اللّيرة.. والمسؤوليّة الوطنيّة..!
ثمّة إعرابات وارتسامات شتّى لمبادرة بعض كبار رجال المال والأعمال إلى دعم اللّيرة أمام الدّولار! بعضُها استحضر مأثور القول: “أن تأتي متأخّراً؛ خيرٌ من ألا تأتي”، مُثمّناً المبادرة، ومُسجّلاً عتبه على تأخّرها، ومُذكّراً بإعادة قراءة تعريف المسؤوليّة الاجتماعية للشّركات وقطاع الأعمال تجاه المجتمع المحليّ؛ إذ يُباهي رجال المال والأعمال في الشّركات حول العالم بأدوارهم في المسؤولية الاجتماعية وإسهامهم الإيجابي في رخاء الأفراد والبيئة والاقتصاد في مجتمعاتهم المحليّة..! اتّساقاً وانسجاماً مع ما يعدُّوه التزاماً أخلاقياً بتعريف المسؤوليّة الاجتماعيّة لقطاع الأعمال والشّركات، كما اقترحه مجلس الأعمال العالمي للتّنمية المستدامة الذي ينصّ على: (التزام الشّركة المستمر بالسّلوك الأخلاقي، والإسهام في التّنمية الاقتصادية، مع تحسين مستوى المعيشة لأفراد القوى العاملة وعائلاتهم، بالإضافة إلى المجتمع المحلي والمجتمع الوطني بشكل عام).
فيما ذهب بعضنا إلى اعتبار المبادرة واجباً وطنيّاً صرفاً، يتجاوز حدود المسؤوليّة الاجتماعيّة ليتماهى مع المسؤوليّة الوطنيّة ولا نهائيّة أبعادها، ويضعوا الانتماء والهويّة على المحكّ، مُتكئين على المثل القائل: (المحن محكّ الرجال)، في ظرفٍ اقتصاديّ؛ هو الأدقّ والأكثر مفصليّة في عناوين الحرب الجائرة وفصولها على الوطن، وكينونته وحاضر أبنائه ومستقبلهم. بينما رأى آخرون أنّ : “لحم أكتاف” هؤلاء؛ من فضل الوطن وخيراته، ولا محيص لهم من سداد الدّين الذي في أعناقهم، ولا منّة لهم في هذا..! على قاعدة: “الغُنم بالغُرم” ، إذ إنّ استمرار نبضهم مرتبطٌ عضويّاً بالحفاظ على الدّورة الدّموية لجسد الوطن وانتظام نبضه..!
ولا يخفى ههنا، تخفّف عدد لا بأس به من رجال المال والأعمال من مسؤوليّتهم، وموقفهم من المبادرة موقف المشاهد المتنحّي إن لم نقُل المتخاذل، الذي يعكس إدمانهم الواعي على أبويّة الدّولة، واتّكاءهم في اللّاوعي على حضنها الدّافئ؛ الأمر الذي كرّس لديهم ذهنيّة التّفلّت من واجب المسؤوليّة الاجتماعيّة الواقع على عاتقهم كقطاع مالٍ وأعمال، بدلاً من التقاط اللّحظة لإثبات هويتهم وتجذّر انتمائهم..!
تخفّفٌ وتفلّتٌ يُدلّلان في العمق على أنّنا لا زلنا ندور في حلقةٍ مفرغة حول تعريفٍ جامعٍ مانعٍ للمسؤوليّة الاجتماعيّة في بلادنا، ما يُضاعف حدّة الجدل حيال الدّور المنشود من مؤسسات وشركات قطاعنا الخاص في مضمارٍ كهذا، كما يُبقِي أبواب النّقاش ونوافذ الاستفهام مُشرعةً حول الدّور التّنموي المنوط برجال الأعمال والشّركات خلال المرحلة الرّاهنة، وملحاحيّة ربط برامج المسؤوليّة الاجتماعيّة بما تمرّ به البلاد من أزمةٍ وحصار اقتصاديّ جائر، وتداعياتها على الواقع الاقتصادي المعيش، وفي مقدّمه سعر الصّرف، وما أنتجه من انكماش في السّيولة، واستمرار في سياسات التقشّف وشدّ الأحزمة على البطون..!
لنغدو في مرمى الأسئلة المرّة عن دور مؤسّساتنا الخاصّة وقطاع الأعمال لدينا من: تقديم الدّعم البنيويّ لأبناء المجتمع المحليّ، ولاسيّما منهم ذوي الشّهداء والجرحى، أو ذوي الاحتياجات الخاصة ومعوّقي الحرب؟ وعن النّشاطات التّوعويّة، والشّراكات مع الجامعات والمدارس والمستشفيات ومراكز الشّباب؟ وعن منصّات التّفاعل ونشاطات تطوير الأداء؟ وعن حجم المساهمات في تمويل المشروعات المتوسطة والصّغيرة أو متناهية الصّغر، أو المشروعات الاستثمارية في مجال التنمية المستدامة؟ وعن احتضان الخرّيجين وتدريبهم وتأهيلهم العمليّ، ومن ثَمّ تمكينهم لاستقطابهم في سوق العمل؟
تساؤلات تتناسل من واقع مأزوم؛ يتطلّب تغييراً في ذهنيّات التّعاطي مع العقابيل والتّداعيات، واجتراح الحلول بمبضع الوطنيّة والانتماء.
والحال أنّنا اليوم أحوجُ ما نكون إلى ميثاق وطنيّ للمسؤوليّة الاجتماعية لقطاع المال والأعمال، كرُكنٍ أساسٍ؛ يضمن تصدّي القطاع الخاص لدوره الوطنيّ والمجتمعيّ المنشود، ويكفل زجّه في معادلة: “الغُنمُ بالغُرم” بكلّ ما فيها من معاني الاعتراف بالفضل وردّ “الدّين” أو الجميل..!
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com