واشنطن ليست “منارة الديمقراطية”
يُقال: إن مصدر إلهام الديمقراطية الأمريكية يمكن أن يُعزى إلى إعلان الاستقلال والدستور وقانون الحقوق في البلاد الذي وُلد في 1776 و1788 و1791 على التوالي. لقد مر زمن اعتبرت فيه واشنطن منارة للديمقراطية، ولكن في القرن الحادي والعشرين بقيت العقلية التبشيرية قديمة الطراز، وظلت نظرة السياسيين الأمريكيين إلى العالم كما هي دون تغيير، وقد يكون هذا أحد أسباب الفوضى المستمرة في جميع أنحاء العالم اليوم.
وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أصدر بياناً في اليوم الدولي للديمقراطية، أكد فيه أن الولايات المتحدة “ستظل رائدة في حماية المجتمع المدني لتعزيز أسس الديمقراطية”، لكن هل كانت الولايات المتحدة “زعيمة” مؤهلة لحماية الديمقراطية؟ عند النظر إلى الاضطرابات الجارية في العالم، نجد أن الولايات المتحدة تسببت في عدد غير قليل منها باسم الترويج للديمقراطية.
لنأخذ احتلال العراق في عام 2003، في ذلك الوقت كان الرئيس الأمريكي آنذاك جورج دبليو بوش يسعى وفق زعمه لتشجيع تحوّل الدول العربية نحو الديمقراطية، مدعياً أن غياب الديمقراطية في المنطقة كان السبب الجذري للإرهاب، كما لعبت واشنطن خلال ما يسمى “الربيع العربي” عام 2011، دوراً مسانداً فيه، لكن كل الأحداث لم تجلب سوى الفوضى.
في الأسابيع الأخيرة مع الاضطرابات فيما لم يتردد العديد من السياسيين الأمريكيين في التعبير عن دعمهم للمتظاهرين المتطرفين في المدينة، والسؤال: هل سيتم حل أي من مشكلات هونغ كونغ من خلال دعم مثيري الشغب على تدمير مدينتهم؟.
يناقش السياسيون في واشنطن الترويج لقانون هونغ كونغ لحقوق الإنسان والديمقراطية لعام 2019، ويبدو أن الولايات المتحدة تعتقد أن هذه الخطوة يمكن أن تخيف الصين، لكن هل يظن الساسة الأمريكيون أن ذلك قد ينجح؟ في الحقيقة لم تعد الولايات المتحدة اليوم مؤهلة لإعلان نفسها منارة الديمقراطية، لأنها لم تثبت قدرتها إلا على شن الحروب وتدمير الدول، وعندما غردت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون: “قد نتضامن جميعاً مع أهالي هونغ كونغ، وهم يتحدثون عن الديمقراطية والحرية”، قال أحد رواد التواصل الاجتماعي الأجانب: “لا.. آخر مرة وقفت فيها أمريكا مع الآخرين، ليبيا، العراق، اليمن.. قامت بتدميرها”.
لا شك أن الديمقراطية على النمط الأمريكي أبعد ما تكون عن الدواء الشافي، ولكن وسط تغييرات كبيرة في جميع أنحاء العالم، لا تزال عقلية واشنطن غارقة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر حين كان التصوّر القديم أن الولايات المتحدة هي الأفضل في كل شيء.
من هنا الأفضل للولايات المتحدة أن تفكّر في المزيد من التدابير العملية، بما في ذلك تعزيز التنمية العالمية لحقوق الإنسان الأساسية، مثل الرعاية الاجتماعية، والحق في العمل، واحترام المزيد من المصالح العامة العالمية بدلاً من التمسك بالحمائية التجارية وسياسة “أمريكا أولاً”.
عناية ناصر