اقتصادصحيفة البعث

استثمار جدير بالاقتداء به

لا حرج أن نجد في مجتمعنا السوري عشرات آلاف الأسر التي تستحق العون الاقتصادي، وخاصة الأسر المتضررة من الحرب العدوانية التي يشنها المجرمون المحليون والإقليميون والدوليون، ومدعاة للسرور أن هذا العون حظي باهتمام السلطات الرسمية ومن عدة قنوات، واستمرار الدعم الذي تقدمه الدولة في مجالات التعليم والماء والكهرباء والوقود والصحة يشكل القناة الرئيسية لهذا العون، الذي يشمل جميع الأسر السورية، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، ولكن الأسر الفقيرة هي الأكثر استمتاعاً به لأنها الأكثر حاجة له.
لقد ترافق الدعم الدائم والشامل، بدعم خاص عرضي، تمثل بعشرات آلاف السلل الغذائية التي حظيت بها عشرات آلاف الأسر في كل محافظة، وخاصة أسر الشهداء والجرحى والمفقودين والعسكريين، وقد تم تقديم أمكنة أكشاك لكثير منهم في جميع البلديات، إلى جانب تأمين فرص عمل دائمة للعديد من خلال المسابقات، أو مؤقتة بعقود سنوية أو فصلية، ولم يقتصر تقديم المعونة على الدور الرسمي، بل ترافق بمعونات مماثلة رديفة كثيرة، مالية وعينية، قدمتها الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية – منفردة أو مجتمعة – والأحزاب الوطنية والمنظمات الشعبية والجمعيات الأهلية /خاصة تلك التي تتلقى عوناً من المغتربين والدول الصديقة/، لكثير من الأسر، وكثير من ذلك تم أكثر من مرة خلال العام الواحد، وخاصة خلال المناسبات الوطنية والاجتماعية، ومؤخراً صدرت تعليمات رسمية بإعفاء الشهداء من القروض التي استجروها من بعض المصارف الرسمية، وآلاف الأسر تتلقى عوناً مالياً عرضياً أو منتظماً، فالعديد من المواطنين الميسورين يتبرعون بين حين وآخر، أو شهرياً بمبالغ مالية لبعض الأسر الفقيرة، وبعض المواطنين المليئين مالياً تبرعوا بتسديد القرض عن بعض الشهداء المنذرين بالتسديد، وقد طالب البعض بأن يصدر المصرف العقاري قراراً بالإعفاء على غرار بقية المصارف، علماً أن بعض المتبرعين سددوا القرض العقاري عن بعض الشهداء المنذرين.
لا بل إن عشرات الخيِّرين تبرعوا بتجهيز أو تجديد مسكن لعديد من الأسر التي بحاجة ماسة لذلك، عقب الدلالة على حالاتهم من طرف أو من آخر، وإنه لفخر وطني كبير أن هذا التكاتف الرسمي والشعبي، مع الأسر المحتاجة، تم من خلال وجهة نظر إنسانية بحتة، بعيداً عن أية اعتبارات أخرى، فكثير من المتبرعين لا يعرفون من تبرعوا لهم، بل إن عشرات المتبرعين كلفوا الغير بتقديم تبرعاتهم للمحتاجين نيابة عنهم، دون حضورهم وطلبوا عدم ذكر اسمهم، أو وضعوا تبرعاتهم في حسابات مصرفية لهذه الغاية.
من حق البعض أن يقول، من الملاحظ أن قسماً كبيراً من العون الرسمي أو الشعبي، الذي تم لأغلب الأسر المحتاجة كان في الميدان الاستهلاكي أو الخدمي، وقليل منه جاء في الميدان الإنتاجي، الذي من المتوجب أن يكون له النصيب الأوفى، من منطلق أن تعلِّم المحتاج صيد السمك أفضل من أن تقدم له سمكة، إذ من المجمع عليه اقتصادياً أن استثمار مبلغ مالي لفترة معينة يؤسس لتحقيق دخل يؤمن الاستهلاك لفترات لاحقة، أي كان وما زال من المقتضى أن يتم استثمار قسم كبير من هذه المعونات التي تمت لغايات استهلاكية لصالح مشاريع استثمارية تعود بالنفع العام أسرياً ومجتمعياً ووطنياً، على غرار ما هو قائم في محافظة طرطوس، حيث شهدت السنوات الماضية والعام الحالي، تبرعات ملايين الليرات السورية من عشرات الخيِّرين المليئين مالياً– إضافة إلى ما تم ذكره أعلاه – والتي تم قبولها من مجلس المحافظة، وفقاً لرغبة المتبرع والغاية المحددة منه، لصالح دعم ذوي الشهداء والجرحى والحالات التي يراها السيد المحافظ مناسبة، والذي بدوره يوجه مديرية الشؤون المالية في المحافظة، لإيداع هذه المبالغ أصولاً في حساب مفتوح لهذه الحالة، لدى المصرف التجاري السوري فرع / 1 / في طرطوس، ويتم مسك قيود لهذا الحساب، لصالح تقديم إعانات عرضية لذوي الشهداء والجرحى والمفقودين والمحتاجين، يوصلها لهم لجان – يشكلها المحافظ – من أعضاء المكتب التنفيذي وأعضاء مجلس المحافظة والمجالس المحلية، خاصة في المناسبات الوطنية، إلى جانب تشكيله لجان لغاية تنفيذ مشاريع للجرحى من هذه الأموال، بحيث تشكل هذه المشاريع مورداً دائماً للجريح، وقد تم لتاريخه – في محافظة طرطوس – تمويل أكثر من / 200 / مشروع بقيمة /500/ ألف ليرة سورية لكل مشروع، أي استثمارات إنتاجية بحوالي / 100 / مليون ل.س، هذا الاستثمار الجدير بتكثيفه والاقتداء به، في جميع المحافظات، فالمزيد من الإنتاج حاجة وطن ومواطن.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية