“عروس بيروت”.. السطحية في أبهى حُلّة
الدراما التلفزيونية اللبنانية المتهالكة، لم يكن يكفيها تلك الأعمال الخاصة بها أو المشتركة التي تدور أحداثها في اللامكان واللازمان، باستثناء “فيلا” هنا، أو سيارة دفع رباعي هناك، وإذا ما ظهر فيها شخصية تنتمي للطبقة الوسطى أو الفقيرة، فإنها تظهر إما “بادي غارد”، أو فيلسوف وجودي، الدراما اللبنانية سواء كانت لبنانية صرفة أم تورطت بها كفاءات من الدول المجاورة، فإنها تظهر كعربة فارهة مليئة بالمفروشات والملابس “الكلاس”، وتطير في الفضاء.
كل ذلك لم يكن ينقصها، حتى ابتليت بمسلسل ليس اقتباسا عن الدراما التلفزيونية التركية، ولا من وحيها، بل جاء التُرك، فحلوا أهلا في “جبيل”، ووطئوا سهلا في “الجميزة” وقاموا بجهود حثيثة، ل “لبننة” الدراما التركية، أو لتتريك الدراما اللبنانية، ليخرج مسخ مشوه اسمه “عروس بيروت”.
فتاة فقيرة لكنها تقطن في حي الجميزة الثري في بيروت، وتعمل في وظيفة ارستقراطية، بل تجود قريحتها بأغان لا نسمع بجودتها من أبناء جلدتها مثل “أليسا وهيفاء” ومن سار على هديهنّ، هذه الكادحة تقع في حب رجل أعمال ثري، القصة المملة المكررة منذ سندريلا، ولكن لا بد من عائق هنا، هل هو في أوضاع الفقراء؟ هل هو في العداء الطبقي؟ هل هو أن رجلا ثريا بمواصفات بطل العمل، لا بد أن يكون قد مرّ عليه في البارات والمطاعم الكثير من أمثالها، فما الذي يجعله يقع في حبها هي تحديدا؟ كاتب ومخرج العمل، وقعت منهم صفحة من أوراق السيناريو التي تحمل هذا التفصيل، ربما في مطار بيروت، أثناء استلام الحقائب، فلم يبالوا بها، لأن التصوير لا يرحم، ويجب اللحاق بمواعيد “اللوكيشن” الجميل.
المنغص الوجودي والفلسفي الذي يعترض هذا الحب المهول، والذي “يبكي الدبب” كما يُفترض، ليس لأن كل منهما من عائلة منخرطة في حرب أهلية مع الأخرى، كما في روميو وجولييت المكتوبة منذ خمسة قرون، وليس بسبب الفروق بين طبقة الأحرار وطبقة العبيد كما في قصة عنترة وعبلة منذ 15 قرنا، ولا لأن الشاعر أُهدر دمه على طريقة قيس وليلى، هنا في إلياذة الرداءة هذه المسماة “عروس بيروت”، ورغم المفروشات الفخمة والحداثوية التي تظهر في العمل، والسيارات –البوست مودرن- والملابس الفلكية، والديكورات الما بعد بعد حداثوية، إلا أن منغصات الحب تظهر على طريقة أعمال “البيئة” وما شاكلها: “حماية حاقدة على كنة”؛ في هذا العمل نشاهد الحداثة وما بعدها، كقشرة على مضمون ماضوي.
من الأخطاء “البسيطة” التي يقع فيها “عروس بيروت”، والتي لا تفسدّ للدراما قضيّة والتي “مو بيناتنا”، مكان الأحداث، الشباب الطيبة يصورون معظم العمل في تركيا، بشكل واضح أنها في تركيا، أي أنهم لا يدّعون أنها في لبنان، باستثناء بعض اللقطات التي تظهر كساعات الغفلة، كالجميزة وجبيل، وهذا أمر مفهوم، فعندما تكون الشخصية ليست لبنانية، ولا القصة لبنانية ولا حتى منطق الأحداث لبناني، ولا المخرج لبناني، ولا شركة الإنتاج لبنانية، وكل ما فعلته الكاتبة هو استبدال أسماء الأشخاص والشوارع والأكلات إلى مترادفات محلية، عندها من الطبيعي أن يظهر المكان غير لبناني، فهل وقفت “الشغلة” عند “المكان” المسكين!
مسلسل “عروس بيروت” لا يرقى لأن يكون عروس لبنة، ولكن من يستطيع أن يدلي بدلوه؟ قناة بإمكانيات جبارة، ستقوم بعرضه في أوقات الذروة، مع حملة إعلانية مهولة، كل ذلك لمواصلة تدريب الجمهور على التفاهة.
العمل من بطولة: (ظافر عابدين/كارمن بصيبص/تقلا شمعون/جو طراد)، وهناك حضور لبعض الممثلين السوريين، جاءت اغلبها في أدوار مشتتة وثانوية، ومنهم: ضحى (الدبس/ مريم علي/لينا حوارنة/محمد الأحمد/فائق عرقسوسي/أيمن عبد السلام)، وهو من كتابة “نادين جابر-بلال شحادات”، وإخراج التركي “إيمره كاباكوساك”.
تمّام علي بركات