أكبر خلل ينتاب البنية الإنتاجية.. انعدام القيمة المضافة على صناعة “تجميع السيارات” يستنزف القطع الأجنبي
أضحت السوق السورية تعج بعديد أصناف وماركات السيارات المجمعة محلياً، والتي يحاول مجمعوها الترويج لها بكل ما أوتوا من قوة، ضمن مشهد متخم بالمفارقات سواء لجهة أسعارها المرتفعة، مقابل تدني القوة الشرائية خاصة أن أغلبها يستهدف الشريحة الوسطى وما دون، في حين أن أسعارها حقيقة موجهة إلى الشريحة الأرستقراطية، أم لجهة طاقة السوق الاستعابية التي باتت –أي السوق- مسرحاً نشطاً للموديلات القديمة نظراً لانخفاض سعرها مقارنة بما تطرحه شركات التجميع المملوكة لكبار رجال الأعمال..!
خلل
ويخترق هذا المشهدَ خللٌ بدا يتضح للعيان شيئاً فشيئاً في مسار العملية الإنتاجية، يشي بأن وراء الأكمة ما وراءها، من خلال سماح الحكومة لما بات يعرف مجازاً بـ”تصنيع السيارات في سورية”، في حين أنها عملياً تجميع السيارات، وما هذه المعامل حقيقة إلا ورش إصلاح كبيرة ليس إلا، استطاعت التهرب من دفع رسوم جمركية تصل إلى 40% على ما تستورده من سيارات “مفككة” إلى أجزاء يتم تركيبها في هذه الورش، مقابل دفعها رسوماً مخفضة بنسبة 5% تحت ذريعة مستلزمات إنتاج..!
اعتراف
لم ينكر أصحاب شركات تجميع السيارات ارتفاع أسعار ما يجمعونه، مقارنة مع متوسط مستوى الدخل؛ عازين الأمر إلى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية وانعكاسه على أسعار استيراد مستلزمات الإنتاج، دون أن يترافق ذلك مع تحسين مستوى الدخل، داحضين بالوقت ذاته أي تشكيك بجودة السيارات خاصة أنها مكفولة لمسافة 150 ألف كم.
ورغم أن للحكومة وجهة نظر تجاه عدم سماحها بتصدير السيارات المجمعة محلياً، إذ بين مصدر حكومي ذو صلة بهذا الموضوع أنه تم الطلب من شركات تصنيع السيارات العمل على زيادة نسبة المكون المحلي حتى يصار إلى إعطائهم شهادة منشأ، وبالتالي السماح لهم بتصدير السيارات، سرعان ما تحفظ “المجمعون” على هذا الأمر، معتبرين أن شهادة المنشأ غير ضرورية، وأن ثمة سوقاً لتصريف السيارات بدول الجوار؛ ما ينشط بالنتيجة حركة تصنيع السيارات وتطويرها..!
طوباوية
وعلى وقع عدم السماح بتصدير ما يتم تجميعه محلياً من هذه السيارات، وعدم قدرة السوق السورية على استيعابها، نجد أن هذه الصناعة باتت تؤثر على تفعيل العملية الإنتاجية الحقيقية التي يعتمد العمل فيها على مسارين أساسيين؛ الأول استثمار ما نمتلكه من مقومات –ولو كانت بسيطة نسبياً- وترسيخها كبنية أساسية يُشتغل عليها تفضي إلى المسار الثاني المتمثل بتأمين متطلباتنا واحتياجاتنا الأساسية، بمعنى آخر: علينا الابتعاد عن الطوباوية بأي طرح استثماري، حتى لا نقع في مطب التقهقر، ونصبح كمن يحارب “طواحين الهواء”..!
سبق أن ذكرنا أنه من الأَوْلى حالياً التركيز على الصناعات التي تؤمن متطلبات المعيشة اليومية، وكذلك المعدة للتصدير، وإن كان لابد من توطين صناعة السيارات فلماذا لا تراعى مسألة مساهمة التصنيع المحلي في هذا الشأن والبالغة نسبته 40% كحد أدنى، وما ينطبق على صناعة أو بالأحرى “تجميع السيارات” ينطبق على منتجات أخرى نسبة مساهمة المنتج المحلي فيها ضئيلة جداً، أي إنها بالأساس ليست منتجات وطنية، كتغليف الرز، وطحن القهوة وتغليفها، مع فارق هنا أن الأخيرة سلع أساسية، بينما السيارات كمالية.
العودة إلى الذات
علينا إذاً عدم الخروج من جلدنا والتفكير بالمنافسة بصناعات غير قادرين -ولو على مدى عشر سنوات- على المنافسة بها ولاسيما تلك التي تحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة وخبرة ومعرفة طويلتين، في حين أنه يمكننا أن نطور صناعاتنا التحويلية التي تعتمد على إنتاجنا الزراعي ونزيد تنافسيتها عبر تقوية جميع عناصر الإنتاج المتوفرة لدينا من مواد أولية وخبرة عملية وأيدٍ عاملة ورأس مال …إلخ، خاصة أن سورية نجحت بالمنافسة بصناعات نُسبت إليها بامتياز، فلما لا تُطور هذه الصناعات لتحقيق قيم مضافة كبيرة خاصة تلك الاستهلاكية، مثل صناعة قمر الدين الذي تستجر منه مصر كميات كبيرة، وكذلك الفواكه المجففة وصابون الغار وغير ذلك من صناعات تقليدية سورية غزت ولو بشكل محدود كبرى الأسواق العالمية، خاصة في مرحلة بتنا أحوج ما نكون فيها إلى الاعتماد على الذات، دون أن نقحم أنفسنا بخطط صناعية فاشلة سواء من جهة الجودة والنوعية أو من جهة السعر المنافس ولاسيما الثقيلة منها وذات التقنية العالية التي تحتاج إلى خبرات عالية وإمكانات مادية كبيرة، فضلاً عن صعوبة تصريفها في أسواق غصت بصنوف وأنواع من كل حدب وصوب.
يذكر أن هناك خمس شركات تجميع سيارات تعمل في سورية، إضافة إلى ثلاث أخرى لم تباشر عملها، وأن الحكومة حددت الرسوم الجمركية لقطع السيارات المجمعة بنسبة 5% للشركة التي لديها ثلاث صالات، و30% للتي لديها صالة واحدة، مع العلم أن شركة سيامكو السورية الإيرانية لإنتاج السيارات هي الوحيدة التي لديها ثلاث صالات، مع الإشارة إلى أنه تم منح مهلة لجميع مصانع السيارات حتى تاريخ 8/2/2022 لإنشاء ثلاث صالات تحت طائلة إغلاق تلك المصانع، وحتى تاريخه لم تقدم سوى شركة خاصة واحدة على البدء بتجهيز مصنع يحوي ثلاث صالات..!
ح. ن