تعليق التقصير على الحرب ومتابعة المرضى بالجوال؟! “المجتهد” ينهي عقود أطباء.. ووعود بالمحاسبة والتحقيق في الأخطاء الطبية
لا يمكن لأحد أن ينكر ما قدمته وتقدمه المشافي الحكومية من خدمات صحية مجانية للمواطن وخاصة خلال أيام الحرب، حيث استطاعت في ظل إمكانات محدودة مع حصار جائر تقديم رعاية صحية بكافة أشكالها، ولاسيما في مشفى دمشق “المجتهد” الذي يعد أكبر مشافي وزارة الصحة، ومرجعاً يحال إليه المرضى من جميع مشافي المحافظات حسب الحاجة، حيث يحتوي على 16 جناحاً، ويمتد كل منها على مساحة 600م2، ويتسع لـ500 سرير، كل ذلك لا ينفي وجود حالات فردية وأخطاء وإهمال من قبل الكادر الطبي قد تؤثر على حياة المرضى.
استقصاء الواقع
“البعث” تلقت أكثر من شكوى من مواطنين عن قلة الرعاية والاهتمام المطلوبين من المشفى المذكور، مع وجود صعوبات ومشكلات يواجهها المرضى أحياناً مع الأطباء وطرق التعامل من الكادر الطبي.
وخلال وجودنا في المشفى من أجل الوقوف على الحقيقة والاطلاع عن كثب رافقنا حالة مريض دخل لإجراء عملية جراحية، ولاقى العناية والاهتمام، علماً أنه دخل إلى القسم الخاص، وبعد إجراء العمل الجراحي تعرض المريض لمضاعفات تحت تأثير التخدير، لينقل على إثرها إلى العناية المشددة لمتابعة حالته التي لم يعطِ أي طبيب تفسيراً لها، إلا ما سمعناه من طبيب العناية المشددة أنه بحاجة إلى دم وصفيحات بلازما، بالتوازي مع الضغط المنخفض، والمريض لا يستجيب إلى أن فقد حياته بعد يومين من إجراء العمل الجراحي بسبب عدم استجابة القلب وعواقب إنعاش حسب تقرير الوفاة من المشفى.
استفهام وتعجب
ومع يقين ذوي الفقيد بصعوبة العمل الجراحي وجهود الأطباء الاختصاصيين، وأن أي مريض يمكن أن يتعرض للوفاة، لكن ما زاد الألم عدم الاهتمام ومتابعة الحالة من أطباء مختصين وخاصة عند سؤال أحد الأطباء المقيمين عن الطبيب المختص ورئيس قسم العناية، كان رده أنه يوم عطلة؟! ليترك الجواب أكثر من إشارة استفهام وتعجب.
ومن مبدأ المصداقية والرأي الآخر نقلنا ما حصل إلى مدير المشفى الدكتور محمد هيثم الحسيني الذي كان شفافاً وواقعياً في إجاباته، مبيناً أن الخطأ والاختلاط وراد في العمل الجراحي، ولكنه لا يمر من دون محاسبة مهما كانت درجة الخطأ.
مكاشفة واعتراف
واستعرض الحسيني كيفية استقبال المريض من باب المشفى إلى غرفة العمليات في حال الحاجة لها، موضحاً أن المتابعة ووجود الكادر الطبي والتمريضي على مدار 24 ساعة في المشفى، وخاصة ضرورة متابعة الطبيب المختص لأي حالة وخاصة بعد العمل الجراحي.
ولم يكتفِ الحسيني بالرد، بل طلب من الطبيب المختص ورئيس قسم العناية المشددة الحضور وتوضيح ما حصل، حيث أكد الطبيب المختص نجاح العمل الجراحي بالكامل رغم صعوبته من دون إعطاء أي تفسير لما حصل فيما بعد، لافتاً إلى أنه تابع الحالة بعد خروجها من العمل الجراحي وطمأن ذويه بنجاح العملية، وفي اليوم التالي كان يتابع الحالة عبر الجوال والاتصال مع الأطباء في العناية المشددة.
ولم يك الطبيب المختص من تابع عبر الجوال الحالة يوم الجمعة، بل رئيس غرفة قسم العناية المشددة التي لم توجد يوم الجمعة، والتي بدورها أكدت أنها تابعت الحالة عبر الاتصال كونها موجودة في السكن قرب المشفى؛ مما زاد استغرابنا من هذه الإجابات، ليعتبر الحسيني أن المتابعة عبر الاتصال غير مقبولة وسيعاقب عليها الأطباء، إلا في حالة الضرورة ووجود البديل في المشفى.
ثقافة الشكوى
وكشف الحسيني عن إنهاء عقود أطباء اختصاصيين نتيجة التقصير والإهمال في المتابعة بعد تقديم الشكوى من المواطنين، مشيراً إلى إحالة الشكاوى للرقابة والتدقيق والتحقيق بها ومحاسبة المخطئ.
وأمل الحسيني من المواطنين تقديم الشكوى في حال ملاحظتهم لتقصير أو إهمال، علماً أن مكتب مدير المشفى مفتوح لتلقي جميع الشكاوى، وستتم معالجتها على الفور.
انتقائية مخابر
وما زاد استغرابنا خلال وجودنا في المشفى مكان البوفيه المستثمر في مواجهة غرفة العناية مباشرة، مع وجود الأصوات والتلفاز والدخان؛ مما يؤثر على العناية التي من المفروض أن تكون في مكان هادئ وبعيد عن الضجيج والتلوث، إضافة إلى الأسعار الكاوية والمرتفعة حسب تأكيدات المراجعين والمرافقين للمرضى، ليوضح الحسيني أن البوفيه كان قبل تسلمه للمشفى وعقد، المستثمر سينتهي في نهاية العام وسيتم تغيير مكانه إلى خارج البناء، كما سيتم تحويل شكاوى غلاء الأسعار إلى اللجنة المختصة للمتابعة.
وحول فرض مخابر خارجية بأم عينها من قبل الأطباء لإجراء التحاليل للمريض، شدد الحسيني على رفض هذا الأمر رفضاً قاطعاً، مضيفاً أنه سيتم التدقيق والمحاسبة.
محاسبة ضرورية
وفي نهاية القول ليست الغاية من الإشارة إلى مكامن الخطأ والتقصير في المشافي للتشهير أو التقليل من الجهد المبذول لكادرنا الطبي المميز، لكن هناك من وجد الحرب شماعة لتبرير تقصيره وإهماله، وخاصة مع التزام الإعلام الوطني بالوقوف مع القطاع الصحي الصامد، رغم كل الصعوبات وإفرازات الأزمة، إلا أنه لابد من المحاسبة والمتابعة لضمان الجودة والتفوق الطبي في جميع المشافي الحكومية.
أرقام وبيانات
يشار إلى أن 150 طبيباً مختصاً و16 طبيب تخدير في مشفى المجتهد، وأكثر من 500 ممرضة وممرض، وقدم المشفى منذ بداية العام الجاري لغاية الشهر الماضي 1.7 مليون خدمة طبية في مختلف الأقسام والتخصصات الموجودة في المشفى من خلال الكادر وعلى مدار الساعة لتأمين جميع الخدمات العلاجية للمرضى.
وحسب البيانات وفق المدة المذكورة فقد راجع المشفى نحو 250 ألف مريض، وبلغ عدد جلسات غسيل الكلى أكثر من 4 آلاف جلسة، وعدد مراجعي الإسعاف 150 ألف مراجع، وتجاوز عدد العمليات الجراحية التي أجريت خلال الفترة ذاتها أكثر من 7 آلاف عملية، وعدد الحالات المصورة بالرنين أكثر من 1000 حالة، وعدد مرضى القثطرة القلبية أكثر من 1000 مريض، وعدد مراجعي العيادات 140 ألفاً، ومجموع التحاليل المخبرية 800 ألف تحليل، واستقبل المخبر الإسعافي 400 ألف حالة، والعناية المشددة استقبلت 800 حالة منذ بداية العام.
وتستقبل العيادة الخارجية المرضى المراجعين لقسم العيادات الخارجية لإجراء الفحص السريري ومعالجة ومتابعة الحالة بشكل دوري، وكذلك تجرى فيها الاستشارات القلبية لتحضير المرضى للعمل الجراحي حيث تستقبل زهاء 40 مريضاً يومياً، وتقدم خدماتها خلال الدوام الرسمي، مع وجود إيكو القلب للمرضى الخارجيين بمعدل 20 مريضاً يومياً، وكذلك تخطيط القلب للمرضى الخارجيين بمعدل 50 مريضاً يومياً.
علي حسون