؤال المطروح دائماً هل ستسمح القوى المهيمنة بذلك؟. ما هو واضح حتى اليوم أن القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، تعارض أي تغيير قد يمس مصالحها، وهي، أي واشنطن، تبتز حتى الأمم المتحدة في ذلك، ولعل ما يجري سنوياً من منع أعضاء وفود الدول من المشاركة في أعمال الجمعية دليل فاضح على تسلّطها ورفضها أي تغيير.
وعليه فإن حضور أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة سيبقى على نمطيته حتى تفرض القوى العالمية الصاعدة نفوذها، وتعيد ترتيب أوراق المنظمة الدولية بما يحترم القرارات الدولية واستقلالية الدول.
سنان حسن