ثقافةصحيفة البعث

“فــــوضـــــــــى”.. اســــم على مســــــمى

تعرض واحدة من القنوات الفضائية العربية، المسلسل السوري “فوضى”، النص مشروع مشترك للثنائي المميز “حسن سامي يوسف” و”نجيب نصير”، إذ يكفي أن يرد اسميهما معا على عمل درامي تلفزيوني، حتى يتوسم الناس والنقاد خيرا، فتجربتهما في الكتابة معا، كانت رائدة أنتجت أعمالا فارقة في مسيرة الدراما التلفزيونية السورية، المسلسل الذي عرض لأول مرة في رمضان قبل الماضي، جاء كتكملة لمشروعهما الذي انقطع لبضع سنوات، قام كل منهما فيها بتجربة الكتابة منفردا، فأنجز حسن سامي يوسف “الندم”، وأنجز نجيب نصير “تشيللو”، وهما مسلسلان لم يُكتب لهما ذلك الحظ من النجاح، وقد يكون هذا السبب الذي أقنعهما بالجلوس معا من جديد، في كتابة مسلسل “فوضى”.

السمعة الجيدة والانطباعات المؤيدة لمسلسل “الانتظار”، وثناء الكثير من النقاد والجمهور عليه بوصفه واحدا من أهم الأعمال التلفزيونية المحلية، جعلت الكاتبين يتكئان على عناصر النجاح للمسلسل المذكور، ومنها الحارة العشوائية التي تم تقديمها باعتدال دون إدانة، ومنها شخصية البطل الطيب، شخصيات النساء القوية، والشرطي “الحربوق”، ولكنه اتكاء ظهر منزوعا من بيئته بالمطلق.

شخصية “عبود” –تيم حسن-في الانتظار، تحولت في فوضى إلى “أبو الخيل”-فادي صبيح-والحي العشوائي المرسوم بدقة في العمل السابق، يظهر هذه المرة، حياً معدوم الهوية، فهو غير معروف إن كان عشوائيا أو العكس، نتكلم بصريا على الأقل، ولكننا بحاجة إلى شخصية من العشوائيات، فتم إلحاق محل “كومجي”، قبالة البناء الذي لا يظهر عليه انه عشوائي، فماذا حدث؟

عبود في الانتظار كان “أميرا” في حارته، ولديه سلوكيات متطابقة مع شخصية “روبن هود”، الفارس الذي كان يسرق ليطعم الفقراء، أما أبو “الخيل”، فهو عامل كادح، وجار طيب، وإنسان بائس يضطر إلى مسايرة الجميع، ولكن ليس فيه من صفات البطل ما يؤهله لذلك في العمل، إلا أنه يظهر في مشاهد كثيرة، وهذا لا يكفي للبطولة، لأن ما يقع مع الشخصيات الأخرى، أخطر وأكثر “دراميّة” مما يقع مع أبو الخيل، فمحل الكومجي يظهر اقرب إلى مقهى، وظيفته تجميع الشخصيات الأخرى وشبك خيوطها، مثل الأخوين اللذين يقدم أحدهما على الزواج من زوجة الآخر، أو تلك الفتاة الصبية “دانا-هيا مرعشلي”، التي تختار حبيبها على طريقة المسلسلات الغربية، بأن تخرج ليلا وتجلس معه بينما هو جالس أمام محل “الكومجي”، أو الشرطي صاحب الدراجة النارية الذي كان يتردد عليه لتزويده بالـ “الممنوعات”، وأمام المحل كانت تعبر “فتحية”- دور أدته ببراعة الفنانة رشا بلال”، التي تنافس أبو الخيل في الأهمية الدرامية، لأن قصتها هي الأكثر خطورة، وجسامة، وأهمية.

ذلك الحشد من الشخصيات والقصص التي يربطها محل الكومجي ببعضها البعض، يحدث بالتوازي معه محورين مختلفين، الأول من بطولة سلوم حداد “راتب” وقصة غرامه مع “سلوى-نادين تحسين بيك”، والثاني بطلته الفنانة “إمارات رزق-ختام”، وقصتها عندما تتعرض للنصب من قبل شاب يدّعي أنه في ألمانيا، فإذا به في حي عشوائيات، وهو حيّ سوف يؤكد على أن الحي الأول، ليس من أحياء العشوائيات، ومن حين لآخر كانت تظهر “عبير-مي كوجاك” تمشي على جهاز مشي رياضي بعنف، مع مواصفات شخصية مدمنة، كانت ممكن أيضا أن تكون بطلة عمل درامي يخصها كشخصية لقصة مختلفة بحدّ ذاتها.

صحيح أن عبود في “الانتظار” كان يربط الشخصيات ومحاور العمل، فهو سيقع في حب واحدة من الشقيقات الأربع، وصديق الأخوين اللذين يعملان في جلي البلاط، وصديق للمدمن الذي يساعده على الشفاء، وللطفل ابن الأسرة التي ستغادر قريبا حي العشوائيات تحت ضغط لحوح من الزوجة، لكنه-أي عبود- مع هذه الوضعية الوظيفية في النص، يؤلف بين الخيوط الدرامية، إلا أنه كان الشخصية الأهم في كل القصة، التي يحدد موته التراجيدي نهايتها، بل ويقترح رسالة العمل التي يلفظها  أثناء إسعافه “الواحد شو بدو ياخد معو من الدنيا”، أما في “فوضى”، فالرسالة الأكبر شاء الكاتبان أم لم يشاءا، عن قصد أو غير قصد، فهي كامنة في شخصية “فتحية”؛ يمكن إجراء مقارنة بسيطة بينها وبين أبو الخيل الذي ظهر في مقالات “النقاد” لا في القصة كبطل للعمل، فهو رجل بسيط، شهم، طيب، يساعد الآخرين، ثم يقع في حب واحدة من اللواتي يساعدهن “وصال-ديمة قندلفت”، أما “فتحية” فقد اعتقل زوجها الأول “فارس-سامر إسماعيل”، ثم تم اختطافها وتعرضت للاغتصاب، وتحت ضغط الظروف تزوجت من أخيه الثاني “زيدان-عبد المنعم عمايري”، ليخرج الأول من السجن، ويتم دفعه إلى تطليقها، ليذهب بعدها زوجها للخدمة العسكرية؛ إنها كشخصية أهم من شخصية أبو الخيل بما لا يقارن، لكن قرار التعامل مع شخصية “أبو الخيل” بأنها أهم شخصية في القصة، قد فوت فرصة البطولة عليها، ودفعها إلى مستوى ثانوي من الأهمية.

الإخراج الجيد للمسلسل وتًمكّن المخرج سمير حسين من أدواته البصرية، غطى على الكثير من ثغرات النص، إن كان في التعامل الجيد مع الممثل، واختيار طرق التصوير الملائمة، مما رفع من سوية العمل الفنية، غير أن الانطباعات النقدية عند مشاهدة العمل، تشي بضرورة التوقف عن استعمال ثيمة أو ثيمات مسلسل “الانتظار” وضرورة العثور على أخرى مختلفة لدى الكاتبين، في حال قررا العودة للكتابة سوية مجددا.

تمّام علي بركات