اقتصادصحيفة البعث

تحميل جائر للاجتماعي على الاقتصادي أدى لإدارة القطاع بطريقة “التكية” فــرص محــدودة تـنـتـظر إصــلاح “العام” أنجعـهـا طـرح شـركاته للاكتتاب

 

على طريق إصلاح القطاع العام الاقتصادي.. لجان شُكلت وأخرى حُلت، دون أن يفضي التشكيل والحل إلى نتائج وحلول مستدامة.. ضرورة إصلاح القطاع.. تشخيص الصعوبات التي يعاني منها.. تحقيق التكامل مع القطاع الخاص.. الاستغلال الأمثل للموارد.. تدريب وتأهيل العمالة.. تعزيز قاعدته الاستثمارية.. كلها عناوين تصدرت، ولعقود خلت، اهتمام الجهات المعنية، بالتزامن مع تصدرها لوسائل الإعلام الجماهيرية والإلكترونية، لكن شيئاً على الأرض لم يتغير، وبقيت النتائج رسماً على الرمال..!

خاسر ويعيد..
ليس سراً أن الخسارة هي أبرز سمات شركات ومؤسسات القطاع العام، وبصرف النظر عن نوعية النشاط ومستواه.. لماذا يخسر هذا القطاع في الوقت الذي يربح فيه نظيره الخاص؟ سؤال يستدعي الكثير من الشرح، الذي في مقدمته طغيان التوصيف الاجتماعي على الاقتصادي، إذ كان ومازال مطلوب منه أن يمتص فائض سوق العمل، وأن يستوعب المتعطلين؛ ما أوجد أكبر مشكلة يعاني منها، تلك المتمثلة بالبطالة المقنعة، فحين يصبح العمل الاقتصادي (تكية سليمانية)، يصبح من الخطأ انتظار الربح منه، مثلما من الصعب استمراره..

أدى دوراً..
لا أحد يستطيع إنكار الدور التنموي المهم والمؤثر الذي أداه القطاع العام لعقود خلت، بيد أن مشكلات طفت على السطح، وأخرى تغلغلت في العمق، أسهمت في الإساءة لهذا الدور، فترهل الإنتاج، وكثرة المخازين، وعدم مجاراة التصاميم الحديثة، وضعف الدراسات التسويقية التي تقف على احتياجات وتفضيلات الجمهور بدقة، ونقص السيولة وقطع الغيار، وتسرب العمالة المحترفة مع المحافظة على البطالة المقنعة.. كلها منغصات ومطبات على الطريق حدت من إمكانات إصلاح هذا القطاع.
الحكومة ملتزمة بالمحافظة على القطاع العام، وبالسعي لتجديد شبابه ليبقى رافعة استثمارية، وحاضناً اقتصادياً، ومساهماً فاعلاً في الناتج المحلي الإجمالي؛ لذا تمنحه الفرصة تلو الأخرى، بصرف النظر عن مدى الاستفادة من هذه الفرص.. حرصها على امتلاكه أدوات ووسائل التطوير، وعلى تمكينه من المنافسة أمام القطاع الخاص، الذي يلعب (على أرضه وبين جمهوره)، لكن يبدو أن الحلول تجاوزت التعاطي الإجرائي إلى البنيوي، فـ (الفتق اتسع على الراتق).

طرح الشركات للاكتتاب العام
في السعي لإيجاد حلول تخرج القطاع العام من أزمته، هناك من يقدم فكرة طرح شركاته للاكتتاب العام، فرئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية الدكتور عابد فضلية ينظر إلى هذا الحل وفق الآتي.. يمكن توسيع القاعدة الاقتصادية والمؤسساتية للشركات المساهمة العامة، إما بتأسيس المزيد منها أو بالتحول من مؤسسات فردية أو شركات مساهمة خاصة ومحدودة المسؤولية إلى مساهمة عامة، وهذا ينطبق على القطاع العام الاقتصادي (الإنتاجي والإنشائي والخدمي)، كما ينطبق على القطاعين الخاص والمشترك؛ لذا في إطار عملية إصلاح القطاع العام، التي تدفع بها وتقودها عديد الجهات الحكومية في إطار عملية إعادة الإعمار، لا شيء يمنع من التوجه إلى هذا الشكل القانوني من الشركات المساهمة العامة، وذلك بتحويل (بعض) الشركات والمؤسسات العامة الصناعية مثل الإسمنت والألبسة على سبيل المثال، (وغير الصناعية) مثل التطوير العقاري والشحن البحري، إلى شركات تمتلك فيها الجهة الحكومية (51%) من أسهمها، ويباع (30%) لشريك استراتيجي (رجل أعمال) من القطاع الخاص ذي خبرة وكفاءة في مجال وطبيعة نشاط الشركة الجديدة، ويمكن توزيع (نسبة مُحددة) من باقي الأسهم على العاملين فيها بأسعار مخفضة وتسهيلات، ثم تُطرح الأسهم الباقية على الاكتتاب العام، على الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين من جهات عامة وخاصة..

جوهر الفكرة..
هذه هي الفكرة عموماً، أما التفاصيل والضوابط والمعايير والمحددات التنفيذية لهذه الفكرة، فهي كثيرة ومتنوعة، ووفقاً لفضلية يجب قبل كل شيء تحديد طبيعة الأنشطة التي يمكن أن تخضع للتطبيق (أنشطة غير الاستراتيجية وغير السيادية)، وتحديد المؤسسات والشركات العامة التي يمكن البحث بتحويلها (يجب ألا تكون لديها تشابكات مالية، وألا تكون خاسرة، لتكون نموذجاً تجريبياً ناجحاً)، ومن ثَم تحديد نسب توزيع الأسهم بين الشركاء، وفيما إذا كانت حصة الجهة الحكومية (أقل أم أكثر من 50%)، ومن هي الجهات التي سيطرح عليها الاكتتاب (اعتبارية أم طبيعية، عامة أم خاصة، أم كلاهما؟)، وكذلك تحديد النسبة المئوية لأسهم كل جهة، و(الأهم)، فيما إذا كان إدخال شريك استراتيجي من القطاع الخاص ضرورياً ومفيداً أم لا، وما نسبة وحدود مساهمته (ومهامه) في الشركة المساهمة العامة الجديدة.

تشريع جديد
ويدعو فضلية إلى ضرورة استصدار قانون خاص لهذا النوع من الشركات المساهمة العامة، لعدم إمكانية تطبيق أحكام قانون الشركات رقم (29) لعام (2011) عليها، وإلى عدم ضرورة أن تخضع أو تُطرح جميع الشركات المقترح أو الممكن تحويلها لمسطرة واحدة من الأحكام، من حيث طبيعة الشركاء (ولاسيما الاستراتيجي الخاص)، ونسبة توزع الأسهم فيما بينهم، مع إضافة شرط أن يتم إدراج أسهم هذه الشركات في سوق دمشق، وألا تقل نسبة (الأسهم الحرة) التي يمكن تداولها بيعاً وشراء عن (20%) من إجمالي الأسهم، مع التنويه أيضاً إلى نجاعة وجدوى هذا النوع من الشركات في الأنشطة والمؤسسات والشركات التي تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة لإعادة تأهيلها وتحديثها وتشغيلها، وفي الفروع والمجالات التي تحتاج إلى مرونة في إدارتها وتسويق منتجاتها.

عطش الإدراج
يبدي المدير التنفيذي لسوق دمشق الدكتور عبد الرزاق قاسم حماساً كبيراً لإدراج المزيد من الشركات في السوق، التي رفعت عدد الشركات المدرجة لديها إلى 27، حيث أدرجت الأسبوع الفائت شركة إسمنت البادية، وبذلك أصبح القطاع الصناعي في السوق ممثلاً بشركتين؛ ما يعني أن هناك حاجة كبيرة لإدراج شركات صناعية، وبالتالي فإن فكرة طرح شركات القطاع العام الصناعي للاكتتاب والتداول على أسهمها من شأنها إغناء السوق وتعزيز دورها الاستثماري، وذلك بالنظر إلى كون هذه الشركات تتمتع بشهرة واسعة، وهي محل ثقة المستهلكين والمتعاملين، الذين جربوا منتجاتها وخدماتها طويلاً.

طرح رسمي
وكانت وزارة الصناعة قدمت للجنة الاقتصادية، في وقت سابق، رؤية للنهوض بالقطاع الصناعي، وتضمنت بعضاً من الخيارات المتاحة أمام هذا القطاع، منها الإبقاء على الوضع الراهن، وهذا يعني التآكل والاضمحلال أو على الأقل الانحسار، في حين ذهب خيار آخر إلى العمل على تطوير هذه الشركات، وظل خيار معالجة أصول كل الشركات مطروحاً، مع إمكانية إغلاق بعضها بعد خسارة أصولها الرأسمالية، ودراسة إمكانية اعتماد صيغ التشاركية والتفاهمات والشراكات المحدودة النطاق أو الشاملة.
كما من الممكن طرح الأسهم في اكتتاب عام (كلياً أو جزئياً)، حيث يقصد بالطرح العام قيام الحكومة بطرح كل أو جزء من أسهم رأسمال المنشأة للبيع للجمهور، من خلال البورصة، والنتيجة هي أن تصبح الشركة مشتركة حكومية وخاصة، شريطة توافر الشروط الفنية والمالية الكفيلة بإنجاح هذا الخيار، كتوافر السيولة النقدية في السوق المحلية لتمويل الشراء، ووجود سوق نشطة للأسهم، إضافة لخيارات أخرى، مثل طرح الأسهم في اكتتاب خاص، أي بيع أسهم المنشأة أو جزء منها لمستثمر واحد أو مجموعة مختارة من المستثمرين، علماً بأن هذه الخيارات كلها تبقى أفكاراً ورؤى قابلة للدراسة.
أحمد العمار