“مسيرات” اللجان الشعبية تغير قواعد الاشتباك
سمر سامي السمارة
في الرابع عشر من شهر أيلول الحالي، أعلنت اللجان الشعبية اليمنية أنها شنت هجوماً كبيراً بعشر طائرات مسيرة استهدف العديد من مصانع أرامكو في المملكة السعودية، متضمناً “بقيق” أكبر مصفاة للنفط على مستوى العالم. وقد أظهرت ، عشرات مقاطع الفيديو عبر التويتر صور للانفجارات وألسنة اللهب والأضرار الناجمة عنها.
كانت هذه الخطوة جزء من حملة شنتها اللجان الشعبية رداً على القصف العشوائي الذي تقوم به القوات الجوية السعودية منذ ما يزيد على أربع سنوات. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فقد أدت هذه الحرب لمقتل ما يزيد على 100000 يمني وعن أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية.
ويرى محللون أن السعودية أصبحت في وضع حرج بشكل متزايد نتيجة للقدرة التي تمتلكها اللجان الشعبية، التي تمكنت من إلحاق أضرار عسكرية واقتصادية شديدة بالرياض باستخدام قواتها الصاروخية. وتشير التقديرات إلى أن الرياض تخسر ما يعادل300 مليون دولار يومياً نتيجة لهجمات اللجان الشعبية.
في الخامس عشر من شهر أيلول الحالي، قال الناطق باسم وزارة النفط السعودية: إنه لم يتم حساب الأضرار التي تتطلب أسابيع من الإصلاح، بينما تؤكد التقارير انخفاض إنتاج النفط السعودي إلى النصف بعد الهجوم الأخير.
من المؤكد أن انسحاب مصر والإمارات المتحدة من الحرب على اليمن- لرغبتهما في تحسين العلاقات مع طهران، واستحالة تدخل الولايات المتحدة مباشرة في الحرب – قد خلق مشاكل كبيرة لآل سعود. وترى الأمم المتحدة أن هذه الحرب قد خلفت أكبر أزمة إنسانية في العالم، وليس لدى ترامب أي نية لإعطاء المتنافسين الديمقراطيين في سباق الرئاسة أي أدلة لمهاجمته. ويمكن أن يكون طرد بولتون إشارة من إشارات ترامب للدولة العميقة، أنه لا ينوي تبديد آماله في إعادة انتخابه عام 2020 من خلال بدء حرب جديدة.
لقد أدى تردد واشنطن للدعم المباشر لمملكة آل سعود- التي تخاطر الآن برؤية الصراع ينتقل إلى أراضيها في جنوب البلاد- إلى تفاقم الوضع في الرياض، وتعد عمليات توغل اللجان الشعبية في مملكة آل سعود حدثاً يومياً. ومع استمرار الرياض في ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين اليمنيين الأبرياء، فإن الوضع سوف يزداد سوءاً، كما تزداد العواقب الوخيمة التي تزعزع الاستقرار الداخلي للنظام السعودي.
كان الرد الأخير دليلاً حقيقياً على ما يمكن أن يحدث للاقتصاد السعودي إذا رفض محمد بن سلمان التفاوض لإيجاد حل للخروج من أسوأ كارثة عسكرية عرفها العصر الحديث. إذ يعتبر نجاح اللجان الشعبية التي استخدمت وسائل جوية مختلفة في الأشهر الأخيرة محققة إصابات دقيقة لأهدافها داخل مملكة آل سعود مؤشراً واضحاً على الفشل التام لأنظمة الدفاع الجوي الأمريكية في البلاد.
وفي المقارنة مع الدفاعات الروسية فقد حققت الأنظمة الروسية المضادة للطائرات في سورية نسبة نجاح 100 ٪ فيما يتعلق بالاعتراضات، والنجاح من تعطيل (من خلال الحرب الالكترونية) جميع الطائرات المسيّرة ومدافع الهاون والصواريخ التي أطلقها الإرهابيون ضد القواعد الروسية في طرطوس واللاذقية، بحسب ما تناقلته شبكات التلفزة الأمريكية.
يلقي بومبيو -الذي لا يقدم أي دليل- باللوم على طهران فيما يتعلق بالهجوم اليمني على مملكة محمد بن سلمان، التي أصبحت معزولة بشكل متزايد في الشرق الأوسط. في الوقت الذي لا تقدم فيه واشنطن سوى تغريدات وحالة من الارتياب حول مساعدة إيران لحلفائها، مع احتمال تحول الصراع إلى حريق إقليمي أوسع من شأنه أن يُطيح بأي فرصة إعادة انتخاب الإدارة الأمريكية الحالية في عام 2020، خاصة أن ترامب و نتنياهو و محمد ين سلمان يطلق عليهم الآن ما يسمى بـ “مزيج الساحرة” الذي لم يسبق له مثيل في المنطقة، ولعلها مسألة وقت فقط قبل أن نرى العواقب الوخيمة لما اقترفت أيديهم.
ومقابل الأموال الهائلة لـ “مزيج الساحرة”، تقوم اللجان الشعبية بتطوير أسلحتها بمساعدة الجيش اليمني وبتكلفة لا تتجاوز 20،000 دولار للطائرة المسيّرة الواحدة، رغم الحصار العسكري المفروض على اليمن، وبالتالي فإن فرضية تسليم الأسلحة عن طريق البحر أمر غير ممكن.
من الواضح ، أن الرد اليمني هو جزء من المنطق اللا متكافئ بشكل متزايد، والذي تتمثل أهدافه الرئيسية في وقف قصف الرياض لليمن من خلال زيادة تكاليف القيام بذلك بحيث تصبح غير مستدامة، بمعنى أن موضع الضغط الواضح هو الاحتياطيات الاستراتيجية البالغة 20 مليار برميل، أي أنه لا داعي لإنذارات كاذبة لإلقاء اللوم على إيران، لكن عاجلاً أم آجلاً، سيحدث أمر من شأنه تغيير التوازن الإقليمي، وهذا ما حدث في الرابع عشر من الشهر الحالي عندما توقف نصف إنتاج النفط السعودي نتيجة الهجوم.
لذلك لا يمكن أن يكون هناك أخبار أسوأ بالنسبة للمحافظين الجدد والوهابيين والصهاينة. فإذا كانت اللجان قد استطاعت إلحاق مثل هذا الضرر باستخدام 10 طائرات بدون طيار، فلا بد أن تصاب تل أبيب بهستيريا حول ما يمكن للإيرانيين القيام به في حالة محاولتهم شن هجوم عليها. حتى أن “الإسرائيليين” يرون أن زيارة نتنياهو لموسكو كانت فاشلة، فقد تأكدوا في تل أبيب أن روسيا تصدت للهجمات التي شنها الكيان الصهيوني مؤخراً على سورية، ما أرسل رسالة لا لبس فيها إلى نتنياهو. كما يرى محللون أن نتنياهو و محمد بن سلمان يتجهان نحو الهاوية السياسية لعدم قدرتهم على معالجة الموقف، لذلك يبذلون قصارى جهدهم لجذب واشنطن إلى خططهم ضد إيران.