تعريف المعرّف
د. نضال الصالح
حتى أوّل حكومة لدولة الوحدة بين سورية ومصر كانت وزارة التربية في سورية تحمل اسم وزارة المعارف، ومع تلك الحكومة أصبح اسمها وزارة التربية والتعليم، ثم مع حكومة البيطار مطلع ألف وتسعمئة وست وستين اكتفت باسم التربية استجابة للنظريات التربوية القائلة إنّ التعليم جزء من كلّ، وليس كلاً، وإنّ الكلّ هو التربية التي هي أصلٌ في عملية التعليم والتعلّم، لأنّ العلوم والمعارف لا معنى لها إن لم تكن محمولة على مجموعة من القيم، بل إن لم تكن هذه الأخيرة هي المسند والمسند إليه معاً بتعبير النحويين عن مكوّني الجملة: الفعل والفاعل، والمبتدأ والخبر.
في الخامس عشر من هذا الشهر أقرّ مجلس الشعب المشروع الخاص بأهداف وزارة التعليم ومهامها (وهذا هو الصواب لا أهداف ومهام وزارة التعليم العالي كما ورد في مشروع القرار الصادر عن الوزارة نفسها أو خلال مناقشته في المجلس أو في وسائل الإعلام المختلفة، لأنّ العربية لا تجيز الفصل بين المتضايفين)، ومن ذلك إضافة تعبير “البحث العلمي” إلى اسم الوزارة ليصبح “وزارة التعليم والبحث العلمي”، تقديراً من المشرّع أنّ ثمّة ضرورة لذلك لغير سبب.
أجل، ثمّة ضرورة، بل ضرورات علمية وتعليمية وحضارية، ولا سيما أنّ مجمل وزارات التعليم العالي العربية يحمل الصفة نفسها، أو التعبير نفسه، أي التعليم العالي والبحث العلميّ، من جهة، وأنّه ما مِن قيمة للتعليم العالي إنْ لم يكن جذراً في أيّ فعل يستهدف بناء الإنسان الذي هو بنفسه جذر في بناء المجتمع، ليس أيّ إنسان بل الإنسان الباحث والمنتج للأسئلة والمؤرّق بما يجعل من مجتمعه ووطنه لائقين بانتمائهما إلى العصر، من جهة ثانية.
حسناً فعل المشرّع في إضافته معطوفاً عليه وصفة لهذا المعطوف عليه، البحث العلميّ، إلى معطوف وصفة، التعليم العالي، مهما يكن من أمر أنّ هذه الإضافة تنطوي تحت عباءة ما يُصطلح عليه بتعريف المعرّف، لأنّ التعليم العالي يتضمّن بالضرورة البحث العلميّ، ولأنّه ليس من نافل القول فيه وعنه، بمعنى أنّه أحد مكوّنين اثنين لعلامة واحدة حسب اللسانيين، أي الدال والمدلول، اللذين يُمثَّلان بوجهي الورقة الواحدة التي يعني غياب أحد وجهيها نفي علامتها اللغوية، ومهما يكن أيضاً من أمر اللغو الذي ازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي به إبان الإعلان عن القرار كما حدث في غير شأن وفي غير منشور افتراضيّ هنا وآخر هناك. حسناً فعلَ المشرّع، وحسناً أنّ مجلس الشعب أقرّ القانون، لأنّ مكانة أيّ مجتمع أو وطن ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما يُنجز فيهما من أبحاث تعني هذه الظاهرة العلمية أو الإنسانية أو تلك، ليس من أجل توصيفها فحسب، بل، أيضاً، من أجل قراءتها قراءة حصيفة ودقيقة، ومن ثمّ التفسير العلميّ المناسب لها، أو البحث عن حلول لها إذا كانت ممّا ينتمي إلى حقل المشكلات.
وبعد، وقبل، فإنّ المعوّل عليه هو نقل الإضافة من فضاء اللفظ إلى فضاء الواقع، لكي لا تكون محض إضافة، فتصبح فائضاً.