“تخوم الذاكرة”.. كامل والنبواني في معرض مشترك
افتتح في صالة المركز الثقافي العربي في أبي رمانة معرض مشترك للفنانين عفاف النبواني وميسر كامل ضم عددا من اللوحات التي تناولت مواضيع مختلفة فيما بينها، إلا أن تجربة الفنان ميسر تقدمت نحو تعزيز ذات الفنان المهتمة بالتعبير عن الحالات الإنسانية، وخاصة في تلك اللوحات التي تضمنت رسما للأنثى متأثرا بروحية أعمال الفنان المعروف موديلياني من جهة المجموعة اللونية المستخدمة، وسكونية الحركة وتوقف الإيحاء على قسمات الموديل ذي الرأس المائلة وأصابع اليد المسبلة مما يضيف في التعبير استلابا لا مناص منه.
هذه المفردات الأثيرة من لوحة الفنان لا يتضح جمالها لو لم يكن هناك خط قوي وحساس لحدود الشكل، ومعرفة الرسام بالتشريح وإن كان متواضعا حينا إلا أنه قوي ويتصف بالقيمة غالبا، وفي العموم جاءت السطوح المكسوة بالألوان المشرقة لتنفي حالة اليأس والحزن الذي يسكن تلك العناصر المحددة بذلك الخط القوي، مما يعني أننا أمام تجربة ذات خصوصية معروفة بمنبع ثقافتها المدربة والتي تستطيع استثمار هذه الخبرة دون الوقوع في الاستلاب والنسخ والتكرار، هذا الفنان يرسم لوحته التي تشبه تلك الطبيعة التي يعيش يومياتها الأنيقة حيث لا أسئلة تحرجه حول مصير الذين يرسمهم أو يرسم لهم، بل يكتفي أن يسكب بعض الماء في الإناء حتى تعيش تلك الوردة التي تسكنه منذ زمن، هكذا يربي ميسر كامل أحاسيسه ويقدمها مختزلة في أطراف أصابع الكف الممدودة على قماش محايد اللون والملمس.
من جهة ثانية في المعرض نجد لوحات عفاف النبواني هذه السيدة المشغولة بالرسم أكثر مما هي مشغولة بالفن، فعملها يقتضي طقسا احتفائيا مؤثثا بنعمومة الأنثى ولطفها أكثر مما هو مشغولا بذلك القلق الذي يولد منه الفن الحقيقي، حيث الأسئلة المربكة التي تفرضها أدوات التعبير والفكر معا، فالنبواني في بداية شغفها وتعمل بجدية لاكتشاف دروب توصلها إلى كينونتها وامتلاك أدوات التعبير الحقيقية عن ذاتها، فهي المجتهدة والدؤوبة والمعززة بتواضع جميل ولطيف تتعلم وتحب إلا أن اندفاعها لا يزال في حيز البحث والتجريب وبناء منظومة من المودات التي تعول عليها كرافد وحامل لهذه التجربة، مع العلم أن عزلة الفنان هي مخبره الأساس وميدان اكتشاف الحقيقي والعميق، فلا مواقع التواصل تصنع فنانا ولا مديح الأصدقاء.
معرض مشترك مختلف في طرفي التجربة، لكنه يمتلك من العافية الكثير وقد تحققت غايته بإدارة ووعي في تنظيمه وقد بدا ذلك من خلال استقطابه جمهورا كبيرا من متابعي الفن ومحبيه والأصدقاء، وحسبي أن ذلك من نبل المقاصد أن يكون الفنان باعثا للفرح والمحبة.
أكسم طلاع