دراساتصحيفة البعث

جابارد تقوض الدعاية الرسمية للحروب الأمريكية

إعداد: سمر سامي السمارة

يبدو أن محاولة زعماء الحزب الديمقراطي ووسائل الإعلام الرئيسيّة التعتيم على المرشح الرئاسي النائبة الأمريكية الديمقراطية “تولسي جابارد” ليس بالأمر الغريب، فهي المرشحة الوحيدة، وربما السياسية الوحيدة في الولايات المتحدة التي تخوض منافسة في مواجهة ساسة أقوياء وشركات جشعة لإبلاغ الرأي العام الأمريكي بالضبط ما هم بحاجة إلى معرفته، وخاصة فيما يتعلق بدور حكومتهم وجيشهم بخوض حروب غير قانونية لتغيير الأنظمة، وتقديم أموال للمنظمات التي تساعد تنظيمات مثل “القاعدة” و”داعش” و”جبهة النصرة” و”فتح الشام” بشكل مباشر أو غير مباشر لتحقيق أهدافها.

كانت صريحة وواضحة خلال المناظرة، التي وُصفت بأنها أكبر مناظرة رئاسية متلفزة على الإطلاق، حيث كشفت من خلالها جابارد التي تمثّل هاواي حقائق رئيسية في وقت الذروة التلفزيونية للأمريكيين حين قالت: “تلطخت يدا دونالد ترامب بدماء السوريين، لكن هذا شأن الكثير من السياسيين في بلدنا من كلا الحزبين اللذين دعما هذه الحرب المستمرة التي تهدف لتغيير النظام في سورية منذ عام 2011.. إلى جانب الكثير من وسائل الإعلام الرئيسية التي كانت تدعم وتقود هذه الحرب لتغيير النظام”.

استمرت جابارد التي دخلت الحياة السياسية عندما كانت في الحادية والعشرين من عمرها في إدانة الولايات المتحدة التي دعمت إرهابيي “القاعدة” بهدف الإطاحة بحكومة دمشق. في الحقيقة، كان تقييماً دامغاً للسياسة التي انتهجتها الولايات المتحدة في سورية ومناطق أخرى في الشرق الأوسط، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تكشف فيها جابارد وحشية وإجرام “تدخلات” واشنطن أمام الأمريكيين.

بدا أن المرشحين الديمقراطيين الآخرين -البالغ عددهم أحد عشر- على المسرح خلال المناظرة التلفزيونية يترقبون ما سيأتي بعد تصريح جابارد القوي والهادئ. فهم قدموا رواية كاذبة مفادها أن القوات الأمريكية موجودة في سورية “لمحاربة الإرهاب”، كما استنكر هؤلاء إعلان ترامب مؤخراً سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سورية، مدّعين أنه سيقوّض القتال ضد “داعش” وغيرها والوكلاء التابعين لتنظيم “القاعدة”.

بدوره يتحدث الرئيس دونالد ترامب عن إنهاء الحروب التي لا تنتهي، وإعادة القوات الأمريكية إلى الولايات المتحدة، لكنه لا يزال يستند إلى فرضيته بأن الولايات المتحدة في ظل رئاسته هزمت “داعش” بشكل نهائي. وبهذه الطريقة، يتقاسم العرض المبتذل للديمقراطيين ووسائل الإعلام بأن أمريكا قوة من أجل الخير. وعلى الطرف النقيض، تقف جابارد منفردة لتقول للأمريكيين الحقيقة الواضحة والمرعبة، بأن سياسة الولايات المتحدة هي المشكلة الأساسية، وأن إنهاء الحروب التي تشنّها الولايات المتحدة لتغيير النظام في سورية، وغيرها من الأماكن، وإنهاء تواطئها الشيطاني مع الجماعات الإرهابية، هو السبيل الوحيد لإحلال السلام في الشرق الأوسط وتجنيب الأمريكيين العاديين الكارثة الاقتصادية المترتبة جراء ديون الحرب المتصاعدة.

لذلك لا بد للأمريكيين من معرفة حقيقة الرعب الذي ألحقته حكوماتهم وجيشهم وإعلامهم وساستهم، ليس ببلدان الشرق الأوسط فحسب، بل أيضاً بحياة وسبل معيشة الأميركيين العاديين الذين يبحثون عن طرق للانتحار وتعاطي المخدرات، نتيجة العواقب الوخيمة والمأساوية المترتبة على هذه السياسة الإجرامية.

من الواضح أن جابارد بعد المناظرة التلفزيونية، فازت في التصويت الشعبي بقولها الحقيقة، وقد تبيّن من خلال الاستطلاع المباشر عبر الإنترنت الذي أجراه الموقع الإخباري الشهير “درودج ريبورت” أنها أثبتت تفوقها وسط مجموعة غير مسبوقة من الخصوم، وأحرزت موافقة نحو 40 في المائة من الناخبين.

من الواضح أن جابارد ضربت على وتر حساس لدى الرأي العام الأمريكي من خلال تصويرها الصادق للحروب الأمريكية. وعلى الرغم من عرضها المفصل والقويّ والتقدير الواضح الذي أبداه الجمهور، حاولت معظم وسائل الإعلام الرئيسية التعتيم عليها بعد المناظرة التلفزيونية وأعلنت منافذ مثل “فوكس” و”سي إن إن”، فوز وارن في المناظرة على الرغم من أن النقاط التي أثارها خلال مناقشته تعلّقت بشكل رئيسي بقضايا السياسة الداخلية شأنه شأن باقي المرشحين.

فقد أمطر وارن الجمهور بخطابه الدعائي حول محاربة  القوات الأمريكية للإرهاب، وسارعت قناة “فوكس” بوصف جابارد بـ”الخاسرة” في المناظرة، مدّعية أنها أدلت ببيانات مضلّلة وكاذبة بشكل واضح حول دور الولايات المتحدة في سورية. كما اختارت منافذ الأخبار الرئيسية الأخرى تجاهل التقارير المتعلقة بقدرة جابارد على تقويض الدعاية الرسمية للحروب الأمريكية. إضافة إلى ذلك تزعم اللجنة الوطنية الديمقراطية أن جابارد لا تتمتّع بالدعم الكافي في استطلاعات الرأي التي ترى أنها جديرة بالتأهل للظهور في المناظرة التلفزيونية التالية في تشرين الثاني.

ومع ذلك، فإن الأحداث الدولية تثبت حق ممثلة هاواي، فالقوات الأمريكية إضافة إلى قوات الناتو الأخرى تحتل الأراضي السورية بشكل غير قانوني، وقد أدى انسحاب القوات الأمريكية إلى استعادة الجيش السوري للأراضي التي كانت تسيطر عليها القوات الأمريكية والجماعات الإرهابية التي تدعمها بسرعة كبيرة. وتُظهر التقارير أن سكان هذه المناطق يرحبون بوصول الجيش السوري، وهو مشهد ليس بالجديد ويذكرنا بأهالي حلب عند دخول الجيش السوري والقوات الروسية لتحريرها وتحرير مدن أخرى كانت محاصرة من قبل الجماعات الإرهابية.

يجب أن تخرج آلة الحرب الأمريكية من سورية من أجل إعادة السلام إلى هذا البلد، وليس لأنهم هزموا “داعش” بنسبة 100 في المائة، كما يدّعي ترامب ومعظم الديمقراطيين ووسائل الإعلام الأمريكية. وسيأتي السلام إلى سورية والشرق الأوسط عندما تنهي واشنطن حروبها الإجرامية لتغيير النظام ودعمها لوكلاء الإرهابيين.