دراساتصحيفة البعث

النفط أغلى من حياة الإنسان!

ترجمة: هناء شروف

عن موقع نيوزويك 28/9/2019

تبدو وكأنها نكتة تافهة، فما الفرق بين أن تقتل الآلاف من المدنيين  بغارات جوية وطيران مسيّر، وبين استهداف منشأتي النفط السعوديتين “بقيق- والخريص” قبل أيام. الجواب ليس مسألة تدعو للضحك، الفرق هو أن  إدارة ترامب لن تتسامح مع منفّذي الهجمات التي تهدّد الأسواق النفطية، بينما تتعامى عن منفذي الغارات الجوية على الأبرياء في اليمن!.

يتعرّض الشعب اليمني، منذ أكثر من أربع سنوات، للقصف بلا هوادة من قبل تحالف متهور يعود إلى القرون المظلمة بقيادة المملكة السعودية، مئات الصيادين هنا وعشرات القتلى في حفلات الزفاف هناك، وقتل آلاف الأطفال وتشريدهم فقط في عام واحد. أربعة وأربعون من هؤلاء الأطفال كانوا في حافلة برحلة مدرسية صيفية إلى صعدة عندما استُهدفت سيارتهم بصاروخ في آب 2018، وقد أظهر شريط الفيديو الذي صوّره أحد الضحايا، قبل حدوث التفجير، الأولاد يضحكون ويلعبون في الحافلة قبل وقت قصير من دمارها.

في ذلك الوقت وبعد مرور أسبوع على هذه الحادثة، التقى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ولم يأتِ على ذكر هذه الحادثة ولم يعلق عليها ولا بكلمة واحدة. لم يبدِ هذا المسؤول الرفيع المستوى أي اهتمام باستهداف الحافلة بالصواريخ، وقتل الأطفال الأبرياء الذين لا ذنب لهم على الرغم من أنهم قُتلوا بأسلحتهم وطائراتهم. فقد أظهر تحليل للحطام من موقع الحافلة المدرسية أن القنبلة الموجّهة بالليزر، والتي يبلغ وزنها 227كغ والمستخدمة في الهجوم، صُنعت من قبل شركة “لوكهيد مارتن” وبيعت للسعودية كجزء من صادرات الأسلحة الأمريكية بمليارات الدولارات.

بالمقابل قامت الدنيا ولم تقعد بعد الضربات الصاروخية التي استهدفت منشأتي النفط السعوديتين “بقيق- والخريص” في نهاية الأسبوع الماضي، وقيل إن عشر طائرات من دون طيار وسبعة صواريخ أوقفت نصف إنتاج السعودية من النفط، وأن على العالم أن يستعد لارتفاع أسعار الوقود في أعقاب الانخفاض المتوقع في الإمدادات. هلعٌ اقتصادي عالمي وخسارة 5.7 ملايين برميل من الإنتاج النفطي اليومي للسعودية ما يُشكّل نحو 50% من إنتاج السعودية و5% من الإنتاج اليومي العالمي، وتسبّبت الهجمات بـ”أكبر اضطراب نفطي في التاريخ”.

أثارت الضربات غضب مايك بومبيو الذي أعلن أن الضربات الجوية بطائرات من دون طيار “هجوم غير مسبوق على إمدادات الطاقة في العالم” و”جريمة حرب”، وأنه لن يتمّ التسامح مع المتسبّب بهذه الهجمات.

إنه لأمرٌ مخزٍ أن تثير الهجمات التي استهدفت حقول النفط  الضجة في العالم لبضعة أيام، فيما لم تحظَ حرب تدخل عامها الخامس بأي رأي عالمي لإيقافها رغم تسبّبها بحدوث أسوأ أزمة إنسانية. لم يمت ولا شخص واحد نتيجة هذه الهجمات، ولم يصب أحد بأذى، وها هو وزير الطاقة السعودي يقول إن نصف إنتاج النفط الذي تمّ إيقافه قد تمّ استرداده، بينما تركت الحرب التي تشنّها السعودية وحلفاؤها على اليمن الملايين، بما فيهم 85000 طفل، يواجهون المرض وعلى شفا الموت جوعاً.

لماذا لم تدن أمريكا الحرب؟ إلى أين يذهب العالم عندما يعتبر الارتفاع  والهبوط في أسواق النفط أكثر أهمية من الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الذين يُقتلون أثناء قيامهم بأعمالهم في حياتهم اليومية؟ ما هو دور أمريكا إزاء ما يحصل في اليمن وأين غضبها بقدر ما تغضب لآبار النفط؟!.