“الصحة”.. ليست بخير؟
الحديث في قضية تهم المجتمع بأكمله ليس بالأمر السهل، خاصة إذا كانت تتعلق بحصاد وزارة الصحة التي رغم أهمية حضورها وحساسية دورها، إلا أن الناس لا يشعرون بوجودها بعد أن تركت “الحبل على الغارب” كما يقال، فالفوضى تعم سواء في المؤسسات الصحية والدوائية التابعة لها، أو في باقي الجهات العاملة في هذا القطاع “مشافٍ ومخابر وعيادات خاصة”، والأغرب من ذلك أن مكاتب الوزارة تعيش عقدة الإنجاز وأنها تقوم بمهامها على أكمل وجه، وبدلاً من الاعتراف بتقصيرها تمعن في تقديم نفسها كحاضنة للصحة العامة، وأنها من أنشط وأنجح الوزارات بكافة مؤسساتها، ولن يغيب هنا ما يتم تداوله عن لعنة النرجسية المتسللة إليها من باب الدعم والقوة التي تشكل خط الدفاع الأول عن تقصيرها وعدم قبولها بأي شكل من أشكال النقد.
وما يثير القلق أن قناعة الجهات الرقابية في الوزارة لم تتغير رغم الشكاوى العديدة المتعلقة بارتفاع أسعار المعاينة الطبية والأدوية والمشافي الخاصة، وهذا مثبت في الكتاب الموجه من وزارة الصحة لرئاسة مجلس الوزراء رقم 28655/6 والذي تؤكد فيه أن القرارات الناظمة للتعرفة المعمول بها لم يطرأ عليها أي تعديل فيما يخص وحدة المخابر أو الأشعة أو أجور الكشوف للاختصاصيين والمحددة بـ (125 ليرة للوحدة المخبرية- 900 ليرة للأشعة- و500 ليرة أجور كشف طبي للطبيب العام الممارس لأكثر من عشر سنوات مهنة- و700 ليرة أجور كشف طبي للاختصاصي الممارس أكثر من عشر سنوات مهنة). وما يدعو للجدل أنها تقول في الكتاب ذاته أنه تم إصدار تعميم لمديريات الصحة لإبلاغ المشافي الخاصة والمخابر الطبية ودور الأشعة والعيادات الطبية بضرورة التقيد بالتعرفة المحددة من قبلها، وما يدين أداءها أكثر ويثبت تقصيرها طلبها بتكثيف الجولات الرقابية للتأكد من الالتزام بقراراتها، وطبعاً كل ذلك مجرد حبر على ورق.
ولاشك أن العودة إلى الواقع ومقارنة هذه الأرقام بما يتم تقاضيه علانية من المرضى يضع وزارة الصحة أمام مسؤولية كبيرة جداً؛ لكون أرقامها افتراضية غير موجودة إلا في الخيال الوزاري؛ فالأسعار تحلق والفوضى تدك صحة الناس على مدار الساعة، ومعاينة طبيب لمدة 10 دقائق توازي أو تساوي ما يتقاضاه الموظف في أسبوع، فليس هناك أي نوع من أنواع الالتزام الأخلاقي أو القانوني، بل على العكس تماماً ضعف أداء الوزارة بمؤسساتها المختلفة شجع على الاستثمار التجاري في الصحة دون مراعاة لأوجاع الناس وآلامهم.
إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة وجود الحلول في حال توفر الكفاءة والجدية في التعاطي مع هذا الملف، فتعديل التعرفة بشكل عقلاني يحقق مصلحة الطرفين، ولكن بشرط المراقبة الفاعلة والمحاسبة الصارمة لأي مخالفة ترتكب..
فهل وزارة الصحة قادرة على الاستجابة والتنفيذ، أم تستمر حالة اللامبالاة تحت مسميات “الحصانة”، في الوقت الذي تؤكد جميع المعطيات والمؤشرات حقيقة أن الصحة ليست بخير.؟!
بشير فرزان