حرب تشرين في الأدب
حرب تشرين هي أهم يوم في تاريخنا المعاصر، وبعد مرور ست وأربعين عاماً على هذه الحرب نتساءل هل استطاعت أن تفرز أدباً حقيقياً يتناول عمقها وروحها، يحلل عواملها الذاتية والموضوعية، أسبابها ونتائجها، ويربطها بمعطيات الحياة، ويرقى لمستوى هذا الحدث العظيم، أم أن ماكتب لم يقاربه إلا من الخارج عبر التهليل والتمجيد للنصر وهذا لايكفي أن يطلق عليه اسم أدب تشرين، فهناك من يرى أن حرب تشرين في عمقها النضالي والإنساني قد أنتجت أدباً مغايراً أشعل نار الإبداع وأطلق الفينيق من رماده، ليؤكد الأدب من خلالها أنه فعل وجود تاريخي على كافة المستويات من حيث زمن الحرب وما قبل، ومابعد، حتى هذه اللحظة، وما لهذا الوجود من تشكيل رؤيوي مستقبلي لما يمكن أن يكون، فالحديث عن أدب حرب تشرين هو حديث عما يسمى اصطلاحاً (أدب الحرب) هذا الأدب الذي تنعكس فيه الأحداث ويعكسها بروحه الإبداعية بأشكال مختلفة تختلف حسب المسافة الفاصلة بين الحدث والنص، فكلما كانت المسافة قريبة كان هذا الأدب مباشراً احتفالياً تحريضياً، ولا ينكر أحد مالهذا الانفعال التحريضي من دور وقت الحرب، حيث لحظة الدهشة في الانتقال من انكسار الذات في حزيران إلى انتصارها وتألقها في تشرين، لذلك كثير من الأدباء أنتجوا أدباً متميزاً بعد مسافة كافية من الحدث لإنتاج النص الإبداعي الحقيقي، إن كان على المستوى الشعري أو القصصي أو الروائي كـ نزار قباني وحنا مينه وعبد السلام العجيلي.. الخ. أما الأدب الذي أنتج بعد مسافة بعيدة من حرب تشرين حيث تحولت الحرب إلى رمز ودرس تاريخي لابد من قراءته وإعادة تأمله، لأنه لحظة من لحظات كتابة الأمة لتاريخها النضالي الحقيقي، وبالتالي تحول الأدب في هذا المقام إلى أدب تأملي يكشف في عمقه الإبداعي جوهر النصر الذي حققته تلك الحرب ليأخذ الأدب دورا آخر يختلف عن دوره زمن الحرب، وهو دور إعادة تشكيل الواقع المعاصر من خلال قراءة الحدث، وهذا هو دور الأدب حال السلم والذي هو أعم وأشمل لما يحمل من فضاءات جديدة ورؤى مستقبلية. ومن هنا يمكن القول إن أدب حرب تشرين هو أدب حقيقي يعبر عن الدور الفاعل للكلمة وعن الرسالة الإنسانية للأدب في بناء الأمة وكتابة تاريخها، لأن التاريخ الحقيقي هو الذي ينتجه الإبداع المرآة الصادقة عن نضال الأمة.
هزمت مخاوفنا
وهناك من يرى أن حرب تشرين هزمت مخاوف الإنسان العربي، والأدب الذي قدّم حرب تشرين تعامل معها في كثير من الحالات بشكل إعلامي أكثر من تعامله معها بشكل فني، ولهذا كانت حرب تشرين أكبر وأعلى شأناً من الكتابات التي قدمتها، أو أشارت إليها، وفي أكثر الأحيان الحروب الكبيرة تحتاج إلى أدب كبير حتى تخلّد ملحمة الحرب في ملحمة الفن، وحتى تصل صورة الحرب وأهدافها إلى الإنسان المتلقي وإلى الفن، وهذا مانراه مثلاً في عالم أبي الطيب المتنبي الذي قدم بشكل فني حاذق ملاحم سيف الدولة الحمداني، ومثله هوميروس حين قدم معارك الطرواديين البطولية.
ويتقاطع رأي آخر مع الرأيين السابقين بأن المقاومة المعاصرة بدروسها الاستثنائية والخصوصية جداً أضافت روحاً جديدة للحبر العربي، وأعطت قناديل عالية ونجوماً لسماء الإنسان العربي التي كانت لاتجود على الأحلام والرؤى إلا بالعتمة وهول المخاوف، فجاءت دروس المقاومة منذ تشرين لتبدع حبراً جديداً للكاتب العربي، وأحرف عطف وكلمات جديدة وجمل مفيدة لم تكن اللغة المعاصرة من أمرها في فعل المقاومة العربية المعاصرة التي أمكن لكل قارئ عربي أن يحوز نسخة من هذا الكتاب وبشكل غير مجاني بتاتاً، تشكل له علاقة وثيقة بحلم الإنسان وفصاحة روحه، وبعد هذه الدروس العظيمة لم يعد بمقدور الكاتب العربي أن يكون خط هدنة بين أوراق حلمه الثبوتية، وغياب هذه الأوراق.
عاصفة من الأمطار المشتهاة
وينظر آخرون لحرب تشرين التحريرية أنها بمثابة عاصفة من الأمطار المشتهاة، بعد جفاف السنوات العجاف، وما إن هدأت العاصفة حتى بدأت عيون الأدباء تتجول في حقول الأمس وشتلات المستقبل التي غرستها هذه الحرب من الأمل، وأخذت الأقلام تتبارى في تدوين يوميات الحرب ، والإضاءة على الروح المعنوية العارمة التي تميز بها الإنسان العربي إبان تلك الأيام سواءٌ أكان مقاتلاً في الميدان.. أم حارساً للجبهة الداخلية التي ساندت المقاتلين وحمت ظهورهم وسقت تطلعاتهم وآمالهم الكبيرة، ويذكر متابعو الأدب كيف تبلورت إيقاعات تلك الحرب في مجموعة من المؤلفات البارزة منها: “تلك الأيام” مجموعة قصصية للدكتورة نجاح العطار- “المرصد” للأديب حنا مينه- “أزاهير دمشق المدماة”للروائي عبد السلام العجيلي- “صخرة الجولان” لعلي عقله عرسان- مجموعة قصصية لطه عمرين “على دروب التحرير”وسوى ذلك من الأعمال الهامة التي شكلت القطفه الأولى من ثمار تلك الحرب، ثم تلتها على مدى سنوات أعمال أخرى لعدد من كتاب جيل الشباب راحوا ينهلون من معانيها ورموزها وأبعادها إبداعات كثيرة .