ليس صحيحاً الدلال المفرط.. آثار سلبية على الشخصية ومعاناة تربوية لتقويم السلوك
مزعج وغير مهذب، ولا يمكن اصطحابه لأي مكان، فهو لا يستجيب عندما يقال له لا، ويعترض، ولا يحترم حقوق الآخرين، بل يحاول السيطرة عليهم، دائم الغضب والصراخ، إنه الطفل المدلل أو المفسد، فهل توجد عواقب للدلال الزائد على الطفل نفسه، والأسرة، والمجتمع؟.
الدلال الزائد
الدكتورة “رشا شعبان”، أستاذة في علم الاجتماع في جامعة دمشق، حدثتنا حول الآثار النفسية والاجتماعية للدلال الزائد للطفل، حيث قالت: في البداية يجب التمييز بين الدلال الزائد للطفل، وإعطائه الحب والحنان والاستقرار اللازم له، فالحب ليس بالمنح فقط، وإنما بالمنح والمنع بآن واحد، أي إعطاء ما يحتاجه الطفل، ومنع ما يفسده، وأضافت شعبان: توجد آثار سلبية للدلال المفرط، فتسيطر على الطفل المدلل الأنانية، والعنف في تصرفاته مع الآخرين، خاصة عند عدم الاستجابة لرغباته، علاوة على أنه لا يستطيع مواجهة مشاكل الحياة، كما أنه يفقد الاحترام للآخرين، ولا يشعر بالمسؤولية، فهو غير مبال بتصرفاته.
ونوّهت شعبان إلى أن الطفل المدلل هو في حقيقته إنسان المستقبل الاتكالي والطفيلي والقائم من خلال الغير، إضافة إلى عدم قدرته على مواجهة المشاكل، سواء في عمله أو عائلته، فيلجأ إلى الانسحاب والرجوع للوراء، فقد أجمع التربويون منذ أمد بعيد أن السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل لديها التأثير الأكبر في تكوينه، فكل ما يعيشه الأطفال في هذه المرحلة سيؤثر فيهم لبقية عمرهم.
وفيما يتعلق بالنصائح اللازمة لكيفية تعامل الأهل مع أطفالهم باعتدال ووسطية، أكدت شعبان أنه لا يجب إعطاء الطفل جميع طلباته فوراً ليشعر بقيمة الأشياء وأهميتها، ويتعلّم الصبر، كما يجب التعامل معه بحزم وقسوة دون ضرب، وتعليمه القيم الأخلاقية، والاستماع لتوجيهات الأبوين، والاعتذار عند ارتكاب الخطأ مع عدم الرجوع إليه.
وأضافت شعبان: يجب عدم تجاهل الأهل للطفل عندما يطلب شيئاً ما، كونه سيبدأ بالصراخ ويعلو صوته لتسمعه، ثم تمل فتوافق، وإنما يجب إعطاؤه الاهتمام المطلوب لتسأله عما يريد بهدوء، وتقنعه بسبب رفضك.
طريقة خاصة
الدكتورة شفيعة سلمان، “إرشاد نفسي”، أكدت على أن خبراء التربية يؤكدون أن كل طفل يتطلب طريقة خاصة في التعامل معه تختلف عن غيره من الأطفال، وذلك بحسب شخصية الطفل، والطباع التي تتحكم بتصرفاته وردات فعله، حسب البيئة المحيطة به، وطرق الإشراف المطبقة عليه، والعوامل الوراثية، والقيم الموجودة بمجتمعه.
وأضافت سلمان: وفيما يتعلق بالدلال المفرط للطفل، فإن تعامل الأهل مع الطفل المدلل بوجدانية وعاطفة زائدة يسبب انعكاسات سلبية تفوق الانعكاسات السلبية للحرمان، فالطفل المدلل لا يتبع القيود والمعايير المجتمعية أو الأسرية، إضافة لتضخم الأنا والنرجسية لديه على أقرانه، مع التكرار الدائم للخطأ دون ندم أو خوف، كما أنه متطلب وغير عقلاني، لدرجة أنه سيشعر بالعزلة والارتباك إذا لم تُلب طلباته، منوّهة إلى أن هذه الآثار المذكورة ستمتد للمستقبل، ما يؤثر سلباً على طموحاته وعلاقاته مع الآخرين.
آراء أمهات
في الأغلب يكون الطفل المدلل “طفلاً” جاء بعد فقدان الأمل في الإنجاب، أو أنه الطفل الوحيد بالعائلة، زهية المحمود “أم محمد” لديها طفل واحد بعد سنوات عديدة من الانتظار، حيث ذكرت: بعد 10 أعوام من الزواج قضيناها أنا وزوجي بالتنقل من طبيب لآخر، رزقني الله بطفلي الوحيد “محمد”، ما دفعنا لعدم حرمانه من شيء، فطلباته مجابة حتى قبل أن يطلبها.
وأضافت بحرقة وندم: لم نعاقبه على أخطائه، وعدم احترامه لنا وللآخرين، وصراخه غير المبرر، ولكن للأسف مع مرور الزمن، وعندما أصبح بسن المراهقة، بدأ بالتدخين، والسهر مع أصدقائه خارج المنزل، والرجوع بساعات الليل المتأخرة، إضافة إلى الفشل الدراسي، مشيرة إلى عدم تقبله النصائح والتوجيهات، وإصراره على ارتكاب الأخطاء بسبب تعويده منذ صغره على أن طلباته مستجابة، وعدم محاسبته على تصرفاته.
وأخيراً نصحت “أم محمد” الأهل بعدم الدلال المفرط لأبنائهم مهما كانت الأسباب، وخاصة الأم، فغريزة الأمومة تدفع الأم إلى تلبية جميع رغبات الطفل دون تفكير بالعواقب الخطيرة عليه، وعلى محيطه.
تنشئة صحيحة
الأطفال هبة من الله، وأمانة في أعناق الوالدين يجب توجيههم وتنشئتهم التنشئة الصحيحة، والتعامل معهم بحب وحزم في الوقت نفسه، فالطفل المدلل ليس من تلقاء نفسه أصبح مدللاً، فكل محيطه يقوم بتدليله، ويلبي جميع طلباته بسعادة، وبالمثل الطفل المشاغب الكل حوله في حالة صخب، واحتجاج، وفجأة يجد نفسه تلقائياً يقوم بالأعمال نفسها.
رهف شحادة