الحرب في اليمن ومستقبل المنطقة
ترجمة وإعداد: علاء العطار
إن كان لدى أحدهم انطباع بأن اليمن سوف تذعن تحت القصف العسكري السعودي المكثف، فمن المؤكد أن الهجمات على أرامكو، التي تبعد عن عاصمة آل سعود حوالى 320 كم، حطمت هذا الاعتقاد، ولربما تستعد حركة أنصار الله لقتال العدوان السعودي إلى ما لا نهاية.
وقد يجادل المرء أن أنصار الله تتطلع إلى زيادة هجماتها العسكرية لردع العدوان، حيث إن من شأن ذلك أن يزيد مخاوف المستثمرين من ظاهرة “البجعة السوداء”، وهي مصطلح يشير إلى أحداث غير متوقعة أو يصعب التنبؤ بوقوعها، وهذا سيساعد على تقوية وجود المناضلين اليمنيين في النسيج الاجتماعي والسياسي اليمني، وفي حين خلقت الحرب في اليمن والاضطرابات التي سبقتها معاناة شديدة مسّت حوالى 26 مليون يمني، إلا أنها سمحت أيضاً للحوثيين الذين كانوا محرومين من حقوقهم بالصعود وانتزاعها بالنتيجة.
ورغم أن النظام السعودي كان يأمل إبطال هذا الصعود بالتحديد عبر القصف الكثيف للجار القريب، إلا أن الحرب كانت بمثابة سماد سياسي عزز مكانة عبد الملك الحوثي كقائد للمقاومة اليمنية، وهو لقب بطولي تغلغل في أعماق مخيلة اليمنيين ليساعدهم على مواجهة معاناتهم، كما أنه تعبير عن تصميم الشعب اليمني على الدفاع عن أرضه ضد العدوان الغاشم.
أربع سنوات مضت كان خبز اليمنيين فيها هو المجاعة والهلع، أربع سنوات مضت على حملة عسكرية شنيعة جداً لدرجة أن أكثر مروجي الدعاية السعودية براعة لا يستطيع تبريرها بأنها شر لا بد منه، والأهم من ذلك أن الحرب فشلت في إخفاء تلك الحقائق التي أرادت السعودية وشركاؤها طمسها، فما المبرر من استمرارها؟
لم تعمل الحرب في اليمن سوى على نسف شبكة هشة ومعقدة من التحالفات المتداخلة والمتناقضة أحياناً على الصعيدين المحلي والإقليمي. كما تساهم الحرب في اليمن في حدوث تحول جيوسياسي هائل في المنطقة، تحولٌ يرجح أن يعيد تعريف التحديات والفرص المستقبلية عبر عملية إعادة تنظيم كبرى، وهو أمر لم يدركه كثيرون ولم يحسبوا له حساباً.
بالطبع، لا يقاتل المناضلون اليمنيون بمفردهم بل استفادوا من دعم إخوانهم في سورية ولبنان والعراق وإيران والبحرين بالأسلحة الأيديولوجية، فوقفوا جميعاً في نضال يعزز صورة الوحدة العربية، وتقف اليمن وقفة رجل واحد ممثلاً بمقاومتها التي تواجه العدوان العسكري السعودي وجذبت السعودية إلى مياه جيوسياسية مجهولة المسالك، ما أتاح فرصاً غير محدودة للتغيير.
ونقل الحرب إلى الداخل السعودي لهو تحد لسلامة أراضيها ولمصالح شركائها، فالسعودية هي شريك تكتيكي للولايات المتحدة، كما أنها الحارس الأمين لأمن “إسرائيل”، وتمر اليوم بمرحلة انتقالية حساسة حيث يعمل محمد بن سلمان على إخفاء العناصر الأكثر تشدداً ليضفي صورة وهمية لتقدم اجتماعي لن يحدث واقعاً، فالإصلاحات الاجتماعية والسياسية التي يحتاجها النظام السعودي عصية على التحقيق.
ادعت السعودية أن هجمات الطائرات المسيرة قد تمت من العراق، وزعم مسؤولون أمريكيون أنهم تلقوا معلومات استخبارية تدعم هذا الادعاء، لكن العراق نفى أي مشاركة له في الهجوم.
إن انخراط العراق في اليمن وتمكن الحشد الشعبي من الوصول إلى أسلحة بعيدة المدى دفعا “إسرائيل” إلى استهداف العديد من المواقع العسكرية في البلاد، وهي خطوة تهدف إلى خفض مستوى قدرة الحشد الشعبي على تنفيذ أي عملية عسكرية ضد الكيان الصهيوني في الوقت الذي ارتفعت فيه التوترات في الخليج العربي.
في الطرف الآخر أكد مسؤولون أمريكيون أن “إسرائيل” كانت وراء الغارات التي استهدفت القواعد العسكرية ومستودعات الذخيرة الخاصة بالحشد الشعبي في تموز الماضي، بحسب ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز في 22 آب الفائت.
إن الصداقات الجديدة التي كونتها اليمن تضعها في قلب العاصفة الجيوسياسية التي تعصف بالمنطقة، مع كل التعقيدات التي تحملها، لأن الحرب في اليمن لم تكن تتعلق بطموحات الرئيس عبد ربه منصور هادي التي تخدم الأجندة السعودية أو حتى بالتهديد المتمثل بتنظيم “القاعدة”، لكن أي خطوة خاطئة ستؤدي إلى سقوط أحجار الدومينو الإقليمية، ما قد يؤدي إلى زعزعة التوازن الإقليمي.
ومن المفارقات أن من أسباب حرب السعودية على اليمن هو تقليص نفوذ إيران لكن الأمور أتت على عكس ما تتمنى، إذ تحالف الحوثيون مع إيران، كما دفعهم إلى طليعة حركة المقاومة القومية العربية في حرب لا يمكن أن تفوز بها الرياض. ولهذا قد تتسبب الأجندات المحلية والإقليمية المتضاربة في اليمن بحدوث سلسلة من العواقب غير المتوقعة، ففي حين تعارض المقاومة الوطنية حكومة هادي المدعومة من السعودية، تتطلع فصائل أخرى في حضرموت والمهرة إلى تكوين تحالف مع سلطنة عمان لدعم مطالبتها بالاستقلال عن اليمن.
وفيما يستحيل تقريباً في هذه المرحلة التنبؤ بنتيجة الحرب الدائرة في اليمن، من الجلي جداً أن الأمة المنكوبة سترسم مستقبلاً جديداً للمنطقة وستؤثر في طريقة ترجمة ديناميات القوة فيها.