من المستفيد من الهجوم على أرامكو؟
إعداد: هيفاء علي
ارتفعت حدّة الاتهامات بعد استهداف المقاومة اليمنية لشركة “أرامكو” النفطية السعودية، وكأنّ الدول المحبة للنفط كانت بانتظار هذا الحدث. ورغم تبني المقاومة اليمنية الهجوم كردّ على العدوان السعودي الوحشي المستمر على اليمن منذ خمسة أعوام، إلا أن إدارة ترامب سارعت إلى توجيه أصابع الاتهام لإيران، وهنا لابد من التساؤل من المستفيد من هذا الهجوم؟.
غوردن داف، وهو جندي أمريكي شارك في حرب فيتنام، ومحرر مشارك في مجلة “نيو استرن اوتلوك” ورئيس مجلس المحاربين القدامى، له وجهة نظر أخرى، ويرى أن “إسرائيل” تقف وراء الهجوم على “أرامكو” لأسباب ودوافع عدة، كذلك المستفيد منها هي مملكة آل سعود نفسها والإدارة الأمريكية بدوافع مختلفة، وذلك في سياق مقال تحليلي نُشر على موقع ريزو انترناسيونال.
ويلفت غوردن داف إلى أنه إذا كان صحيحاً أنه لم يتمّ إسقاط إحدى الطائرات العشر التي تمّ توجيهها عن بُعد، فهناك احتمال أن تكون السعودية بحاجة إلى المزيد من بطاريات باتريوت المضادة للطائرات. فيما سيعمد الكيان الإسرائيلي إلى استخدام الهجوم كمبرّر لزيادة وحشيته إزاء الشعب الفلسطيني، بعدما أعلن عن خطته الرامية لضم الضفة الغربية، ومن دون قطع اعتداءاته العلنية على سورية والسرية على العراق.
كما يمكن أن تسمح الفرصة أيضاً لأنظمة الضرائب الأوروبية برفع ضرائب جديدة، إذ يكفي أن يستخدموا خطر الزيادة، على سبيل المثال 10٪ من السعر العالمي للنفط الخام، لرفع سعر الوقود بنسبة 10٪.
كما أن صدمة النفط هذه، بحسب داف، ستعود بالفائدة على مملكة آل سعود حتى لو لم تكن حكومتها تستعد للخصخصة الجزئية لأرامكو (التي تكشفت أهميتها فجأة)، فإن زيادة كبيرة في أسعار النفط ستزيد القيمة الإستراتيجية للبلاد إزاء عملائها، وخاصة الدول الغربية، وقد يغريها البديل، حيث أعلنت مؤخراً عن طموحاتها النووية. وفي الوقت نفسه، فإن إتلاف نصف طاقتها التصديرية أو تحييده مؤقتاً يعطيها ذريعة لخفض معدّل الاستخراج إلى النصف، ويجعل احتياطياتها تدوم طالما أن المستوى المتبقي هو نفسه.
وأيضاً، ليس مستبعداً أن تكون الولايات المتحدة، المستفيد الأول من صدمة النفط: فمنذ عدة سنوات وحتى الآن، كانت أكبر منتج للنفط في العالم، وأدركت أخيراً أن سياستها المتمثّلة في تحطيم الأسعار التي تمّ إطلاقها في عام 2014 قد خدمت بالتأكيد إيرادات الضرائب لدى الحكومة الروسية، ولكن لم تتح لها فرصة لإسقاط اقتصاد روسيا. علاوة على ذلك، فإن صناعة استخراج النفط في الولايات المتحدة ليست مربحة، إذ تسجل أقل من سعر برنت البالغ 60 دولاراً للبرميل كحدّ أدنى، ولكن هذا الحدّ كان سيتراجع خلال الأشهر القليلة المقبلة. وعليه، سوف يتفاقم الهبوط الكبير بالفعل في التجارة الدولية بسبب الركود الاقتصادي المعلن في ألمانيا، وغير المعلن في فرنسا وإيطاليا وبريطانيا العظمى، وأكثر خطورة (وإن كان مخفياً) في الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، كان التباطؤ الاقتصادي العالمي والانخفاض الوشيك في الطلب العالمي على النفط على وشك أن يؤدي إلى انخفاض الأسعار، ما يجعل استخراج النفط الأمريكي عجزاً مثل استخراج الغاز الصخري.
في الواقع، تندرج هذه الفكرة في إطار سياسة الولايات المتحدة المتمثّلة في زعزعة استقرار المناطق المنتجة للنفط منذ عام 1971، ويعني ارتفاع أسعار النفط توفير زيادة في الطلب على الدولار في العالم، وبالتالي ارتفاع سعر صرف الدولار والقوة الشرائية، ومن ناحية أخرى، توفر حاجة بقية العالم للتصدير إلى الولايات المتحدة للحصول على عملة الدولار. هذان العاملان يساهمان بوضوح في السعي لتحقيق أرباح طائلة للحكومة الأمريكية. هناك عامل آخر يتمثّل في السندات الحكومية الأمريكية والتي يتمّ تمييزها خلال كل حالة من عدم الاستقرار الاستراتيجي العالمي، ما لم يكن هناك رفض برلماني برفع سقف ديونها بانتظام، ستظل الحكومة الأمريكية قادرة على سداد أذون الخزانة الخاصة بها عند استحقاقها، بعملة القرض (بالدولار).
وبالفعل يمكن رؤية حرص الولايات المتحدة على تهويل الوضع وعسكرته، في حين أن الهجمات قد قلّصت من حجم الصادرات السعودية إلى النصف، فقد خفضت الإنتاج العالمي اليومي بنسبة 5٪ فقط ، وهو ما ينبغي منطقياً تعويضه بسهولة من قبل الدول المصدّرة الأخرى. أيضاً تحرص إدارة ترامب على عدم تفويت فرصة الزيادة الحسابية المؤقتة التي تبلغ 5٪، والانخفاض الوشيك في الطلب العالمي أو إعادة توزيع حصص الإنتاج، لكن الحكومة الأمريكية تزعم أنها ستتيح احتياطياتها الإستراتيجية الخاصة لإنقاذ العالم. كما نبّهت وكالة الطاقة الدولية من خطورة الوضع، ودعت إلى التضامن الدولي لمواجهة هذه الأزمة.
بالمحصلة، وكما اعتدنا فإن الحكومة الأمريكية ترى أن الحل العسكري هو الخيار الأفضل عند دراسة أي مشكلة. تم تحديد الهدف بالفعل بتوجيه أصابع الاتهام للجمهورية الإيرانية. وعليه، فإن الهياج الاستراتيجي العسكري في جميع أنحاء المنطقة سوف يساهم في حمّى النفط غير المتناسبة مع التخفيض المؤقت لنسبة الصادرات العالمية.
الأمر نفسه ينسحب على الكيان الإسرائيلي المستفيد الأكبر من هذه الهجمات ومن بقاء المنطقة بحالة توتر دائم، خاصةً بعد هزيمة “داعش” في سورية والعراق، ورحيل جون بولتون، والتقارب بين الإمارات المتحدة وإيران اللتين تتعاونان الآن بشكل مفتوح مع أمن الخليج العربي. لذلك، عندما تعرّض مجمع نفط سعودي ضخم لضربة متكررة في هجوم 11 أيلول، فمن السهل معرفة من كان بإمكانه فعل ذلك ومن المستفيد. وبالتأكيد ليس من مصلحة إيران القيام بذلك لأنها كسبت في الحرب السياسية ليس فقط مع دولة الإمارات المتحدة، ولكن أيضاً مع روسيا والاتحاد الأوروبي، بدعم مستمر من الصين.