غادة فطوم: من دمشق ..”تبدأ الجنة”
في مجموعتها الشعرية الأخيرة “هنا تبدأ الجنة” التي وقَّعتها في معرض الكتاب رصدت الشاعرة غادة فطوم خوف الناس في الشوارع وخوف الأطفال من القذائف وهلع الأمهات على أولادهن، وكذلك الأطفال الذين غرقوا في البحار واختفوا دون مبرر, وأيضاً أطفال المخيمات واللجوء وعذاب من فروا من الموت إلى الموت، وكذلك حال الجندي السوري ومعاناته ومعاناة أسرته، والشهيد الحيّ الذي يرفض الرحيل لأنه يرى عذاب أطفاله وقهر والديه, لتقول في النهاية مع كل هذا الوجع والألم تخرج دمشق لتقول: “أنا هنا، بي تبدأ الجنة وتنتهي” مبينة فطوم أن خصوصية المجموعة تأتي من تلك الأوجاع التي خرجت للعلن ومازال اليراع حياً ينبض بالحب وحب الأم سورية، متحدية الصعاب والمطبات التي وضعنا بها.
عشتار أنا امرأة
كانت مجموعتها الأولى “عشتار أنا امرأة” جواز العبور لغادة فطوم كإنسانة لتقول أنا موجودة وبقوة على الرغم من خشيتها أن يخذلها الحرف وتلحقه الكلمة، وهنا تكون موهبتها وحلمها قد انتهيا، وعلى الرغم من أن نثريات المجموعة الأولى حلقت بها لدروب وراء الشمس، لكن كانت تتمنى لو أنها أكثر جرأة، لأن النثر والشعر يحتاجان للجرأة واللغة القوية, ومع ذلك كان للمجموعة الأولى برأيها صدى على الصعيد الإنساني والوطني بهويته التي كانت وجدانيات عاطفية إنسانية وطنية، معترفة أن مجموعتها “من هنا تبدأ الجنة” كانت أقوى بالنسبة للطرح الإنساني، وهذا طغى على العاطفة رغم البساطة في اللغة، لكنها كانت أقوى في التعبير والموسيقا القوية العالية التي تخرج للملايين دون خوف لتكون دمشق وسورية حاضرة وخالدة كما الشمس، فكانت الشاعرة الإنسانة التي تتوزع روحها على جغرافية سورية بكل محافظاتها وأحيائها وشوارعها وأبنائها وعلى كل تفصيل صغير أو كبير وعلى الحزن والفرح والانكسار حيث لا يمكن للشاعر برأيها أن يكون بعيداً عن كل ماجرى ويجري.
الشعر.. الحرب
لم تكن الحرب سهلة، فكلنا بدايةً كنا في حالة ذهول، ولكن سرعان ما أعدنا إنتاج ذاتنا، هذا النتاج الذي يجب برأي فطوم أن يؤرخ لمرحلة قاسية رافقنا فيها الموت أينما كنا في المنزل والشارع وفي عملنا، وفي هذه الحالة تؤكد فطوم أنه لايمكن لأي شخص أن يستوعب ما يجري إلا حين يرصد يومياته بكل تفصيلاتها، ثم يعود إليها حين يطمئن أنه على قيد الحياة، لذلك تذكر أول قذيفة عبرت من فوق رأسها وكيف وقفت في الشارع لمدة ساعة تحاول أن تكتشف أين هي على الأرض أم في السماء؟ وهنا ولدت قصيدة “هنا تبدأ الجنة” بعد أن اكتشفت أنها مازالت على الأرض لترصد المجموعة كل ماجرى على هذه الأرض، واصفة فطوم المرحلة الحالية لها كإنسانة وشاعرة بأنها مرحلة اكتشاف الذات وموقعها، وهي مرحلة يجب أن ترفض حتى ذاتها لتأتي بالأجمل وخلق لغة أخرى متجددة تعبر منها ربما للعالمية، وقد تبقى في مكانها، لكنها ترفض ذاتها لتعود مقتنعة بها أكثر من قبل، لذلك هي اليوم تعيد بنية ما أفرزته الحرب من سلبيات في شخصيتها لتكتشف الآخر ولتصيغ رواية جديدة قادرة على استيعاب ماحصل.
مازالت على نبض قصيدة
وتؤمن غادة فطوم أن الكتابة ليست صناعة، بل هي تأتي بالفطرة, ولا يمكن للكتابة أن تكون متسللة عبر الهواء، بل تكون حاضرة وبقوة، لكن طريقة حضورها أيضاً تكون مختلفة، فهي تجيّر للأرض الخصبة التي سقتها والتي من أولى دعاماتها المناخ والبيئة والوسط الإيجابي في الأسرة، مشيرة إلى أن بداياتها كانت من أسرة مثقفة، وهي فخورة أن تكون منها وأن أولى بداياتها وقفت خجولة أمام زميلاتها في المدرسة حين ألقت كلمة ترحيب في المرحلة الابتدائية، وقد وثقت على لوحة كبيرة في المدرسة، فكانت فرحتها كبيرة، وعندها اقتنت دفتراً خاصاً لتدوين كل ما يخطه قلمها، مؤكدة اليوم أن الكتابة حاجة وضرورة ولا يمكن أن تجد نفسها إلا كاتبة تهوى الشعر لتقول: “مازلت على قيد الحياة وعلى نبض قصيدة “دون أن يجف مداد يراعها إلا حين تنتهي، لذلك الكتابة هي الحياة بالنسبة لها فلا مجال للنزوات في الكتابة والإبداع لأنها توثيق لتاريخ أمة حاضرة بقوة على هذا الكوكب.
التأني في الكتابة
ولأن الكاتب هو ابن البيئة التي يعيش فيها فإن فطوم تخاطب مجتمعها بلغة بسيطة جميلة راقية ترتقي بها وبهم, مبينة أن الكتابة هي وسيلة للوصول إلى الغايات والمتلقي برأيها لا يحتاج للاستعراض وإنما للغة بسيطة راقية تصور حياته وأوجاعه وهمومه وطموحاته، وفي الوقت الذي كثر فيه عدد الشاعرات والكاتبات ترى فطوم أن كل فرد في هذا البلد يود أن يعبر عن حبه وولائه للأم السورية بطريقته الخاصة، لكن هناك الكثير والعديد من الشاعرات اللواتي بدأن تجربة الكتابة مؤخراً دون العودة لمن يصقل تجاربهن ويوجهن التوجيه الصحيح، لذلك عليها وعلى الجميع التأني في الكتابة واستشارة ذوي الخبرة، مع إشارتها إلى وجود تجارب لشاعرات ترفع لهن القبعة, وكذلك لمن يحتجن لتوجيه، تاركة النقد في تجاربهن لأصحاب الاختصاص الذين تركوا بصمة وبجدارة، مع تأكيدها على أن معظم المطبات التي وقع بها العديد من الكاتبات هي وليدة المتغيرات التي نمر بها في ظل وجود انترنت سهل الانتشار بسرعة وسهولة الصعود إلى المنابر الثقافية وطباعة مجموعات شعرية خلال فترة قصيرة مع وجود من يهلل لها.
وتشير فطوم إلى أن لديها أعمالاً جاهزة هي سيناريو “حياة” الذي كتبته بجرأة عن أوجاع الحرب وهو عبارة عن صور متعددة لكل ما حصل بشكل الأسطورة من خلال إسقاط آلهة الحب والحرب على يوميات سورية، إلى جانب الجزء الثاني من رواية “الجولان” أما العمل الذي تود التفرغ له فهو الكتابة للأطفال: “هذا الجيل الذي يستحق منا كل مانكتبه لأنه أثبت ذكاءً موصوفاً وقدرة على التحمل”.
أمينة عباس