اعتبره البعض انكماشياً وآخرون استعراضياً ولا يعالج الحاجة الفعلية مجلس الشعب يحيل مشروع “الموازنة العامة 2020” إلى لجنته المختصة
دمشق- عمر المقداد:
شن غالبية أعضاء مجلس الشعب هجوماً غير مسبوق على سياسات الحكومة الاقتصادية، واصفين مشروع الموازنة العامة للعام 2020 بالانكماشي والمدور في بعض بنوده من عامين سابقين، وحتى الاستعراضي الذي لا يلبي الحاجة الفعلية لمتطلبات التنمية الاقتصادية، وإعادة دوران عجلة الإنتاج والاقتصاد الوطني. وخلال جلسة المداولة العامة لمشروع القانون، التي ترأسها حموده صباغ، وتحدث خلالها 32 عضواً لليوم الثاني، وفي إطار الكلام المفتوح، سأل الأعضاء الحكومة عمّا نفّذته من أولويات بيانها الوزاري في إطار الموازنة العامة، مشيرين إلى أن هناك خللاً في السياسات الاقتصادية المنفّذة، وقد انعكس ذلك على شكل عدد من الأخطاء التي وردت في مشروع الموازنة، وتساءلوا: من هي الجهة المسؤولة عنها، وهل جرى تقديمها من دون دراسة مسبقة، إضافة إلى أن جانباً منها مكرر ومدور من العامين السابقين، مع إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليها؟!، ناهيك عن اتساع الفجوة بين الأجور والأسعار دون ذكر الإجراءات التي ستتخذها الحكومة لردمها، وأن نسبة الإيرادات يجب أن تكون أكبر بالتزامن مع الانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري، بينما نجد انخفضت الإيرادات المتوقّعة 400 مليار ليرة عن إيرادات موازنة 2019، مطالبين بتفسير ذلك، ومعتبرين أن ذلك مؤشر على وجود خلل بنيوي في الأرقام الواردة في مشروع الموازنة، وأنه لا يعبّر عما تريد الحكومة تحقيقه، إضافة لتخفيض اعتمادات العمليات الجارية بمقدار 82 ملياراً، ما يؤثّر سلباً على عمل وزارات الدولة.
كما تساءل الأعضاء عن دور الموازنة في الحد من العجز للسنوات القادمة، حيث تجاوزت نسبة العجز في الموازنة 53 %، مشيرين إلى أن الزيادة في العجز المالي تعني زيادة في التضخم وارتفاع معدلات البطالة، إضافة إلى عدم لحظ مشروع الموازنة زيادة رواتب العاملين في الدولة، ما يعزّز الحكم بأنها موازنة انكماشية ومجحفة بحق القطاع العام، إضافة إلى تكرار المشاريع الاستثمارية ذاتها في كل عام، وعدم وجود تكافؤ بنسب الدعم للوزارات.
كذلك ألمح الأعضاء إلى أن مشروع الموازنة لم يلحظ أي إشارة لتحسين الوضع المعيشي، ما يتنافى مع تصريحات الحكومة عن تثبيت الأسعار واستقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، ودعوا إلى خلق فرص العمل وتوزيعها وفق الشواغر والاعتمادات، وبعضهم شكّك بقابلية تنفيذ فرص العمل الواردة في مشروع الموازنة والبالغة 85 ألف فرصة، وقد تكون أرقاماً غير دقيقة أو وهمية.
البعض اعتبر أن رفع الدعم عن أسعار المشتقات النفطية لم ينعكس إيجاباً على الاقتصاد والدخل والإنتاج، وعلى العكس، فقد ازداد الوضع المعيشي تراجعاً، وانحدرت القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود، ما يستوجب ضبط الأسعار والأسواق، وإيصال الدعم إلى مستحقيه.
وفي رده على الأعضاء، أشار وزير المالية الدكتور مأمون حمدان إلى أن عجز الموازنة هو رقم مقدّر، ولا يمكن تقدير العجز الحقيقي إلا من خلال قطع حسابات موازنة عام 2020، مضيفاً: إن تغطية هذا العجز ستتم من خلال ترشيد الإنفاق العام غير المنتج، والتركيز على الإنفاق الذي يدفع الإنتاج الاقتصادي، وزيادة الحصيلة الضريبية من خلال مكافحة التهرب الضريبي، والاستدانة من البنك المركزي بسندات تغطية نقدية، وإصدار أذونات مالية قصيرة الأجل، وسندات خزينة طويلة الأجل، وجذب الاستثمارات الخارجية، وعودة رؤوس الأموال الوطنية، وعودة الإنتاج النفطي والإنتاج الصناعي والزراعي، وتشجيع الصادرات.
وبشأن الحكم على مشروع الموازنة بأنها انكماشية، أوضح أن سعر صرف الدولار عام 2011 كان حوالي 50 ل.س، وأصبح 435 ليرة في عام 2020، أي أنه ارتفع عدة أضعاف، وبالمقابل ارتفعت الموازنة خلال سنوات الأزمة من 835 ملياراً عام 2011 إلى 4000 مليار عام 2020، وبالطبع فإن هذا الارتفاع ليس بنفس سوية ارتفاع سعر صرف الليرة، مبيناً أن الحكومة لا تعتمد على تغيير سعر الصرف في احتساب اعتمادات الموازنة، وإنما على الليرة السورية في تقدير الاعتمادات والإيرادات.
وبخصوص الاحتياطي الاستثماري البالغ 740 ملياراً، أوضح أنها اعتمادات ستتم إضافتها إلى الموازنة حسب الحاجة إليها، ولمواجهة أي حالات طارئة أو مشاريع جديدة ذات جدوى اقتصادية.
وبشأن فرص العمل المنفّذة خلال عام 2019 أوضح أنه لا يوجد لدى وزارة المالية أي بيانات حول ذلك، على اعتبار أن كل وزارة معنية بإجراءات التعيين والتوظيف لديها في ضوء الملاكات والشواغر المتوفرة، ويقتصر دور وزارة المالية على رصد الاعتمادات المالية.
وبخصوص عدم زيادة الرواتب في مشروع الموازنة، أكد أنه لم يسبق أن جرت العادة برصد اعتمادات في مشروع الموازنة العامة للدولة لتوقعات محتملة لزيادة الرواتب، وأنه في حال إقرار هذه الزيادة، فيتم تغطيتها من وفورات أقسام وفروع الموازنة، وأن جميع الزيادات السابقة كانت تتم بنفس الآلية، كما أن زيادة أسعار البنزين لا يمكن الاعتماد عليها ليصار إلى زيادة الرواتب، وأن الاعتماد هو على تحقيق الإنتاج والنمو الاقتصادي.
وحول أسباب انخفاض الإنفاق الجاري بمقدار 82 ملياراً، أشار إلى أن السبب هو انخفاض عجز شركة محروقات من 430 ملياراً عام 2019 إلى عجز مقدّر 11 ملياراً، وهذا يفسر انخفاض الدعم الاجتماعي للمحروقات.
وبشأن انخفاض الإيرادات الجارية، فالسبب برأي الوزير يعود إلى عدم إدراج فروقات أسعار المشتقات النفطية، والمقدّرة بعام 2020 بمبلغ 1054 مليار ليرة ضمن الإيرادات الجارية، وبقيت هذه الفروقات لدى شركة محروقات، خلافاً لما كان يتم في السنوات الماضية، وهو إجراء أكثر اقتصادية وعلمية، وقد تم اتخاذ هذا القرار بعد إجراء الدراسات اللازمة لذلك، وتقييم نتائج تطبيق البطاقة الذكية، إضافة إلى تخفيض العبء على البنك المركزي، وتأمين السيولة اللازمة لشركة محروقات، ما يعطيها المرونة بتأمين احتياجاتها.
وبنهاية الجلسة، قرر المجلس إحالة مشروع الموازنة إلى لجنة الموازنة والحسابات التي ستجتمع مع الوزارات والهيئات العامة.