دراساتصحيفة البعث

ماذا تخبرنا رسالة ترامب إلى أردوغان

ترجمة: هناء شروف
عن موقع الغارديان 17/10/2019
بعد قراءة الرسالة التي أرسلها دونالد ترامب إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أصبح الجميع يعرف أن ترامب يكتب خطاباته بالأسلوب نفسه الذي يتكلم به، حيث يستخدم مزيجاً من المديح والتهديد بشكل فج، فكانت لغته تتمتّع بسحر وأناقة قد يستخدمها مالك في إنذار مستأجر بالإخلاء من أحد الأحياء الفقيرة، ولكن باستخدام قرطاسية البيت الأبيض.

يؤكد أولئك الذين راقبوا خطاباته لمدة طويلة أن هذه هي الطريقة التي طالما كان يعبّر بها عن نفسه. ويمكن القول إن الجانب الأكثر بروزاً في خطابه لأردوغان هو أنه يوضح المدى الذي اتسعت فيه الفروق بين الصياغة الشخصية التي يستخدمها ترامب والصياغة الرسمية للرئاسة الأمريكية التي اختفت تماماً منذ وصوله إلى البيت الأبيض.
يوجد في البيت الأبيض عدد من المستشارين والمساعدين لتحويل اندفاع الرئيس إلى كلام يليق برجل دولة من خلال صياغة عبارات الرئيس في جمل دقيقة ومنسقة، لكن هؤلاء استقالوا جميعاً أو أقيلوا أو تمّ تخويفهم من قبل ترامب الذي أصبح أكثر اقتناعاً بأن “عظمته وحكمته لا تضاهى”.
كانت نبرة الخطاب والعبارات التي استخدمها ترامب في الرسالة تضاهي عبارات مالك يخاطب مستأجراً لديه يرفض دفع الإيجار. وكان وقع الرسالة على الزعيم الاستبدادي كما كان متوقعاً، حيث رماها مباشرة في سلة المهملات، وذلك وفقاً لمساعديه.
يكتب ترامب كما لو أنه رجل يمتلك قوة ساحقة تمّ كبحها بضبط النفس، ويحذّر قائلاً “لا تريد أن تكون مسؤولاً عن ذبح الآلاف من الناس، ولا أريد أن أكون مسؤولاً عن تدمير الاقتصاد التركي- وسأفعل ذلك”. في المقابل تجاهل أردوغان التهديدات، كما اتضح فيما بعد، إذ كانت العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية جوفاء إلى حدّ كبير، وهي تعليق صفقة تجارية بقيمة مليار دولار (700 مليون جنيه إسترليني) والتي لم تكن موجودة بالفعل، ومضاعفة الرسوم الجمركية على مبيعات الصلب التركية إلى الولايات المتحدة والتي تصل إلى جزء بسيط من صادرات البلاد. إنها خدعة سياسية، لذلك لم يسحب ترامب دعوته لأردوغان لزيارة البيت الأبيض الشهر القادم.
قام أردوغان بانتهاكات فظيعة نتيجة توغله في شمال شرق سورية، وادّعى مسؤولوه بأن الرسالة كانت القشة الأخيرة التي دفعته إلى الهجوم، وهذا التصريح مغلوط تماماً وبعيد الاحتمال، فالعملية العسكرية كانت معدّة بشكل جيد، والعقبة الوحيدة كانت وجود الجنود الأمريكيين على الحدود، وهذا ما التزم بتنفيذه ترامب قبل ثلاثة أيام من إرسال الرسالة، وذلك بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي وأعطاه الضوء الأخضر بقراره سحب قواته من شمال شرق سورية.
وقد أكد سينان أولجن، الدبلوماسي التركي المخضرم والباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “لم تواصل تركيا السير بالعملية العسكرية بسبب الرسالة، بل بسبب المكالمة الهاتفية، ومن ثم بيان البيت الأبيض -الذي جاء قبل الرسالة- بأن ترامب يسحب القوات الأمريكية من المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد…”.
أشاد ترامب بقراره الخاص سحب القوات الأمريكية من سورية مرات عدة ووصفه بأنه رائع من الناحية الإستراتيجية، وأعلن أن الأكراد أكثر أماناً الآن، وهذا ما يتناقض تماماً مع التقييم الرسمي لكلّ من وزارتي الخارجية والدفاع للقرار الذي كان بمثابة كارثة على الاستقرار الإقليمي وعلى الحرب ضد تنظيم “داعش” الإرهابي.
الرئيس الأمريكي ليس لديه قدرة على قبول المشورة من أي كان، فقد أزال الرجل كل المعايير والنظم التي وضعها الرؤساء السابقون ليضمنوا أنه مهما كان الموقف الذي يتعرّض له الرئيس، أو القرار الذي يجب أن يتخذه في وضع معيّن، فسوف تكون خطاباته الرئاسية رسمية واحترافية وبعيدة عن اللغة الصاخبة والأخطاء الدبلوماسية التي تثير اللبس.