“قانون حراسة الشهّوة”.. خليل صويلح يعيد لرسائل الغياب ألق حضورها
في كتابه “قانون حراسة الشهّوة” الصادر عن دار نينوى بدمشق، يقدم لنا الروائي خليل صويلح كتابا على غاية من الأهمية، من حيث تلك الميزة التي توسم كتب خليل بوشم متميز يندغم في تلافيف الذاكرة ولا ينسى أبداً. وهو في كل أعماله روائيا وإعلاميا لا يجتر ذاته ولا يتكئ على عكاز عربة أيامه، هو في كتابه “ضد المكتبة” مختلف عن كتابه “قانون حراسة الشهّوة”، وحتى في أعماله الروائية مختلف من (بريد عاجل إلى دع عنك لومي، إلى سيأتيك الغزال، وجنة البرابرة، مرورا باختبار الندم. إلى عزلة الحلزون). وفي كتابه المتميز هذا قانون حراسة الشهّوة. منذ العنونات الملتحفة بفهرس الكتاب سنكون أمام عناوين فرعية تفضي إلى اشتغالات كبيرة على مداليل النص ولربما سنكون قراء في لحظة ما نلوذ باللجوء لعنوان فيه الكثير من شد قارئه لكمين مكنونه، هكذا سنكون بصحبة الروائي خليل صويلح في رحلة تقارب نصوص وكتابات وأسماء لأدباء عرب وأجانب في كتاب متميز ومميز.
إذا كانت الإيروسية هي تعبير مباشر عن الشهوة، فإن مراودتها في الكتابة ماهي إلا شهوة مضاعفة في هتك اللغة من الاحتشام المزيّف والمراوغ وتفكيك لصلابة النص المحرّم، وبمعنى آخر ردم المسافة بين ما حققه الأسلاف في هذا الباب، وخلع أقفال أحزمة العفة التي علقت في كتب الجسد في الحقب الظلامية اللاحقة. يواجه النص الايروتيكي معضلة أخرى تتعلق هذه المرة بطريقة السرد نفسها، إذ يقصي معظم الروائيين والروائيات ضمير المتكلم عن بقية الضمائر المستعملة، لإبعاد شبهة السيرة أو الاعترافات عن نصوصهم. يقول صويلح: “إن عملية إقصاء الجنس عن قائمة القضايا الكبرى في الكتابة الإبداعية، بذريعة الخدش والعيب والابتذال، أدى وسيؤدي إلى خلل فكري فادح في التخييل العربي، وتهشيم إضافي للجسد الجريح في الأصل، وتمزيق لهوية غير مكتملة. والحال فإن المحاولات الشبقية لاستعادة الجنس، ماهي إلا مرآة شبقية للكتابة نفسها، ومحاولة لحفر بئر عميقة، في ارض صخرية قاسية وقاحلة وجرداء” .
في “قانون حراسة الشهوة”. لن نحب تقشير البصل مع غونتر غراس. عنوان كتاب مذكرات غونتر غراس هو: (تقشير البصلة) الآن أفكّر بعنوان مذكرات غابرييل غارسيا ماركيز (عشت لأروي) هناك مسافة بين العنوانين، فالأخير أراد أن يقول بأنه عاش حياة عريضة كي يرويها، بمعنى أنه يعيش التجربة كي يكتبها، أو أنه أتى هذه الدنيا كي يكون روائياً وحسب. بخصوص غونتر غراس، فإنه يروي بالاتجاه المضاد، فتقشير البصلة يتطلب إزالة طبقة وراء أخرى كي نصل إلى اللبّ. ص 27
عناوين هذا الكتاب تفضي إلى عوالم على غاية من الأهمية، غادة السمان: الحياة بوصفها تجربة للكتابة. هل أضحت غادة السمان كاتبة افتراضية؟ الأرجح أن الأمر كذلك. هناك فقط صورها القديمة وهي تحتضن طائر البوم الذي بات قرينها، منذ أن اختارته شعاراً لكتبها، فهي مثلها مثل نزار قباني، أو أنها تشبهه بلاغياً في التمرد والجملة المارقة والحفر في الكلمات. هناك حياة كاملة تنمو في أحراش اللغة، عند تلك القنبلة الانشطارية، التي فجرتها منذ سنوات، حين نشرت رسائل غسان كنفاني إليها، وإذ بالقبائل كلها تستيقظ على عار الفضيحة لصورة (المناضل عاشقاً) ص103 –
تفتقر المكتبة العربية بوجه عام إلى جنس أدبي حميم هو (أدب المراسلات) هذا النوع من الكتابة الذي يحمل (رغبة في البوح والمكاشفة والتفكير بصوت مرتفع) حسب تعبير محمد برادة في تقديمه لرسائله مع محمد شكري التي حملت عنوان (ورد ورماد) ولعّل ندرة الرسائل المتبادلة بين المبدعين العرب، تندرج في إطار تقاليد، لم تتعزّز على نحو واسع إلى اليوم في ثقافتنا العربية، وقد يكون سبها نبذ كل ماهو ذاتي، لصالح الخطاب الأيديولوجي الذي يقمع الأنا. ص 127 .
في عنوان متميز ولافت.( لكل منّا حصته من ميراث ممدوح عدوان) بعضنا وضع يده على تركته في سحر الترجمة، وآخر ذهب طوعا إلى نبرته العالية في الشعر، وثالث سعى إلى تلمس حضوره في الصحافة ككاتب مقال سجالي، ولن ينسى آخرون مساهمته في المسرح، أو الدراما التلفزيونية، وربما هناك من سيهتف: عليكم بروايته شبه اليتيمة (أعدائي).
ميزة إبداعات الروائي صويلح أنها لاتشبه كتابات الآخرين وأنها أيضا علامة فارقة في مشهد النص السوري والعربي وفي ذات الوقت من الصفحات الأولى يكتشف قارئها أنها للكاتب خليل صويلح.
أحمد عساف