التطبيع وجوهر الصراع
يتصاعد التطبيع العلني بين أنظمة الخليج العربي والكيان الصهيوني لحرف البوصلة عن العدو الأساسي، وذلك من خلال انعقاد مؤتمر الأمن البحري في البحرين، بمشاركة أنظمة عربية وغربية إلى جانب الكيان الصهيوني، بالتوازي مع انعقاد مؤتمر رؤساء الأركان لجيوش دول مجلس التعاون الخليجي، وعدد من الدول العربية والغربية، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، تحت ذريعة مواجهة خطر إيران ونفوذها في المنطقة.
يأتي هذا، فيما يزور وزير الدفاع الأميركي السعودية، ومع الإعلان عن إرسال آلاف الجنود ومنظومات صواريخ “ثاد”، في محاولة للتصعيد ضد إيران، وتفريغ مبادرة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان من مضمونها، والرامية إلى تهدئة التوتر بين الرياض وطهران.
الأمر يستدعي أيضاً، معاودة الكرة من خلال اتهام واشنطن، وعواصم خليجية حليفة، لإيران باستهداف سفن تجارية ومنشآت نفطية في الخليج، وهو ما نفته إيران مراراً، وعرضت توقيع اتفاقية عدم اعتداء مع دول الخليج، وطرحت مبادرة هرمز للسلام، محذّرة من أن تأسيس تحالف عسكري بزعم تأمين الملاحة في مضيق هرمز سيجعل المنطقة غير آمنة، وأن حل التوتر يحتاج إلى الحوار، وليس إلى تحالف عسكري، وأنها لن تتردد في مواجهة أي تهديد للذود عن أمنها.
اللافت في مؤتمر المنامة ولقاء الرياض أن ما تقوم به الأنظمة الخليجية يندرج في إطار تنفيذها للأوامر والتوجيهات التي تصدر لها من البيت الأبيض، ولذلك تجاهلت دعوة إيران للمشاركة فيهما، خاصة أنها تشاطىء أهم ممرات الملاحة البحرية في المنطقة، ما يقود إلى الاعتقاد بأن واشنطن تريد الإبقاء على المواجهة مع إيران على حالها، وإحباط أي اتجاه نحو الحوار مع طهران، وفي ظل التوتر المستمر تسعى واشنطن لأن تواصل دورها كشرطي وجاب لحماية خطوط إمداد النفط والغاز وابتزاز مشيخات النفط بصفقات تسليحية كبرى، وعندما تريد نهب المزيد من الأموال تلجأ إلى التلويح بالفزاعة الإيرانية.
والمفارقة أن الأنظمة الخليجية تذعن لهذا الابتزاز المرة تلو الأخرى، بما في ذلك استضافة هذا النوع من المؤتمرات ذات الطابع الاستفزازي بحضور المسؤولين الإسرائيليين على أراضيها، بهدف تسريع عمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني، ودمجه في نسيج المنطقة، فخلال الفترة الماضية استضافت المنامة مؤتمراً ظاهره اقتصادي لدعم القضية الفلسطينية، ولكن هدفه بالدرجة الأولى الترويج لما يسمى بـ”صفقة القرن”، التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، والتصريحات تكشف بوضوح زيف وكذب ترديدهم عبارة “العدو الإيراني المشترك”، لتكريس مفهوم أن العدو الصهيوني ليس العدو الحقيقي للأمة العربية والإسلامية التي لا تنطلي على أحد.
فالوجود الإسرائيلي هو الذي يشكّل تهديداً لأمن المنطقة واستقرارها، وممارسات سلطاته الإجرامية اليومية بحق شعبنا في الأراضي العربية المحتلة يقوم بها على مرأى ومسمع الجميع، لكن مشيخات الخليج لا تعتبره عدواً بل حليفاً، وأن السير في طريق تطبيع العلاقات معه ليست جريمة، وكل ما روجت له الآلة الإعلامية الخليجية، عن “مشروع إيراني” و”حروب بالوكالة” وغيرها، من أجل ذر الرماد في عيون البسطاء والتغطية على دورها المخزي في تنفيذ الأجندة الأمريكية خدمة للكيان الصهيوني، وكل هذه المؤتمرات مصيرها الفشل، ولن تؤثّر على واقع الصراع في المنطقة.
صلاح الدين إبراهيم