الخيار الأول
لم نصدق ما طرحه أحد “الاقتصاديين” وهو يتحدث عن اختيار القيادات الإدارية..
قال: إذا خُيرت بين إداري فاسد لديه أفكار للتطوير، وبين إداري يتمتع بالاستقامة والأخلاق وليس لديه أية أفكار إبداعية لتطوير العمل.. فإنني أختار الفاسد..!
وبما أن هذا الاقتصادي الفذ كررها أكثر من مرة فنحن أمام إشكالية توهمنا أن الفساد شر لابد منه في مؤسساتنا العامة..!
وأعادنا هذا الاقتصادي “المتنور” إلى “حكاية” لا ندري مدى صحتها منقولة عن لسان مسؤول كبير اقترح عليه مستشاروه تعيين شخص في منصب مهم، وعددوا له صفاته وميزاته فأجابهم: هذا الشخص يصلح ليكون زوجاً لابنتي ولا يصلح لاستلام أي منصب في الدولة..!
لم نسمع من الاقتصادي “الفذ” أية أفكار تتيح ترجمة مبدأ “الرجل المناسب في الموقع المناسب” من الأقوال والشعارات إلى الأفعال..!
ومن شروط اختيار الرجل المناسب في المواقع المناسبة: الكفاءة والقيادة والخبرة والنزاهة.
وهذا يعني أننا أمام خيار أول لم يتطرق إليه “المحلل الاقتصادي” الذي أصر على مدى ساعة من الحوار على طرحه: الفاسد المقدام أفضل من الأخلاقي البليد..!
وبرأينا أن المسؤولين عن تعيين القيادات الإدارية يجب أن يكون لديهم خيار واحد فقط وهو اختيار القيادات التي تتمتع بالكفاءة والخبرة والنزاهة..!
والمدخل لتنفيذ هذا الخيار تحديد شروط تعيين القيادات في المناصب العامة، وهذا الأمر لم يتحقق حتى الآن على الرغم من أن غالبية البيانات الوزارية تحدثت خلال العقود الماضية عن سعيها لإحداث ثورة إدارية..!
ما يجري فعلياً أن ملء الشواغر يتم من خلال المحسوبيات والواساطات وأصحاب النفوذ..!
ومع أن هناك تجارب مشرقة عن قيادات إدارية أحدثت تغييراً جذرياً في المؤسسات التي تولوا مناصبها، وحولوها من خاسرة إلى رابحة خلال فترة زمنية قصيرة.. فإنها أبعدت بسرعة بدلاً من الاستفادة منها في مواقع أخرى، أو دراسة أسباب نجاحها وإخفاق سابقيها..!
وبالمقابل رأينا قيادات إدارية “مبدعة” في تكبيد مؤسساتها الخسائر، ومع ذلك كانت تُكافأ بنقلها إلى مناصب أرقى وأعلى..!
قلناها أكثر من مرة: إن هناك طريقتين لا ثالث لهما لاختيار القيادات الإدارية:
الأولى: أن يكون لدى الجهة صاحبة الحق بالتعيين سير ذاتية لكل العاملين في الدولة، ولكل كفاءة ترغب بالعمل في منصب حكومي مصنفة حسب الاختصاص والكفاءة والخبرة.. وهذا يتيح للمسؤول اختيار المناسبين لشغل الشواغر.
الثانية: اختيار القيادات الإدارية عن طريق مسابقة عنوانها.. “مطلوب مدير عام”، يتم في الإعلان عنها تحديد الشروط المطلوبة، مثل شهادة الاختصاص، والكفاءة، وسنوات الخبرة.. إلخ، أي مثلما يفعل القطاع الخاص في جميع دول العالم، فلكل منصب شروط مختلفة عن الآخر..!
وإذا كانت الطريقة الأولى تضمن سيطرة الجهة صاحبة الحق بالتعيين على اختيار من تراه مناسباً فإن الطريقة الثانية أجدى؛ لأنها تضمن استقطاب الكفاءات المتميزة، والأهم أنها تعيد الاعتبار للوظيفة العامة..!
ومن المهم التأكيد أن من أبرز أدوات إعادة الاعتبار للوظيفة العامة إصلاح رواتبها وتعويضاتها ليس على أساس سلم الشهادات فقط، وإنما أيضاً على أساس الاختصاص والخبرة وعامل المخاطرة.. إلخ.!
بالمختصر المفيد: من الخطأ الفادح أن يكون أحد الخيارات لصالح تعيين الفاسدين، فالخيار الأول والوحيد يجب أن يكون دائماً وأبداً للأكثر كفاءة وخبرة، ونزاهة..!
علي عبود