قوة الإرادة السورية تحقق الهدف
ريا خوري
لم تكن المعاناة التي عانتها سورية خلال صراعها مع الإرهابيين والقوى الظلامية وداعميهم من أطراف غربية وعربية سهلة. هذه القوى كانت قد أغرقت سورية بالدماء والدمار والحرائق والفوضى التي رسمتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس (الفوضى الخلاقة) في العام 2006 للمنطقة. لم تتمكّن تلك القوى والدول على الرغم من كل المقدمات التي أنجزتها وصاغتها سياسياً وعسكرياً وأمنياً، من أن تمنع القيادة السورية من تحقيق هدفها الأساسي في مسألة (الحوار الوطني) السوري السوري، وتحت علم الجمهورية العربية السورية دون أي تدخل خارجي. وهكذا كان من خلال مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي عُقد في مدينة سوتشي الروسية في أواخر كانون الثاني 2018 والذي يعتبر مكملاً للشرعية الدولية، وخاصة أحد بنود القرار الأممي 2245 لعام 2015، من هنا بدأت لجنة مناقشة الدستور تترجم عملها على أرض الواقع بعد مؤتمر الحوار الوطني السوري.
لقد كان لانتصار الجيش العربي السوري في ريف حماة الشمالي وصولاً إلى مشارف إدلب دور كبير في تحقيق تشكيل هذه اللجنة المخصّصة لمناقشة الدستور، وذلك بعد النجاح السياسي الكبير للممثلين السوريين في مجلس الأمن، وهذا رجح كفة الميزان لصالح القيادة السورية.
لم يكن تشكيل لجنة مناقشة الدستور بعد الفشل الذريع للمبعوث الخاص للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا في تحقيق تشكيل هذه اللجنة الدستورية سهلاً، بل كانت الكثير من المطبات التي حالت دون ذلك، منها الضغوطات الخارجية الهائلة، وتحديداً من الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل زرع الألغام ومنع تحقيق هذا الحوار السوري- السوري. في الحقيقة كان المبعوث الأممي إلى سورية خلال فترة ولايته دائماً وأبداً طرفاً مع الدول المعادية لسورية، وخرج عن مهمته كوسيط حيادي ونزيه، فهو كان يريد أن يختم ولايته في الأسبوع الأخير له، بأن يقول إنه حقّق شيئاً، حيث يتحدث الإعلام عن إطلاق عمل اللجنة الدستورية. ولم يتمّ الاتفاق على الأسماء بعد، والواضح أن هذا أمر إعلامي بحت، علماً أن الدولة السورية هي أول من أرسل أسماء المرشحين من قبلها. الآن وبعد مجيء المبعوث الأممي غير بيدرسون بدأ على الفور بمتابعة المهمة، وهو الخبير في مثل هذا الشأن، حيث اتسمت المحادثات بالمرونة في عهده، ترافق ذلك مع التغيّرات الميدانية العسكرية السورية على وجه الخصوص، وكذلك التغيّرات الكبيرة التي حصلت على الصعيد الإقليمي والدولي بشكل عام كان لها الأثر الكبير في إطلاق عمل هذه اللجنة، ولاسيما أنه في اجتماع أنقرة الأخير بين الدول الثلاث الضامِنة لمسار أستانة وللحلّ السياسي في سورية، تمّ الاتفاق على صيغة تسمح لهذه اللجنة بالظهور إلى العلن، والشروع العملي في التوصل إلى حلّ سياسي في سورية.
إن الواقع يشير إلى أن مسار الأحداث السياسية والعسكرية على الأرض السورية، كانت قد فرضت نفسها دولياً وإقليمياً بقوة، وباتت الأحلام الأميركية في إفشال التسوية السياسية في ملف الحوار الوطني السوري- السوري تتضاءل، وتمّ فعلاً وبعد عام ونصف من المباحثات المطولة وجولات التفاوض، إعلان تشكيل اللجنة الدستورية. من هنا جاء تأكيد السيد وليد المعلم وزير خارجية الجمهورية العربية السورية للمبعوث الأممي غير بيدرسون (التزام سورية العملية السياسية بالتوازي مع ممارسة حقها في مكافحة الإرهاب)، وفي تصريح آخر لوليد المعلم وزير الخارجية، قال: إنه “بحث القضايا المتبقية المتعلقة بتشكيل اللجنة الدستورية وآليات وإجراءات عملها بما يضمن قيامها بدورها وفق إجراءات واضحة ومتفق عليها مسبقاً وبعيداً عن أي تدخل خارجي”.
وهذا يؤكد بقوة قدرة وإصرار الدولة السورية على البدء بحوار وطني جامع، وما هذه اللجنة الدستورية إلا دليل كبير على قوة الموقف السياسي والمنهج الدبلوماسي الذي تنتهجه، وأن سورية قادرة بكل ما تملك من إمكانيات على تذليل كافة الخطط الأميركية الرامية إلى تعطيل أي حلّ سياسي في سورية.
لقد تمكنت الحكومة من منع ما رغبت به القوى المعادية بكافة تلاوينها وانتماءاتها بما يسمّى (الانتقال السياسي)، وغيّرت المسار المرسوم الذي أراد بها الطرف المعادي زعزعة الأمن والاستقرار، ومنع استكمال بناء الوحدة الوطنية، إلى موقف قوي وورقة رابحة وبقرار سوري– سوري دون وجود أي حيّز للتدخلات الخارجية. وبالتالي هو انتصار للدولة السورية على المنصة السياسية الدولية، يضاف إلى ذلك ما حقّقه الجيش العربي السوري من انتصارات في الميدان العسكري. وما الرضوخ الظاهر للقوى السياسية والعسكرية المدعومة من قبل تركيا، إلا نوع من الهزيمة المرّة والاستسلام للنظام التركي أردوغان لمطالب جمهورية روسيا الاتحادية وجمهورية إيران الإسلامية، وفي الحقيقة أن الأمور خرجت عن السيطرة المحتملة، خاصة وأن النتائج التي كانت تنتظرها تركيا من الحرب على سورية لم تحقّق أهدافها في السيطرة وفرض مشاريع احتلالية جديدة للأراضي السورية منذ خسارة أردوغان لمدينة حلب وريفها، ومع اقتراب موعد النصر الكبير الذي بدأت نهاياته تتشكل، والتي من عناصرها الأساسية الحوار السوري- السوري، ولجنة مناقشة الدستور، سيتم فرض معادلات جديدة في الحل السياسي، وخاصة ما يتعلق بمدينة إدلب وريفها.
وهنا لا بد من التأكيد على القوة الدبلوماسية رفيعة المستوى التي نملكها، حيث أكد غير مرة مندوب الجمهورية العربية السورية الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري خلال جلسة لمجلس الأمن، حين قال: “إن السوريين وحدهم يملكون حق مناقشة دستورهم واعتماده من دون أي تدخل خارجي أو ممارسات ابتزاز تسعى إلى تحقيقها أطراف وحكومات راهنت على زعزعة أمن سورية واستقرارها، وأضاف: إن تشكيل لجنة مناقشة الدستور والاتفاق على مرجعيات وأسس عملها بملكية وقيادة سورية بعيداً عن أي تدخل خارجي نجاح وطني تجاوز المعوقات التي وضعتها الدول المعادية لسورية”. وبالتالي فإن الدولة السورية كما استمرت في تصميمها على تنفيذ قرارها العسكري بتحرير الأراضي السورية من الإرهاب، فهي أيضاً قد استمرت في تصميمها على تنفيذ قرارها السياسي بهدف قطع الطريق على أي محاولات أميركية راغبة بتهميش نتائج انتصاراتنا السياسية والدبلوماسية والعسكرية.