ثقافةصحيفة البعث

د. رضا سعيد.. أول رئيس للجامعة السورية

في مسيرة حافلة بالإنجازات العلمية والوطنية والإنسانية شهدت عليها الآثار المتبقية إلى الآن، تناولت ندوة “قامات في الفكر والأدب والحياة” مسيرة د. رضا سعيد تحت عنوان “د.رضا سعيد أحد مؤسسي النهضة العلمية، ورئيس الجامعة السورية الأول”.

معهد الطب

في البداية تحدث د.سامي المبيض عن رضا سعيد رجالات ومواقف حيث قال:  طالب رضا سعيد بإعادة فتح معهد الطب العثماني بدمشق للمعالجة مجاناً مع لجنة، كان حجم العمل كبيراً ونجح هؤلاء الأطباء في مهامهم، وقاموا بإعادة افتتاح المعهد بعد تعريب اسمه ليصبح معهد الطب العربي، والذي تحول لاحقاً ليصبح كلية الطب في الجامعة السورية التي أعلن رضا سعيد عن تأسيسها عام ١٩٢٣.

الملفت أن لا رضا سعيد ولا كافة أعضاء لجنة التعريب كانوا من خريجي هذا المعهد، لكنهم حرصوا عليه كثيراً وحاولوا جاهدين النهوض به، أملاً أن يساهم هذا الصرح العلمي بنهضة البلاد والعباد معاً وأن يصبح مثالاً يحتذى به في كافة بلدان المشرق العربي، ومشكلة المعهد يوم التأسيس كان أنه بقيادة طبيب عثماني يدعى فيض الله باشا، جاء إلى دمشق لمعاينة وباء الكوليرا الذي ضرب المدينة، وبقي فيها بالتكليف لتأسيس معهد الطب، ومع انهيار الدولة العثمانية غادر الجميع دمشق، وكان على رضا سعيد البحث عن أطباء محليين لملء الفراغ في الكادر التعليمي، فجال على أطباء البلاد الذين كانوا قلة في حينها بحثاً عن أفضل الكفاءات وكافة الاختصاصات المطلوبة.

الواجب العلمي

تحت عنوان “رضا سعيد والنهضة السورية” قال د. نبيل طعمة:

امتلأ قلب رضا سعيد بالحب، وعقله بالعلم والمعرفة، لم يختلق كائنات أو عوالم من وهم، بل غاص بانتمائه لوطنه في كل شيء، هاله أن يصنع الاحتلال العثماني والانتداب الفرنسي أقدار أبناء وطنه، فكان أن قدم نفسه للحرية المتطورة بعلمية، حمل قلمها وبه ذهب يحطم القيود والأغلال، مرسخاً أنه ابن سورية الوفي لها ولحضارة إنسانها، أحزنه أن رآها تخبو، فذهب ليؤسس منابر علم تمحو الجهل المنتشر وتفسح مساحات للتفكير والعلمي.

الواجب المنطقي العلمي والوطني الواقعي اللذين يتمتع بهما، دعياه لفهم الاحتياجات عند أبناء وطنه، ودعته بصيرته للعمل على الجانب العقلي الذي يهيئ للبصيرة والبصر في آن رؤية التكورات الحاصلة، وهذا ما يميز إنسان عن الآخر فيسعى لخدمته بعد أن يرتب انتماءه وولاءه حسب جدول الأولويات.

ولم تكن قيمته في زمنه مؤثرة لأنه لم يعتمد الكلام، بل الأفعال التي كانت مؤثرة وقابلة للحياة والبقاء، فذكاؤه وحنكته فرّدَته في عصره، مبعدة إياه عن أي اتهام بعمالة، ماعزز أداءه وزاد من انتمائه لوطنه وشعبه، ولو وضعنا إنجازاته في الميزان لوجدناها أكثر من وازنة لأنه شخصية قيمة وقامة فعلية وفعالة بحكم اتصافها بالاتزان والانسجام لأنها آمنت بالعروبة الحاضنة وبتحرير الوطن وأبنائه من العبودية والتبعية والتخلف، وسعت إلى نشر العلم الذي به وحده تتطور الأمم وتتحرر وتنجز الاستقلال والحضور.

جهود أكاديمية

ومع أن رضا سعيد لم يعرف حنان الأم، لكنه نعم بحنان أب اتسع قلبه ليحتضن ثلاثة أولاد أصغرهم رضا، فبعد وفاة الأم قرر الأب أن يتخلى عن موقعه كضابط في سلاح الفرسان العثماني، وتحت عنوان “رضا سعيد والجهود الأكاديمية تحدث د. وائل بركات:

خطط الأب لمستقبل ابنه الصغير رضا ليكون ضابطاً في الجيش وأن يجمع إلى ذلك مهنة الطب، وبعد أشهر قليلة، ونظراً لمستواه الرفيع في الطب، اختاره أستاذه ليكون مساعده الأول في العمليات الجراحية وخاصة الدقيقة منها وعندما اجتاحت العاصمة والمدن الأخرى الأمراض الوبائية وانتقالها إلى عدد كبير من قاطني دمشق فتسببت بموت الكثيرين، ونظراً للسمعة الطبية الجيدة والقدرة على إدارة الأمور وتنظيمها تسلم رضا سعيد رئاسة بلدية دمشق، ليساعد الناس ويخفف من الأذى الذي يقع عليهم كل يوم بالقدر المستطاع، وانتقل رضا سعيد إلى ساحة العمل، فقام باستعادة البناء الذي كان مقراً للمعهد الطبي العثماني، وجعله مقراً للمدرسة الطبية العربية (المعهد الطبي العربي لاحقاً)، وبعيداً عن الواجب الوطني الذي كان عالي المستوى عنده، نستطيع القول إن معايشة الأوبئة التي تغلغلت في المدن السورية وخاصة مدينته دمشق أثناء الحرب، وما ترتب عليها من وفاة زوجته مارسيل، وما قام به أثناء عمله رئيساً لبلدية دمشق للحد من انتشار الأمراض والجهل الصحي لدى الناس، كانت محرضاً إضافياً حرك حماسه لإعادة الحياة في المدرسة الطبية العربية، وقد استطاع رضا بأقل من شهرين إعادة الحياة للمدرسة الطبية العربية، وأوكلت إليه إدارتها إضافة إلى عمله مدرساً لأمراض العيون. لقد كان هاجسه الأساسي في أن تقارب هذه المدرسة نظيراتها من المعاهد الطبية في الدول العربية والغربية أيضاً.

قامة علمية

وتحت عنوان “سيرة حياة رضا سعيد” قال مدير الندوة د.إسماعيل مروة: اخترنا اليوم تكريم رضا سعيد لأنه شخصية أكاديمية أسهم في الحركة العلمية، وكل طلاب سورية مدينون له، ومن واجبنا أن نستعيد رضا سعيد ونذكر ما قدمه للعلم في سورية، فقد درس وتخرج في اسطنبول، ثم أوفد إلى باريس ليدرس طب العيون، وعاد إلى تركيا ليكون طبيباً وبعد تقاعد والده عاد إلى سورية، وتسلم المشفى العسكري، وكان رئيساً لبلدية دمشق، وعميداً لمعهد الطب آنذاك، وعندما تأسست الجامعة السورية أصبح أول رئيس لجامعة دمشق، وعين وزيراً للمعارف لمدة سنتين ثم عاد إلى إدارة الجامعة، ونذر حياته لها وللعلم في سورية، وعندما توفي نكست الأعلام لأجله لأنه قامة علمية من الصعب إيجاد مثيلها.

جمان بركات