ذكرى جدّدها صمود المقاتل السوري على جبهات القتال مع الإرهاب
حين نستعيد الماضي لا نفعل ذلك لمجرد الحديث عن ذكريات جميلة، وأيام مليئة بالانتصارات، ولكن لدروس عميقة، وعبر يحملها في صفحاته المشرقة التي ولدت الكرامة فيها مع الرجولة، وأيقظت الكبرياء في ساحات الشرف، وعلى عتبات وطن مجروح، لكنه وطن صامد ومنتصر أبداً بالتضحيات والدماء الزكية التي قدمها أبناؤه قرباناً رخيصاً على مذبح عزة الوطن وعليائه، فكان لهم ما أرادوا، وانتصروا لعزة تتجدد من ستة وأربعين عاماً، في حرب الكرامة العربية التي خاضها الجيش العربي السوري، كما يخوض اليوم حربه ضد الإرهاب نيابة عن الأمة العربية، وعن العالم بأسره.
في ذكرى انتصار تشرين يستعيد التاريخ عبقه، ويتجدد إيمان الانتصار بعزيمة المقاتل السوري الذي عرف بعنفوانه، وعشقه للكبرياء، وإصراره الحتمي على الانتصار والتفوق مهما كانت التحديات.
أيام الانتصار
وفي الذكرى السادسة والأربعين لانتصار تشرين نستعيد أياماً تشابه ذاك الزمن الجميل حين خاض الجيش العربي السوري معركة الحقيقة ضد الصهاينة المعتدين، مؤمناً بأرضه وكرامته، حين أخذ القرار شجاعاً جريئاً بإعلان الحرب على العدو الإسرائيلي الغاصب للأرض، ومضى في معركة التحرير برفقة الجيش العربي المصري، وأحرار العرب، كما يمضي اليوم مع حلفائه القدامى في حربه ضد إرهاب مختلف الجنسيات، ومن كل بقاع الأرض.
ما أشد تشابه الأيام التي حقق فيها بواسل الجيش العربي السوري ضربات ساحقة موجعة تقض مضاجع الإرهابيين، واستعادوا الأراضي، كما فعل أجدادهم في الأيام الخوالي بحرب تشرين التحريرية حين لقّنوا العدو الإسرائيلي دروساً قاسية في القتال والنار، لتهوي أحلام قادتهم المزعومة بالانتشار والتوسع، ونستعيد جزءاً من الأرض المحتلة، كما تتداعى أحلامهم المريضة اليوم مع أدواتهم الوهابية بتقسيم الدولة السورية، أو تفتيتها، ويبتعد هذا الحلم يوماً بعد آخر مع استمرار الصمود الأسطوري للجيش العربي السوري الذي استحق كل تقدير في كل زمان ومكان قاتل فيه فانتصر.
ما أشد تشابه الأيام والجندي العربي السوري يقاتل بالنيابة عن الأمة العربية مجتمعة ليحفظ ما بقي فيها من كرامة، ويكتب التاريخ مجدداً بحروف الشجاعة والتضحيات، كما فعل في حرب تشرين واستعاد جزءاً من الأرض على خطا تحرير الجولان، واستعادة كل شبر من أية أرض عربية مغتصبة.
ذاكرة متجددة
في صفوف الجيش العربي السوري اليوم مقاتلون أشداء، بعضهم لم يعرف حرب تشرين إلا من كتب التاريخ، وبعضهم عرفتها طفولتهم، وقليلهم فقط خاضوا معاركها، وذاقوا في أيامها طعم المجد والانتصار، وتحطيم أسطورة العدو الصهيوني وسطوته، لكن جميع المقاتلين يؤكدون اليوم أنهم ماضون بعزم وثبات وإرادة لصناعة تشرين آخر في حربهم مع الإرهاب، وعديد الدول التي تدعمه وترعاه، يقول علي حسن، مقاتل في صفوف الجيش العربي السوري: الدماء السورية لا يمكن إلا أن تتجدد وتتوالد وتتقد من بعضها، فهي كما النار المتقدة، والشعلة التي لا تنطفىء، والصمود الذي حققناه في السنوات الماضية لن يضيع قبل أن يتوّج بدحر كل الإرهابيين من كل مدينة وقرية وبقعة في وطننا، ويكمل ذلك الشاب الذي أتم عامه التاسع والعشرين، وأمضى معظم سنوات شبابه في الخدمة، وخاض معارك كثيرة، وعرف طرقاً مختلفة من القتال متنقلاً بين جبهات مختلفة في الحرب ضد الإرهابيين، فيقول: صحيح أنني اليوم مثل شباب آخرين كثر تعبنا من طول سنوات الحرب، ومن كثرة المعارك التي خضناها ضد الإرهابيين، لكن اليأس لم يعرف طريقه بعد إلى قلوبنا، والعزيمة التي تسكننا تتجدد كل حين، لأننا أصحاب حق وقضية، ونعلم تمام العلم أن من نقاتلهم ليسوا إلا وكلاء ومأجورين للعدو نفسه الذي قاتله آباؤنا في حرب تشرين التحريرية، لذلك نحن ماضون في ثباتنا وقتالنا، وهذه هي رسالتنا في هذه الذكرى المباركة.
رسالة التاريخ
وفي تشرين، شهر الانتصار، يتجدد العهد مجدداً، فحين نعود بالتاريخ نستذكر العبر، ونستذكر تلك الصفحة الناصعة البيضاء التي كانت منعطفاً تاريخياً في الحياة العربية، وفي نظرة الجندي العربي السوري إلى نفسه حين استعاد ثقته بقدرته على أخذ المبادرة والانتصار مهما كان نوع العدو، وإمكانياته، وعدته، وعديده، لتتأكد رسالة التاريخ اليوم بأن الأصل في أي انتصار هو امتلاك الحق أولاً، والثقة والإيمان بهذا الحق ثانياً، وسورية كانت ومازالت صاحبة الحق الذي تؤمن به ويؤمن به كل جندي مقاتل في صفوف جيشها، فلا يكل ولا يمل من الدفاع عن أرضه ضد الغزاة والمعتدين ليقدم للعالم صورة واضحة عن إرادة الشعوب عندما تصمم على استعادة حقوقها المغتصبة، وكما قال القائد المؤسس حافظ الأسد: ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة، وهي رسالة تشرين المستمدة من التاريخ تتأكد اليوم لكل إرهابي معتد راهن خائباً على أموال وأسلحة وعقيدة ظلامية مدّه بها من ذاق مر الهزيمة في تشرين، وتكسّر جبروته تحت أقدام الجيش العربي السوري المنتصر.
محمد محمود