كاتالونيا تحترق
ترجمة: هيفاء علي
عن موقع ليبراسيون 20/10/2019
شهدت مدينة برشلونة الإسبانية اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين، وذلك في أعقاب الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا الإسبانية بحبس عدد من قادة الانفصاليين في كاتالونيا لمدة تتراوح بين 9 و13 عاماً، في خطوة اعتبرها النشطاء الكاتالونيون تصعيداً من قبل السلطات الإسبانية.
شملت المحاكمة متهمين عدة بتأجيج العنف والنزعات الانفصالية في البلاد، بينهم مسؤولون بارزون في برلمان وحكومة كاتالونيا، إضافة إلى عدد من النشطاء المؤيدين للانفصال، حيث شكّك المتهمون في نزاهة الإجراءات التي تمّ اتخاذها بصددهم، معتبرين أن الاتهامات التي يواجهونها زائفة.
وقد أعرب نائب رئيس كتالونيا السابق جونكيراس عن رفضه الكامل للحكم الصادر عن المحكمة العليا، مؤكداً أن محاكمته جاءت لأسباب سياسية، ومتعهداً بعودة الانفصاليين بقوة إلى صدارة المشهد. ولم تقتصر الردود على المسؤول الكاتالوني السابق وإنما امتدت إلى الشارع، حيث خرج آلاف المتظاهرين معتبرين أن الأحكام الصادرة هي بمثابة تحدٍّ لهم من قبل السلطات الحاكمة، وتزيدهم إصراراً على تحقيق أهدافهم.
وقد برّرت المحكمة قراراتها بأن إعلان استقلال إقليم كاتالونيا من جانب واحد يمثّل هجوماً صريحاً على الدولة الإسبانية، متهماً أن الزعماء الانفصاليين أساؤوا استخدام الأموال العامة أثناء تنظيم استفتاء عام 2017، ونفّذوا إستراتيجية مخطّطة لخرق النظام الدستوري والحصول على استقلال كاتالونيا بطريقة غير قانونية.
على الجبهة السياسية، عارضت مدريد دعوات الرئيس الانفصالي كاتيم تورا للحوار مع الحكومة الإسبانية بعد خمسة أيام من المظاهرات الملوثة بالاشتباكات العنيفة، والتي نجمت عن إدانة تسعة من القادة الانفصاليين لمحاولتهم الانفصال عام 2017.
ودعت حكومة الاستقلال الكاتالونية إلى “مفاوضات غير مشروطة” لحلّ النزاع في المنطقة، لكن مدريد رفضت، مطالبة حكومة الاستقلال بإدانة العنف بشكل لا لبس فيه. ومن خلال المطالبة بمفاوضات “غير مشروطة”، يريد كاتيم تورا أن تتمّ معالجة مسألة الاستفتاء على تقرير المصير، والتي لا تريد مدريد أن تسمع عنها أي شيء.
وللتذكير، فقد حصل إقليم كتالونيا على الحكم الذاتي عام ١٩٣١، وتميّزت هذه الفترة بالاضطرابات السياسية والأحداث الساخنة، ليس على مستوى إسبانيا فحسب بل على الصعيد الأوروبي كله في الفترة التي سبقت قيام الحرب العالمية الثانية، عندما قام الجنرال فرانثيسكو فرانكو بانقلابه العسكري على السلطة الحاكمة آنذاك عام ١٩٣٦ حين بدأت الحرب الأهلية الإسبانية، التي استمرت ثلاث سنوات وحصدت أرواح نصف مليون من المواطنين الإسبان، وانتهت بانتصار فرانكو على كل معارضيه وانفراده بحكم إسبانيا حكماً ديكتاتورياً بمساعدة ودعم من هتلر وموسوليني.
وتعود جذور العداء بين كتالونيا وإسبانيا إلى سنوات طويلة، حيث يعتبر المواطنون الكاتالون أنفسهم غير إسبان، والكثير منهم يرفضون الحديث باللغة الإسبانية ولا يتحدثون إلا الكتالونية فقط، وعندما تتجوّل في شوارع برشلونة أو تراجونا أو بادالونا كثيراً ما ترى أمامك عبارة مكتوبة على علم معلق على أسوار المنازل والبنايات الكتالونية وهي “كتالونيا ليست إسبانيّة”، إذ يعتبر أهالي كتالونيا أنفسهم أنهم أرض محتلة من طرف إسبانيا بعد صلح “البرانس” الذي وقعته إسبانيا مع فرنسا في أعقاب حربهما التي استمرت منذ عام ١٦٣٥ وحتى عام ١٦٥٩.
ويرى بعض المراقبين أن انفصال كتالونيا لن يمرّ مرور الكرام بسهولة من بين أيدي حكومة إسبانيا ولا من الاتحاد الأوروبي ذاته، الذي قد يدعم إسبانيا ويهدّد كتالونيا بعدم ضمها في حالة الاستقلال إلى الاتحاد الأوروبي، من أجل ذلك من المتوقع أن تستخدم الحكومة الإسبانية سلاح المحكمة الدستورية الذي سبق أن استخدمته من قبل لإجهاض أي محاولة للاستفتاء أو التفكير به من طرف الكتالون، ذلك لأنهم يعلمون علم اليقين أن هذا الاستفتاء سيجرّ عليهم استفتاءات عدة أخرى في أقاليم مختلفة، منها على سبيل المثال إقليم الباسك الحدودي، وجزر الكناري.