لبنان.. التظاهرات تتسع والسندات الحكومية تهوي
لليوم الخامس على التوالي، تواصلت الاحتجاجات والاعتصامات في مختلف المناطق اللبنانية، وقطع طرقات في أكثر من مدينة، ومن دون تسجيل أي صدامات مع القوى الأمنية، على وقع اجتماع الحكومة اللبنانية لدرس ورقة رئيس الحكومة الإصلاحية، بينما هوت السندات الحكومية تعبيراً عن الأزمة الاقتصادية.
وفي دليل على فشل الورقة الإصلاحية، التي أقرّها مجلس الوزراء اللبناني، وتضمّنت 16 إجراء، في احتواء غضب المتظاهرين، أعلن المتظاهرون تمسّكهم بالاعتصام، كما دعوا المواطنين إلى النزول بكثافة إلى ساحة الاعتصام والاستمرار بالتظاهر حتى تحقيق مطالبهم.
ويرى المحتجون في الإجراءات الحكومية مجرد مسكنات للأزمة سرعان ما سينتهي مفعولها ولن تعالج أساس محنة لبنان الناجمة أساساً عن استشراء الفساد والمحاصصات، فيما قال موقع رئاسة مجلس الوزراء اللبناني في تغريدة على تويتر: “وقّع رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون مشروع موازنة عام 2020، وحوّله إلى مجلس النواب في مهله الدستورية”.
وخرج منذ ليل الخميس مئات الآلاف من اللبنانيين إلى الساحات في بيروت ومدن أخرى من شمال البلاد حتى جنوبها في مشهد غير مألوف في لبنان كسر “محرمات” لم يكن من السهل تجاوزها.
وكانت الحكومة في الأسابيع الأخيرة تدرس فرض ضرائب جديدة تطاول بمجملها جيوب الفقراء ومحدودي الدخل، عوضاً عن وقف الهدر في بعض القطاعات وإصلاح قطاعات تكلّف خزينة الدولة أموالاً طائلة.
وتوافد المحتجون، صباح أمس، إلى ساحتي رياض الصلح والشهداء وسط بيروت بالتزامن مع انقطاع للطرقات الرئيسة بين العاصمة والضواحي، كما تمّ إقفال كل الطرقات والمعابر، وخاصة في الشرق والشمال وفي صور وصيدا ومرجعيون والنبطية.
وأقفلت منذ الخامسة فجراً الطرق الرئيسة في خلدة ومداخل دوحة عرمون وبشامون والشويفات وعلى أوتوستراد مطار بيروت بالاتجاهين بالعوائق والأحجار الكبيرة.
وفي صيدا عمد المحتجون إلى إغلاق عدد من الطرق الرئيسية والفرعية في المدينة لتأكيد تواصل التحرك والاحتجاج، ورفع المحتجون لافتاتٍ كتب عليها: “الشعب يريد العدالة الاجتماعية”، ودعوا إلى ضرورة الحفاظ على سلمية التحرّك، الذي يطالب بتأمين حقوق المواطن اللبناني.
وفي عكار استمر توافد المعتصمين إلى ساحة العبدة التي رفع فوقها علم كبير للبنان، في وقت لا يزال فيه القسم الأكبر من الطرقات في مختلف مناطق عكار مقطوعاً، ولم تنفع كل النداءات التي وجّهت لفتحها.
وكان اللبنانيون بدؤوا الخميس الماضي اعتصاماتهم واحتجاجاتهم على الوضع الاقتصادي المتردّي في البلاد وقرارات مجلس الوزراء اللبناني فرض رسوم جديدة ومنها رسوم على الاتصالات.
وأعلن المتظاهرون إصرارهم على مواصلة التحرك حتى تحقيق مطالبهم، وطالب المحتجون رئيس الحكومة بالرحيل، وذلك رغم إعلان الحكومة موافقتها على بنود الورقة الإصلاحية التي قدّمها للمجلس الوزاري. وأفادت “الوكالة الوطنية للإعلام”، بأن تزايد عدد المتظاهرين، وخصوصاً في وسط العاصمة بيروت، يتزامن مع إعلان الإضراب العام، للضغط على الحكومة بهدف تحقيق المطالب، وأبرزها “استقالة الحكومة، وتحميلها مسؤولية الفساد، وتدهور الوضع الاقتصادي في البلاد”.
وحمل المتظاهرون العلم اللبناني، بينما عمد بعضهم إلى إحراق علم “إسرائيل” في وسط ساحة رياض الصلح، كما قام عدد من المتظاهرين في مدينة صور بإحراق العلم الإسرائيلي، مطلقين هتافات تؤكد أنهم من “أول المقاومين للعدو الإسرائيلي”.
وعلى وقع الاحتجاجات العارمة على الأزمة الاقتصادية، هوت السندات الحكومية للبنان بأكثر من سنت واحد. وهوى إصدار 2025 بمقدار 1.34 سنت في الدولار ليجري تداوله عند 65.5 سنتاً، وتصل خسائر السندات في يومين إلى حوالي أربعة سنتات.
وتعقيباً على الأوضاع، اعتبر الرئيس اللبناني العماد ميشال عون أن الاحتجاجات التي يشهدها لبنان حالياً هي تعبير عن “وجع الناس”، ودعا إلى رفع السرية المصرفية عن حسابات الوزراء.
ونقلت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام عن عون قوله في مستهل جلسة مجلس الوزراء أمس: “ما يجري في الشارع يعبّر عن وجع الناس”، مضيفاً: “لكن تعميم الفساد على الجميع فيه ظلم كبير، لذلك يجب على الأقل أن نبدأ باعتماد رفع السرية المصرفية عن حسابات كل من يتولى مسؤولية وزارية حاضراً أو مستقبلاً”.
بالتزامن، أكدت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان لها أهمية عدم التدخل الخارجي في الشأن اللبناني، وقال البيان: إن “الشعب اللبناني لديه مطالب والتظاهرات تنفّذ بهدوء، ويمكن للبنان اجتياز هذه الأزمة”.
بيان الخارجية الإيرانية أمل أن تتمكّن مختلف التيارات في لبنان من إيجاد حل مناسب للأزمة الحالية.
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف رأى من جهته أن “الحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار، يكون بمنح الشعوب حقوقها وتأمين احتياجاتها”، وقال: “نحن كنا دوماً إلى جانب شعوب المنطقة ولاسيما الشعب اللبناني، ونعتقد بضرورة الحفاظ على الهدوء والاستقرار في لبنان، وفي الوقت نفسه الاهتمام بالمتطلبات المشروعة للشعب اللبناني”، وأمل أن تُوفق الحكومة وباقي المسؤولين في لبنان في ذلك، وفي بناء لبنان أفضل وأكثر ازدهاراً.
وكان مسؤول أميركي في وزارة الخارجية قال أمس الأول: “إن واشنطن تدعم حق اللبنانيين في التظاهر السلمي، وتأمل أن تدفع هذه التظاهرات للتحرك إلى الأمام على طريق الإصلاح الاقتصادي”، وأشار إلى أن الالتزام بالإصلاح وتطبيقه قد يفتح الباب أمام الدعم الدولي للبنان بمليارات من الدولارات.