نهاية اللعبة التركية في سورية
ترجمة: لمى عجاج
عن موقع الفورين أفيرز 9/10/2019
دخلت وحدات الجيش التركي الحدود السورية، هذا لأن إستراتيجية تركيا في المنطقة هي أكثر من مجرد تمرين في الجغرافيا السياسية، فبالنسبة لأردوغان، الحرب تمسّ وجوده السياسي.
في الواقع إن سياسة تركيا تجاه سورية عكست لسنوات طموح أردوغان في تعزيز حكم الرجل الواحد في الداخل، فقد دعمت تركيا المتمردين الإسلاميين ضد دمشق، وذلك بتعزيز أوراق اعتماد أردوغان الدينية في الداخل. وقبله أجبر التأييد الانتخابي أردوغان على المشاركة مع حزب معارض للأكراد، ومنذ ذلك الوقت وهو يسعى إلى قتال الأكراد حتى في سورية ولا يزال هذا هاجسه حتى الآن، فضلاً عن هاجسٍ آخر أكثر إلحاحاً وهو التخلّص من ملايين اللاجئين السوريين الذين شقّوا طريقهم إلى تركيا حتى أصبحوا اليوم عبئاً على أردوغان.
لقد تغيّرت خطة اللعب التركية في سورية تغيّراً جذرياً منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، فقد كان أردوغان يحلق عالياً من شدة الفرح بأخبار الفوضى في دمشق، وكان في باله خطة لإضفاء الطابع الإسلامي على نظام التعليم في بلاده، وكانت هذه الفوضى الحاصلة في سورية بمثابة فرصة مواتية للتوسع في أجندته للخارج، ففي غضون أشهر تخلّت الحكومة التركية عن الحليف السوري القديم وبدأت بتسليح المتمردين الإسلاميين الذين يخوضون معركة ضد دمشق، وسرعان ما أصبحت تركيا مركزاً للإخوان وقناة يتدفق منها الجهاديون الأجانب الذين يشقون طريقهم إلى سورية، وغضّ أردوغان الطرف عن الذين تسللّوا إلى داخل البلاد وخارجها، حتى أنه ساعدهم في تقديم العلاج الطبي.
لقد فتحت تركيا حدودها لملايين اللاجئين الفارّين من القتال، وبنت مخيمات شاسعة لاستيعاب الوافدين الجدد، واليوم يجنّد أردوغان هؤلاء المتمردين ويرسل قواته الخاصة إلى شمال سورية ، فالرئيس التركي يشعر اليوم بأن سياسة الباب المفتوح أصبحت مسؤولية داخلية بعد أن فقد حزبه السيطرة على جميع المدن الكبرى تقريباً، وذلك في الانتخابات البلدية لعام 2019 كنتيجة للأزمة الاقتصادية المتفاقمة، والاستياء الشعبي التركي المتزايد من اللاجئين السوريين، لكن إجبار مئات الآلاف وربما الملايين من اللاجئين السوريين على الخروج من البلاد هو أمر شبه مستحيل، لذلك فكر أردوغان بطريقة أخرى وما كان منه إلا أن طرح في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فكرة إنشاء منطقة عازلة تكون على طول الحدود السورية مع تركيا. ربما كان اقتراح أردوغان الحلّ الأمثل لمشكلاته الداخلية، ولكن الأكيد أنه لم يكن الحلّ الأمثل للمنطقة لأنه سيخلق مجموعة جديدة من المشكلات، وخطته ستعمل على إذكاء الصراع في منطقة مستقرة نسبياً وستتسبّب بنزوح جماعي في تلك المناطق.
إلى ذلك، يدرك العديد من المشرّعين الأمريكيين بأن الإستراتيجية الأمريكية التي اتبعتها الولايات المتحدة في سورية ستتعرّض لضربة قوية، وهذا ما جعل قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من الشمال السوري يواجه بالنقد الشديد من الديمقراطيين والجمهوريين على حدٍّ سواء، وذلك بسبب رضاه الواضح والصريح عن العملية التركية التي كان على الولايات المتحدة أن تبذل مجهوداً كبيراً لمنعها. فحتى السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الذي اعتاد أن يكون واحداً من أقوى المدافعين عن ترامب هدّد بفرض عقوبات على الحكومة التركية إذا وطأت بقدمها الأرض السورية، لكن أردوغان على استعداد لتحمّل هذا الخطر، وحكمه على المحك -وهذا هو كل ما يهمّه– حتى لو كان ذلك يعني فرض عقوبات اقتصادية على بلده والتسبّب بالمزيد من الفوضى والمعاناة لسورية وشعبها.