التعصب الكلاسيكي بين المرشحين للرئاسة الأمريكية
علي اليوسف
مع اقتراب أمريكا من الانتخابات الرئاسية لعام 2020، لا شك أن المرشحين سيخبرون -كلّ حسب أيديولوجيته- مناصريهم عن الجانب السياسي للمنافسين الآخرين، ومعتقداتهم المتطرفة، ولكن السؤال هو: ما مدى معرفة المؤيدين عن الجانب الآخر؟ وهل فعلاً يعرف الجمهوريون والديمقراطيون حقيقة الحياة التي يعيشها المواطن الأمريكي، أم أن صناعة الغضب في السياسة والإعلام لا تخبر بالحقيقة عن الأميركيين الذين يختلفون مع الطرف الآخر سياسياً؟.
كشف مؤلفو دراسة في مجلة السياسة الأمريكية أن الديمقراطيين العاديين يعتقدون أن أكثر من 40 في المائة من الجمهوريين يكسبون أكثر من 250،000 دولار في السنة. وفي الوقت نفسه، يعتقد الجمهوريون أن ما يقرب من 40 في المئة من الديمقراطيين هم من المثليين. لكن ما مدى قرب هذه التقديرات من الواقع؟ بحسب التقديرات الحكومية فإن 2 في المائة فقط من الجمهوريين يكسبون ذلك المبلغ، و6 في المائة فقط من الديمقراطيين هم من المثليين.
ما يعني أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الميل إلى الإسناد الخاطئ للآراء والدوافع المتطرفة إلى الجانب الآخر. وبهذا الصدد، أصدرت المنظمة غير الربحية “More in Common” مؤخراً تقريراً عن “فجوة الإدراك”، وهو الفرق بين ما نعتقد “الجانب الآخر” وتعتقده بالفعل. ووجدت الدراسة أن متوسط الديمقراطيين والجمهوريين يبالغون بشكل كبير في النسبة المئوية للجانب الآخر الذي يحمل “وجهات نظر متطرفة”. ولعلّ أهم مثال على ذلك هو الهجرة التي ما زالت تفسد السياسة الأمريكية. على الرغم من سلسلة التغريدات من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلا أن البيانات تظهر أنه في الواقع، تعتقد غالبية قوية من الجمهوريين أن الهجرة التي يتمّ التحكم فيها بشكل صحيح يمكن أن تكون مفيدة للبلاد. كما يظهرون أن غالبية قوية من الديمقراطيين لا توافق على أنه ينبغي أن يكون للولايات المتحدة حدود مفتوحة بالكامل. بمعنى آخر، في حين أن اليسار واليمين يختلفان بشأن الهجرة، فإن أولئك الذين يحملون وجهات نظر متطرفة هم أقلية في كلا الحزبين. ومع ذلك، يعتقد الجمهوريون أن غالبية الديمقراطيين يؤمنون بحدود مفتوحة، بينما يعتقد الديمقراطيون أن غالبية الجمهوريين يعتقدون أن الهجرة سيئة للولايات المتحدة، ما يعني أن فجوة الإدراك هي 33 نقطة مئوية على كل جانب.
وهذه هي فجوة الإدراك بالنسبة للديمقراطي العادي أو الجمهوري، أما الحزبيون النشطاء فهم غير دقيقين في تصوراتهم عن الجانب الآخر، حيث وصلوا إلى أكثر من 45 نقطة مئوية حول القضايا المثيرة للخلاف الشديد. وهنا يبرز سؤال آخر هو: ألا يوجد من هم أكثر استنارة في كلا الحزبين؟.
وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين يتابعون وسائل الإعلام معظم الوقت ربما يكونون غير دقيقين في فهمهم لوجهات نظر الآخرين مثل أولئك الذين يتابعون الأخبار بين الحين والآخر. ومن شبه المؤكد أن هذه دالة على الاستهلاك الإجباري من مصادر وسائل الإعلام التي تدعم تحيزاتها الحالية، لذلك من المحتمل أن يكون معدل الذكاء السياسي أعلى بعد مشاهدة برامج “Full House” من البرامج التلفزيونية السياسية.
كما أن استخدام الوسائط الاجتماعية الكثيف له التأثير السلبي نفسه على دقة وجهة النظر، إذ تبلغ فجوة الإدراك نحو 10 نقاط مئوية بالنسبة لأولئك الذين شاركوا المحتوى السياسي على وسائل التواصل الاجتماعي في العام الماضي عن أولئك الذين لم يشاركوا. على سبيل المثال، هناك نحو 22 بالمائة فقط من البالغين في الولايات المتحدة يعملون على Twitter ، و80 بالمائة من التغريدات تأتي فقط من 10 بالمائة من المستخدمين، أي أن المعلومات السياسية تأتي من روبوتات الدعاية المقيمين في حدود 2.2 في المائة من السكان.
أما السياسيون -خاصة المرشحين للرئاسة في هذه الأيام- فيجعلون المشكلة أسوأ، لأنهم يقولون أشياء جذرية عن طريق قول أو تغريدة لإطلاق النار على مؤيدي وجهة النظر المتطرفة الذين هم عدد صغير ولكنهم أقوياء في الانتخابات التمهيدية، أو يخبرون مؤيديهم أن الجانب الآخر هو مجرد حفنة من المتطرفين.
هذا الجهل بدوافع المعارضين يؤدي إلى صراع لا داعي له من خلال ما يسميه علماء النفس “عدم التماثل في الدوافع الدافعة”: الاعتقاد بأنني مدفوع بالحب لكنك مدفوع بالكراهية. اليوم أكثر من 90 في المئة من الجمهوريين والديمقراطيين يصفون الناس في حزبهم بأنهم “صادقون”، لكن الحقيقة أن ما يقوله الملايين مخطئون في وجهات نظر أولئك الذين يختلفون معهم سياسياً، والأسوأ من ذلك أن لديهم الكراهية والاحتقار للجانب الآخر على أساس جهلهم- التعصب الكلاسيكي.