صحيفة البعثمحليات

“التربية” ترسم الخارطة المستقبلية للتعليم وأبحاث طموحة تنتظر التنفيذ

رغم أن ثمة مؤتمرات وورشات عمل سبقت المؤتمر الأول لتطوير العملية التربوية، إلا أن ما يميز هذا المؤتمر -الذي أنهى أعماله أول أمس- النوايا الجادة من وزارة التربية والجهات المشتركة من أجل العمل والنهوض بالواقع التربوي، وإدراكهم ضرورة التطوير ومواكبة التطور المعرفي؛ ولهذا هناك قناعة بأنه لن يكون كسابقيه من حيث ذهاب التوصيات من دون متابعة، حيث أكد وزير التربية عماد العزب أن كل ما طرح في المؤتمر من أبحاث ودراسات، سيتم تفريغه لاحقاً، وإعادة مناقشته من قبل لجنة علمية رفيعة المستوى، وصولاً إلى صياغة المقترحات والتوجيهات، وأضاف العزب ستشكل بعد انتهاء أعمال المؤتمر مباشرة لجنة متابعة مشتركة مع وزارة التعليم العالي؛ بهدف تنفيذ توصيات المؤتمر القصيرة والبعيدة المدى، ليترك تأكيد وزير التربية، آملاً بنقل الأبحاث إلى أرض الواقع وتطبيقها بما يلائم البيئة التعليمية حسب الإمكانات المتاحة ولاسيما أن ما ذكر خلال أيام المؤتمر من مناقشات وأبحاث ومداخلات يؤسس لخارطة تربوية متطورة في حال تم تجسيدها في الميدان، وانتقلت من الورق إلى المدارس حسب تأكيد متابعين لأعمال المؤتمر.

اعتراف بالواقع

“البعث” واكبت أعمال المؤتمر من داخل قاعات المناقشة وخارجها من خلال الموجهين التربويين والمدرسين على أرض الميدان، حيث لفت الباحث الدكتور هيثم أبو حمود إلى ارتباط فلسفة التربية بالفلسفة العامة، وهي التطبيق العملي للفلسفة، لافتاً إلى أن ترجمة فلسفة التربية لتطبيق عملي يكون من خلال تصميم المنهاج التربوي.

وأشارت الأستاذة  في كلية التربية د. اسمهان جعفر إلى وجوب الاعتراف بالواقع الحقيقي، وإظهاره، والكشف عن البقع السوداء في جسد المنظومة التربوية، وتشخيصها وعلاجها في ضوء المتغيرات المختلفة، وتبديل أسلحتنا الفكرية البالية، وتحديد الرؤية المستقبلية للمنظومة التربوية الجديدة، للانطلاق بالمشروع الحضاري التربوي “مشروع سورية الجديدة أنموذجاً”، مشيرة إلى ضرورة مواكبة مناهج كليات التربية مع التطور الحاصل في مناهج وزارة التربية، والانتقال من الحفظ والتلقين إلى منهج اكتساب المهارات والمعرفة.

دراسة شاملة

ليكشف وزير التعليم العالي الدكتور بسام إبراهيم في تصريح خاص لـ”البعث” عن دراسة شاملة لواقع مناهج كليات التربية، والعمل على تطويرها لتواكب التطوير التربوي لمناهج وزارة التربية، مشدداً على أهمية التكامل بين وزارتي التعليم والتربية في ظل الارتباط الوثيق بين مخرجات التربية ومدخلات ومخرجات التعليم العالي للنهوض بالقطاع التربوي والتعليمي، معرباً عن أمله في التوصل إلى توصيات ومقترحات توضع حيز التنفيذ لدى الوزارتين؛ للنهوض بالعملية التربوية كلها.

وحول المناهج التربوية أشار مدير المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية د. دارم طباع إلى طرح أفكار جديدة تخدم تطوير المناهج، وتشكيل شخصية وطنية اجتماعية ثقافية علمية تمتلك مهارات قادرة على تحليل الحقائق المنهجية، واتخاذ قرارات تخدم صالح البلد.

إعداد حقيقي

واعتبر مدرسون أن الحديث عن التطوير شيء جميل جداً وخاصة بما يتعلق بالمناهج، إلا أنه يجب التركيز على إجراء مسابقات عن عمل المبادرات الطلابية على مستوى المناطق التعليمية، وخلق روح المنافسة، وضرورة الاستمرار في إلحاق المدرسين والمعلمين بدورات المناهج كدورات حقيقية ليست مجرد حضور، وضرورة إعادة النظر في الأسئلة الامتحانية لتكون متكافئة مع المناهج المطورة وربطها بالحياة لا بالامتحان فقط، ووجوب تكوين كادر قادر على تطبيق المناهج المطورة، وترميم الأطر التعليمية، وإدخال مادة التربية المهنية في مناهج التعليم العام.

ولفت الأستاذ  في كلية التربية  د. طاهر سلوم إلى  أهمية تحصين الجيل بالفكر العلمي الذي هو عماد مجتمع المعرفة، من خلال مدرسة نموذجية جاذبة للطلبة ببنائها وبنيتها ومواصفاتها المتطورة وفق ما يتطلبه التطور بالمعرفة والعلم.

تحديات وتطور

ولم تخفِ آراء المختصين أن القطاع التعليمي في سورية يواجه تحديات كبيرة، ووجوب العمل على تعزيز العلاقة بين الجهاز التربوي والطالب بشكل أكبر؛ لأن تدفق المعلومات وتطور التكنولوجيا فرضت تغييراً في آلية عمل المعلم من مصدر وملقن للمعلومات إلى ميسر للعملية التدريسية؛ مما أوجب تطوير وتحديث مهارات ومعارف المعلمين.

وتناولت الباحثة الدكتورة بشرى شريبة سياسة التوجيه في نظام التعليم السوري بين الواقع والطموح، انطلاقاً من دراسة ميدانية أجرتها على عينة من مدارس محافظة اللاذقية، موضحة أن تطوير التعليم يفرض تطوير الإدارة التربوية بدءاً من القوانين ومتابعة تطبيقها، وعرضت واقع التوجيه في النظام التعليمي السوري وآفاق تطويره المستقبلية.

واتفق معها الدكتور د.مجدي السعدي الذي أشار في بحثه إلى تطوير آليات انتقاء القيادات التربوية في وزارة التربية، مبيناً أن العمل في القطاع التربوي يتطلب امتلاك كفايات عملية وتربوية، إذ تعد القيادة التربوية بأركانها كافة ركيزة أساسية من ركائز العملية التربوية، وخلصت الدراسة إلى ضرورة إجراء دورات تدريبية للموجهين، وتوفير متطلبات العمل كافة.

التعليم البديل

كما تطرق د. سعيد الخراساني في بحثه “أهمية مأسسة التعليم البديل في سورية وربطه مع التعليم النظامي”، إلى انطلاقة الرؤية المستقبلية للتعليم من منظور وطني، وتعزيز جودة التربية والتعليم، وصنف التعليم إلى ثلاثة مستويات؛ النظامي وغير النظامي وغير الرسمي، ونوه إلى التحديات والمشاكل التعليمية في سورية، مبيناً الدور الكبير لوزارة التربية في مواجهة تلك التحديات، منها منهاج الفئة ب، والتعلم الذاتي، والدروس التعويضية.

ووجه  الموجه الأول في وزارة التربية محمد عصفور سؤالاً،  هل استطاعت مؤسساتنا أن تفلح في اختيار المعلم الجيد، وهل استطاعت بعد اختياره أن توفر له الجو المناسب، وهل استطاعت أن توفر له حاجاته واحتياجاته  ليؤدي دوره الفاعل ويكون قدوة صالحة لهم؛ لأنه رمز وأنموذج يحتذى به من قبل هؤلاء الذين سيتأثرون بآرائه وسلوكه وشخصيته في مستقبل أيامهم؟

تقييم وكوادر

ويرى الموجه التربوي في ريف دمشق عبد القادر عموري أن  كل ماتم عرضه من قبل الزملاء الباحثين إيجابي وفعال فيما يتعلق بتطوير العملية التربوية وتفعيل دور المتعلم من خلال تطبيق الاستراتيجيات التي تركز على التعلم النشط، وتنمية مهارات التفكير عند المتعلمين، وحثهم على البحث والاستقصاء، إلا أنه وجه سؤالاً مهماً، هل هناك تقييم حقيقي، أو هل التقويم والاختبارات التي ينفذها التلاميذ ترصد بكل شفافية وموضوعية ماتم خلال التعلم النشط ضمن القاعة الصفية، أم يعود المعلم إلى الاختبارات الموضوعية الكتابية والتحصيل والعلامة هو الهدف بالنسبة للطالب.؟ معتبراً أننا لم نقس بشكل دقيق قدرات المتعلمين، والدليل هو توجه جميع طلاب الشهادات إلى الحفظ فقط دون التركيز على الفهم والمعرفة بهدف الحصول على العلامة التي تحدد مصير المتعلم؛ لذلك أرجو أن تتم إعادة النظر في آلية التقويم والقياس في مناهجنا المطورة.

دمج ذوي الإعاقة

ولم تغب هذه المرة التربية الخاصة عن أعمال المؤتمر، حيث اعتبرت رئيس قسم التربية الخاصة في كلية التربية – جامعة دمشق الدكتورة عالية الرفاعي أن مفهوم الدمج في جوهره مفهوم اجتماعي أخلاقي، نابع من حركة حقوق الإنسان ضد التصنيف والعزل لأي فرد بسبب إعاقته، إلى جانب تزايد الاتجاهات المجتمعية نحو رفض الوصمة الاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة، فسياسة الدمج هي التطبيق التربوي للمبدأ العام الذي يوجه خدمات التربية نحو أقل البيئات قيوداً، موضحة أن المقصود بالدمج الشامل إلحاق الطلبة ذوي الإعاقة مع الطلبة العاديين في الصفوف العادية طول الوقت، حيث يتلقى هؤلاء الطلبة برامجَ تعليمية مشتركة. ويشترط في مثل هذا النوع من الدمج توفير الظروف والعوامل التي تساعد في إنجاح هذا النوع من الدمج، ومنها تقبل الطلبة الطبيعيين للطلبة ذوي الإعاقة في الصف العادي، وتوفير معلم تربية خاصة يعمل جنباً إلى جنب مع المعلم العادي في الصف، كما أن الدمج الشامل يحتاج إلى تغيير فلسفة التربية والتعليم في تأهيل الكادر التعليمي، وفي تأهيل المجتمع كلهّ.

وأشارت الرفاعي إلى ضرورة تعيين خريجي إجازة التربية الخاصة في المدارس الدامجة معلمين مساعدين في غرفة الصف، ومعلمين في غرفة المصادر، مع تدريب أعداد كبيرة من المعلمين المعينين والاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين والمديرين والعاملين في مدارس الدمج في المدارس الدامجة لتوسيع معرفتهم بفئات ذوي الإعاقة وخصائصهم، وأهمية الدمج وأهدافه وأساليبه.

منغصات وتوصيات

ومع أهمية المؤتمر والجهود الكبيرة المبذولة من قبل المعنيين والمتابعة الحثيثة من وزير التربية على مدار أيام المؤتمر يبقى هناك منغصات وشجون عند بعض التربويين، حيث استغرب موجهون تربويون  طريقة الدعوة والمشاركة إلى المؤتمر متسائلين عن الأسس التي اتخذتها مديريات التربية في اختيار المشاركين في الورشات، ولاسيما هناك من تمت دعوتهم كحضور فقط للافتتاح رغم خبرتهم التربوية، ومشاركة آخرين في الورشات مع قلة الخبرة التربوية للبعض منهم، متسائلين لماذا لم يفتحوا المجال لمن يرغب بالمشاركة ليتقدم بطلب مسبقاً، كما تم اختيار البحوث.

آخر القول وليس آخراً، ومع أهمية التوصيات التي خلص إليها المؤتمر، ولاسيما التي ركزت على المعلم وضرورة تحسين الواقع المعيشي له مادياً ومعنوياً، وعدّ العملية التعليمية مشروعاً مستقبلياً يحقق للمجتمع العربي السوري توازنه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، والاستفادة من الاتجاهات التربوية، والتجارب العالمية المعاصرة ووضع وثيقة وطنية لأخلاقيات مهنة التربية والتعليم وتطوير التشريعات التربوية، وإعادة النظر في معايير قبول الطلبة المعلمين في كليات التربية وفق اختبارات معيارية موضوعية وتوصيات مهمة جداً يبقى من الضروري متابعة هذه التوصيات، ونقلها إلى الحقل التربوي وتفعيلها حسب تأكيدات المعنيين في التربية، وإلا ستبقى “حبراً على ورق”.

علي حسون