التجريب في “همسات صفاء الروح”
إلى أي مدى نجح التجريب في تقديم نفسه على نحو مميز في مجموعة “همسات صفاء الروح”، وهي خواطر شعرية للكاتبة صفاء الشمندي، في تقديم الشاعرية على نحو جميل وماتع ومفيد..؟ فالمجموعة صادرة قبل عام وهي باكورة أعمال سيدة مجدة لم ترتض لنفسها البقاء خارج دائرة المحاولة على الأقل، وقد أقول خارج المنتج الابداعي شكلا ومضمونا، ففي ما قدمته من نصوص وقد قاربت التسعين نصا توزعت على ثلاثة مستويات من الخطاب، منها شعر وفق قصيدة النثر، ومنها الخاطرة وهذا قليل، ومنها ما جمع بين الشعر والنثر، لكن منسوب الشعر ظل عاليا وطغى على سواه بحيث بتنا أمام مجموعة شعرية لصفاء فرحان الشمندي. فمن هي كما قدمت نفسها أو كما وصلتنا عبر نصوصها وأشعارها؟ مع أن اللافت في المجموعة هذا التصدي لموضوعات كبيرة أولها دمشق وأغزرها دلالة ووضوحا شخصية السيد المسيح عليه السلام، وما عنته الشاعرة من خلال إطلاق النداء في هذا الوقت بالذات تعبيرا عن احتياجات الروح والوطن للتسامح والمعجزة والفداء: “يا سيدي المسيح/ما أحوجنا للتسامح من جديد/امسح بكفيك/على وطني الجريح/وآت لأطفالنا بألف عيد وعيد”. وبين دمشق التي شربت كؤوس عينيها على مهل مساء وفرشت غروب الشمس تحت ظل شعرها وهي تعد عناقيد النجوم، جعلت من الشهادة عرسا وهو الغرض الشعري الثالث عندها المكمل لكل القيم المثل التي تربت عليها فرأت الشهداء وقد: “مروا/خارج أسوار القلب/تحت أكتاف الليل/عمالقة الريح/مكللة هاماتهم بالزيزفون” أما الحب والبوح والياسمين فقد امتد على طول المجموعة وعرضها إلى أن تقدم نفسها أنثى القصيدة العصماء.
“أنا ابنة أبي/أنا امرأة ولدت بـأحضان الشمس/وأينعت بشعاع القمر/وتربيت بنور النجوم”.
وهي ذاتها من لم تطرق رأسها وتفيض مشاعر عشق وكبرياء تصارع الأيام تطوي الليالي، ابنة رجل ولا كل الرجال علمها أن لا رجل يستحقها إلا رجل تنحني له الرجال، حتى تصل إلى أنها امرأة غير كل النساء، وهنا لا بد من وقفة تأملية لهذا الفخر والاعتداد بالذات فقد رأيته محصلة وعي وثقافة جمعية تربت عليها النساء في كثير من مجتمعاتنا الريفية، ولمحت بستان شلغين وغيرها من المجاهدات في مواجهة المستعمر المحتل، وخلصت إلى أننا اليوم بأمس الحاجة لمثل هذه الروح العالية تبثها شاعرة عبر نصوصها بحرفية وحرص على الأداء الفني للنص بعيدا عن الخطابية والمباشرة التي غالبا ما تقتلان النص.
في عناوين المجموعة ما يشي بإدراك الشاعرة لدور المفردة الواحدة أو المفردتين على أبعد تقدير وهذا يسجل لها حين دراسة شكل القصيدة المعاصرة عند صفاء الشمندي، وأكاد أجزم أن التجريب، وهنا يعني عندي المحاولة الأولى، نجح في تقديم ذات الشاعرة على حضورها في المشهد الشعري العام والذي يبشر بالكثير من النجاح على المستوى العام.
صفاء الشمندي شاعرة على طريق امتلاك أدواتها الفنية ولغتها الجميلة، وهذا الاعتناء الحقيقي في البوح والصورة وترادفهما على عيني القارئ.
رياض طبرة