هل يُغرق “نبع الإرهاب” الحل السياسي؟
إذا كان أحداً ما، مما يسمّى المجتمع الدولي، لم يتوقّف بجدية وحزم أمام قضية الانتهاك الفاجر، في اتفاق “ترامب-أردوغان”، لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، وبالتالي للشرعية الدولية بأكملها، لأنها، أي هذه الشرعية، في الحقيقة، أمر نافل في عالم شرعة الغاب الذي نعيشه، إلا أن ما يجب التوقّف عنده مليّاً، من قبل المعنيين الحقيقيين بالأمر، هو الأثر السلبي، وقد يكون المدمّر، لهذا الاتفاق، ونتائجه، على العملية السياسية برمتها، وتحديداً على صورتها المتجلّية اليوم في “اللجنة الدستورية” التي يفترض أن تبدأ أعمالها خلال الأيام القليلة القادمة.
هنا، وبهذا الإطار، يمكن، للمرة الأولى ولو من نقطة انطلاق مختلفة، الاتفاق مع وصف “ماكرون” للعدوان التركي “بالجنون”، فكيف لطرف راع لـ”اللجنة” بحكم وجوده ضامناً في “أستانا” و”سوتشي” أن يقرّر اقتطاع جزء معتبر من الجغرافيا باسم “المنطقة الآمنة” ليقيم عليها “إمارته” بسكانها المختارين “على المسطرة الإخوانية”، ويفرض عليها قوانينه الاجتماعية، وأنظمته التعليمية، وتوجّهاته المذهبية، ويلحقها بنظامه الاقتصادي والمالي، ثم يعمد إلى ترسيخ ذلك باتفاقية مع طرف غير مخوّل شرعاً ولا قانوناً، ليكون بذلك مساهماً رئيساً، من جهة أولى، في الانزلاق المجنون نحو منحدرات ومنزلقات لا يعرف أحد كيف ومتى وبأي ثمن يمكن الخروج منها مرة جديدة، ومن جهة ثانية، أكبر منتهك للسيادة السورية التي ستكون وحدتها واستقلالها، بصورة بدهية، البند الأول من منجز “اللجنة الدستورية” القادم التي يدّعي رعايتها؟!.
والحال فإن هذه مفارقة كبرى يبدو أن أردوغان سيكون اليوم أمام امتحان تقديم إجابة منطقية عنها في لقائه سيد “الكرملين”، الذي كان الناطق باسمه قد أعلن تخوّفه من الآثار السلبية لمغامرة “السلطان” الجديدة على العملية السياسية بأسرها، ومن نافل القول: إن إجابة اليوم ستحدّد مدى إمكانية السير بسياسة الصبر الاستراتيجي الذي يحكم، بعضنا، في التعامل مع نزوات “الباب العالي”، خاصة وأن روسيا كانت قد أعلنت في وقت مبكر أن “العالم الجديد يتشكّل انطلاقاً من سورية”، وهو عالم سيكون لها دور مميّز فيه انطلاقاً من “اللحظة السورية”، الأمر الذي بدأت طلائعه بالبروز يوماً إثر آخر.
بهذا المعنى يبدو أن الأولوية في الأيام القادمة ستكون لمعركتين متزامنتين ومتوازيتين، الأولى معركة الوقاية من خطر غرق المسار السياسي في “نبع الإرهاب” التركي الذي ساهم ترامب “بحكمته التي لا نظير لها” بتزويده بالمياه عبر أنابيب اتفاقيته مع أردوغان انطلاقاً من رفض بلاده، وفريقها الإقليمي، استعادة سورية لعافيتها، وبالتالي مكانها ومكانتها ودورها في الإقليم، والثانية معركة الميدان المشتعل، سواء في مناطق الجزيرة أو في إدلب، التي قد يحرّك أردوغان أتباعه فيها لحرف الأنظار عن خطواته هناك في سياق هدفه المعلن والمتمثّل بالاحتفاظ بالجغرافيا حتى تأتي “حكومة شرعية” يرضى عنها، وهو ما يعني ضمناً استيقاظ طموحه باسترداد “ولاية” دمشق لحضن السلطنة، لأنه على ما يبدو، ومستقوياً بالاتفاق مع الأمريكي، عاد إلى خياراته الأولى حين اختار الوقوف مع دعاة حلّ الدولة السورية لا حلّ أزمتها.
ولأننا في مجال الكلام عن الأخطار التي تواجه العملية السياسية، واللجنة الدستورية والدستور ذاته، تبقى كلمة يجب توجيهها للذين عرضوا علينا، بانبهار مطلق، تجارب الآخرين السياسية، وتحديداً من سبّح منهم بحمد النظام السياسي اللبناني، وأولهم المبعوث الأممي السابق “دي ميستورا”، فها هو نظامهم المفضّل يواجه ما زرعه فيه الآخرون من “قنابل” طائفية وسياسية واقتصادية، ليس لها بداية إلا أن تستتبع، حكماً، فرقاءها للخارج في معيشتهم وسياستهم و”نحلهم ومللهم” وحتى بقائهم المادي المجرّد، وبالتالي تمنع قيام الدولة بمعناها الطبيعي والمألوف، وليس لها نهاية إلا الانفجار الدوري لمرات لانهاية لها إلا بالخلاص من النظام بقضه وقضيضه، وهذا درس للجميع على مبدأ “ما أكثر العبر”..
أحمد حسن