تونس تنتخب برلمانها اليوم.. تشتت غير مسبوق
دخلت تونس مرحلة الصمت الانتخابي، أمس، استعداداً لفتح صناديق الاقتراع للانتخابات التشريعية، لاختيار أعضاء البرلمان التونسي الجديد البالغ عددهم 217 نائباً، والتي يتنافس فيها أكثر من 1433 لائحة انتخابية في مجمل الدوائر الانتخابية، سواء داخل تونس أم بالدوائر الانتخابية خارج حدود البلاد. وعاشت البلاد طيلة فترة الحملة الانتخابية توتراً شديداً، بسبب الاتهامات المتبادلة بين مختلف الأحزاب وبين المرشحين، حيث كان الفساد والتعامل مع جهات أجنبية مشبوهة السمة الأبرز لهذه التهم، ويتوقّع مراقبون عزوفاً من قبل الناخب التونسي بسبب سبب فقدان الثقة في الأحزاب السياسية، خاصة منها التقليدية، والتي تمثّل أغلبها جزء من منظومة الحكم.
والتهم بالتعامل مع شركات دعاية أجنبية بدأت تطال حزب النهضة ومنظمة “عيش تونس”، ما يثير عديد التساؤلات حول دور جهات أجنبية في التدخل في الشأن الانتخابي التونسي.
وتعرف الانتخابات التشريعية تشتتاً غير مسبوق داخل العائلات السياسية، حيث رشّحت كل عائلة أكثر من حزب، ناهيك عن القوائم المستقلة والائتلافات الحزبية، ما سينعكس على اختيارات الناخب، الذي أصبح غير قادر على التمييز بين المرشحين.
وفيما يعكس أجواء انعدام اليقين، أكد حزبان رئيسيان عدم الانضمام إلى أي حكومة تضم الطرف الآخر، وهو موقف غير مُبشّر لمفاوضات الأخذ والرد اللازمة لتشكيل الحكومة. وعلى الرغم من أن السياسة التونسية تشهد منذ زمن طويل تنافس جماعات علمانية وإسلاموية في الانتخابات، ثم تقاسم السلطة، إلا أن الشعبوية الناشئة تهدّد بوضع نهاية لمثل هذه الصيغ أو التسويات.
وقبل نحو ثلاثة أسابيع، انقلب الناخبون في الانتخابات الرئاسية على جميع اللاعبين الرئيسيين في أروقة الحكم، ورفضوا السياسيين البارزين، لتسفر تلك الانتخابات عن وصول وجهين جديدين إلى جولة الإعادة.
وفي 13 تشرين الأول، سيتنافس قيس سعيد، الأكاديمي المستقل ذو الآراء الاجتماعية المحافظة، مع نبيل القروي قطب الإعلام المحتجز منذ آب بتهمة غسل الأموال والتهرّب الضريبي، والذي ينفي ما ينسب إليه من اتهامات.
وهيأت هذه النتيجة مسرح الأحداث لانتخابات صعبة اليوم، وتصويت يمكن النظر إليه باعتباره أكثر أهمية من الانتخابات الرئاسية ذاتها، لأن البرلمان هو الذي سيشكّل الحكومة المقبلة.
وبموجب الدستور التونسي لعام 2014، يكون رئيس الوزراء المنتمي لأكبر حزب في البرلمان هو المهيمن على معظم السياسات الداخلية، في حين يتحمّل الرئيس المسؤولية المباشرة عن أمور الخارجية والدفاع. وإذا فشل أكبر حزب في الفوز بعدد كبير من المقاعد، مع وجود الكثير من المستقلين، فقد يجد صعوبة في تشكيل ائتلاف يضم ما يصل إلى 109 نواب مطلوبين لتأمين الحصول على دعم بالأغلبية لحكومة جديدة. وتكون أمامه مهلة شهرين من تاريخ الانتخابات، إما أن ينجح في ذلك، أو يكلّف الرئيس شخصية أخرى بتشكيل حكومة. وإذا فشل، فستجرى الانتخابات مرة أخرى.
ومع ارتفاع معدل البطالة إلى نحو 15 بالمئة على المستوى الوطني و30 بالمئة في بعض المدن، ومضي الحكومة في جهود كبح جماح التضخّم، الذي بلغ 7.8 بالمئة العام الماضي، فإن أي حالة من الشلل السياسي قد تبلغ حد الخطر.
وتعهّد اثنان من أوضح الأحزاب موقفاً، وهما “النهضة” و”قلب تونس”، بعدم الانضمام إلى حكومة تضم الآخر. ويركّز كلاهما على الفقر باعتباره القضية الرئيسية، لكن كلاً منهما يعاني من نقاط الضعف الخاصة به.
وتحاول حركة النهضة استعادة الناخبين السابقين المحبطين من دورها في إدارة الحكم في مناسبتين “حكومة الترويكا الأولى والثانية”. وقد عبّرت الحركة الإسلاموية عن تأييدها للمرشّح المستقل قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية، على أمل أن تجتذب مؤيديه في الانتخابات البرلمانية.
ويخوض متزعم النهضة راشد الغنوشي الانتخابات التشريعية للمرة الأولى، وقد يسعى إلى أن يصبح رئيساً للبرلمان، فيما كانت الحركة المتأسلمة تخطّط للهيمنة على الرئاسيات الثلاث: رئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان ورئاسة الدولة، لكن نتائج الانتخابات الرئاسية كشفت عن تصويت عقابي، وتراجع كبير في حظوظها على جميع المستويات، وفقدانها الكثير من الدعم، حتى من داخل قاعدتها الانتخابية التقليدية.
وفي النهاية أي ائتلاف قد تفرزه الانتخابات سيواجه نفس الخيار غير المستساغ الذي أضر بالحكومات السابقة: إما إصلاحات اقتصادية يعارضها اتحاد عمالي قوي، أو زيادة الدين العام، وهو ما تعارضه الجهات المقرضة الأجنبية.