على الخط الساخن تحفيز نظام الإبلاغ والتدخل لحماية الأطفال من العنف.. و”قانون حقوق الطفل” قبل نهاية هذا العام
لم يعد الحديث عن تعنيف الأطفال في سورية مجرد حالة اجتماعية عابرة، فمنعكسات الحرب الاجتماعية والمعيشية والنفسية دخلت إلى كل منزل، وبدا واضحاً أن الأطفال هم أول المتضررين من تلك المظاهر الجديدة، ورغم أن المنظمات الدولية أعلنت أن تعنيف الأطفال في سورية خلال الحرب تفاقم بشكل خطر، إلا أننا مازلنا نتعامل مع الأمر حكومياً وشعبياً بالطريقة التقليدية ذاتها، وحتى اليوم لم يتم النظر إلى هذه الظاهرة بالجدية التي تتطلبها في ظل غياب قانون موحد يحمي الطفل، وتواضع دور الجمعيات والمنظمات الأهلية في توعية المجتمع وحماية فئاته.
من يحمي الطفل اليوم؟ هو السؤال الأول الذي يتبادر إلى الأذهان عندما نرى مئات المشردين والمتسولين يفترشون الشوارع أمام الوزارات والجمعيات والمنظمات التي يفترض أن تكون معنية بحمايتهم، كما تغص المدارس بطلاب غطتهم الكدمات الزرقاء، لأن “العلامة التامة” في المذاكرة لم تكن من نصيبهم لتتجاهل المدرسة هذه الآثار لأنه لا شأن لها بما يحدث في المنزل، كما تحول التعليم في بعض المدارس إلى مكايدة بين الطالب والمدرّس تنتهي بالعنف في أحوال عديدة بتشجيع من الأهل أصحاب المقولة الشهيرة: “هذا ولدكم خدوه لحم ورجعوه عضم”، فهل نجرؤ حتى على التفاؤل بواقع أفضل للطفل في مجتمع اتفق بكل فئاته على أن العنف واجب وحق للتربية الصالحة؟!.
تضامن فيسبوكي وحسب!
في الآونة الأخيرة لاقت بعض مقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، متضمنة تعنيفاً وحشياً للأطفال من قبل ذويهم أو في مدارسهم أو عملهم، تفاعلاً كبيراً من المجتمع والقضاء الذي تدخل لمعالجة القضايا ومحاسبة الجناة، إلا أن الأمر لا يتوقف على حالات فردية تنشر عن طريق الصدفة، فالمخفي أعظم، وخلف الأبواب المغلقة في كل بيت حالات عنف تتفاوت في شدتها، قد تتسبب بعاهات دائمة تحت مسمى “تربية وتأديب”، وهي لا تأخذ الاهتمام المفروض نظراً لتوافق المجتمع على هذه التسمية لها، في المقابل هناك من يرى أن الحديث عن التعنيف الأسري فقط بات متواضعاً أمام ما يتعرّض له الأطفال من تحرش جنسي، وتجنيد في الحروب، وعمالة غير شرعية، والإتجار بهم وبأعضائهم، وكل ما أرخته سنوات الحرب من أشكال تعنيف جديدة لا تجد في المجتمع رادعاً قوياً يحد من تطورها.
تخمينات
وبين من يرى أن العنف تزايد بشكل مقلق بعد الحرب، ومن يعتبر أن الوعي والتكافل الاجتماعي قلص حالات العنف بشكل كبير، يبقى التخمين هو سيد الموقف في ظل غياب إحصائيات تحدد نسب وأشكال العنف، ويؤكد رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي د. زاهر حجو أن حالات التعنيف زادت بشكل لا يمكن إغفاله بعد الحرب، فرغم شيوع ظاهرة تعنيف الأطفال من قبل ذويهم قبل الحرب، إلا أن درجة العنف لم تصل يوماً إلى ما هي عليه اليوم لا كماً ولا نوعاً، والمظاهر التي تفحص حالياً لم يسبق لها أن وجدت، معتبراً أننا وصلنا لمرحلة مقلقة، وستكون أكثر خطورة في السنوات المقبلة، وخلافاً له يرى رئيس الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان د. أكرم القش أن “الظاهرة آخذة بالانحسار”، والاتجاه العام ينحى لتراجع العنف حتى ضمن المنزل، وأصبح التعنيف أخف بسبب زيادة الوعي وانتشاره بين الأسر التي انخفض عدد الأطفال فيها، موضحاً أن الإحصائيات الأخيرة قبل الحرب شملت سوء المعاملة والإهمال، وكان حينها طفلان من كل 10 أطفال يتعرّضان لسوء المعاملة، ونسبة العنف قاربت 18%.
مسؤولية
وعن طريق استطلاع آراء جهات عدة بدا أن المجتمع هو المسؤول الأول عما يحدث من تعنيف للطفل، حيث يحمّل حجو المسؤولية الأكبر لغياب الوعي الكافي في المجتمع الفاقد لثقافة الشكوى، فمن النادر الاعتراف بحالة تعنيف تعرّض لها طفل في منزله، حتى ما يتم فحصه من عنف من قبل أرباب العمل لا يشكّل 10% من الواقع، فيما لا تتجاوز النسبة 1% عند الحديث عن العنف الأسري، موضحاً أن الموضوع بحاجة إلى دراسة، وحزمة من الإجراءات السريعة في وقت لا يوجد أي شيء منظم، ولم تتخذ أية خطوة جدية، بدوره يعتبر القش أن البيئة غير مشجعة حالياً للحديث عن وجود ثقافة بهذا المستوى، وقد نشهد حالات قليلة في المجتمعات الصغيرة على مستوى قرى أو أحياء يتدخل بها الآخرون بشكل إيجابي، ولكن لم تأخذ بعد شكل ثقافة مجتمعية يمكن تعميمها، وهو ما يتم العمل عليه حالياً، ويرى المستشار في إدارة التشريع القاضي نزار صدقني أن تدخل القضاء السريع في الحالات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي ومعالجته القضايا دليل على قدرة القوانين على الحماية، إلا أن القضاء ليس موجوداً في كل بيت، والعتب هنا على قلة وعي المجتمع، وضعف ثقافة الشكوى والتبليغ، فالأهم من القانون اليوم هو نظام الإبلاغ والتدخل الإيجابي من المجتمع لرقابة وحماية الأطفال.
قانون جديد
أما الناحية القانونية فكانت ومازالت تلاقي استنكاراً كبيراً لغياب قانون موحد يضمن حماية الطفل وحقوقه حتى الآن، حيث تحمّل مؤسسات المجتمع الأهلي المسؤولية للقضاء، إلا أن صدقني رفض الحديث عن غياب الحماية عن الطفل، معتبراً أنها موجودة، إنما موزعة على قوانين عدة يتم حالياً تجميعها، وتطويرها، وإضافة مواد تضمن سلامة الطفل ضمن قانون واحد تحت مسمى “قانون حقوق الطفل” الذي يمكن أن يبصر النور قبل نهاية هذا العام بعد سنوات طويلة من الدراسة والجدل، لاسيما أن قانون كهذا يتطلب ملاحظات من جميع الوزارات والقطاعات: (تعليم، صحة، شؤون اجتماعية)، مضيفاً أن هذا التشعب قد يكون أحد أسباب التأخير في إصدار القانون ريثما تؤخذ جميع الملاحظات التي شهدت بعض النقاط الخلافية، إضافة إلى المدة اللازمة للدراسة، والمراحل العديدة اللازمة لإصدار أي تشريع، بحيث يكون مرناً وصحيحاً ولا يحتاج إلى تعديل بعد فترة من تطبيقه.
ويؤكد صدقني أن قوانين (العقوبات، والأحداث الجانحين، والأحوال الشخصية، والتعليم الإلزامي، والصحة، واللقاحات، والعناية الصحية)، كلها تحمي الطفل بنصوص صارمة، موضحاً أن غياب قانون حقوق الطفل في القضاء السوري يعود لقدم التشريعات، وعدم تضمن الاتجاه التشريعي سابقاً قوانين متخصصة كحماية الأسرة والطفل، أو أية فئة من فئات المجتمع، فيما أصبح التطور الدولي وظهور اتفاقيات متخصصة يستدعي من الدول الموقعة أن تصدر قوانين متخصصة التزاماً منها بالاتفاقيات، فبات التخصص هو التوجه الجديد للتشريعات الآن.
خط ساخن
وفي حين لا يوجد إحصاء للتعنيف الجسدي لقلة الحالات “المعروضة”، يكشف حجو عن 189 حالة اعتداء جنسي تم فحصها خلال هذا العام في جميع المحافظات لأطفال دون 18 سنة، 81 منهم من الذكور، و108 من الإناث، حيث وثق في حلب 115 اعتداء، وفي دمشق 12، وفي اللاذقية 13، وفي حماة 24 اعتداء، فضلاً عن وجود اعتداءات جنسية على الأطفال من قبل الأقارب قد لا يتم التبليغ عنها، موضحاً أن الآثار النفسية للحرب هي السبب الرئيس لزيادة الاعتداءات الجنسية، على عكس الأخرى الجسدية المتمثّلة بالضرب التي تشكّل الحالة المعيشية والاقتصادية السبب المباشر لها، ويرى حجو أن أحد الحلول يتمثّل بتخصيص خط ساخن للطفل ليتصل عند تعرّضه للعنف، ما سيشكّل عامل خوف للأهل، بالتوازي مع ندوات تلفزيونية، وفواصل إعلانية بحيث يدرك الطفل حقوقه.
الجميع مقصّر
لم تستثن الاستشارية النفسية د. صفاء ملحم أية جهة من الحال التي وصل إليها الطفل في سورية، من مجتمع، وقضاء، ومدرسة، وجمعيات، وحرب، وفقر، وإهمال، وكانت واضحة جداً في تخوفها من مستقبل جيل كامل أسس على مبادىء العنف، فمن لم يعش وسط مناطق الاشتباك شاهد ما يحصل على الإعلام حتى بات القتل والتعذيب مشهداً عادياً ترسخه بدورها الألعاب وبرامج الأطفال الجديدة، مستغربة الاستماتة في إعادة إعمار الحجر وسط تجاهل تام لما يحتاجه الطفل من إعادة تأهيل ورعاية، خاصة بعد أن هجر الآلاف وشردوا من بيوتهم ومدارسهم وفقدوا أسرهم ليزج بهم إما بصفة مقاتلين مع من استغلهم من إرهابيين، أو باتوا متسولين ومشردين في الشوارع، وحتى من حظي منهم بسكن في ملجأ ما لم يلق أية رعاية، فهل يعقل أن يخرج آلاف الأطفال من مناطق خضعت للإرهاب لسنوات دون أن يفحصوا جسدياً على الأقل، ناهيك عن الحالة النفسية لهم، متسائلة عن الدور الذي تأخذه وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والجمعيات والمنظمات الأهلية في ظل فوضى غير مسبوقة، حيث تبدو عاجزة أمام أبسط المهام الموكلة إليها، فلا هي مجهزة لوجستياً ولا فكرياً ولا صحياً، يذكر أن مسودة القانون الجديد فيها ما يفيد ويفرض واجبات مؤسسات الدولة بمراقبة هذه الحالات، حسب صدقني.
وتضيف ملحم: على مستوى الأسرة أستغرب لجوء الأهالي لاستخدام العنف كوسيلة تربية، رغم أن التجارب أثبتت مراراً أن هذا الأذى سيشكّل رد فعل عكسياً لدى الطفل الذي إن ارتدع لمرة واثنتين سيتمرد في النهاية ليصبح أكثر عدوانية في البيت والمدرسة، ليتحول بدوره إلى أداة تعنيف لأصدقائه، موضحة أن نقص الأساليب المتاحة للتربية جعل من الضرب الوسيلة الأسهل، وهنا يتطلب الأمر مسؤولية وطنية شاملة على مختلف المسؤوليات لتوعية المجتمع وتوجيهه إلى طرق أكثر حضارة في التربية.
استئناف الدراسات
وبالعودة إلى قانون حقوق الطفل فقد كانت لهيئة شؤون الأسرة مشاركة في الإعداد له، حيث يوضح القش أن القانون عبارة عن مبادىء أساسية تكرّس قوانين حماية الطفل في بيته ومجتمعه، متضمناً بعض الصياغات المتعلقة بالمنتجات المتاحة للأطفال، ولحظ زيادة العقوبات للمعنّفين حتى لو كانوا الأهالي، مضيفاً أنه بالتزامن مع القانون الجديد تدرس الهيئة وجهات المجتمع الأهلي استراتيجية الطفل المبكرة لعمر أقل من 8 سنوات لتكون المسودة جاهزة قبل نهاية العام، آخذة بعين الاعتبار التنشئة في الأسرة، والرعاية الصحية، ودخول المدارس، والتنشئة المجتمعية التي يأخذ الإعلام حيزاً فيها، فيما تنطلق العام المقبل دراسات جديدة لتحديد أنواع العنف، والشرائح المستهدفة به.
وحسب القش يتم التحضير لخط ساخن “لتقديم الخدمات، وليس تلقي شكاوى” ترصد عبره الحالات التي يتعرّض لها الأطفال، ليفعل مع العام القادم عبر مديري حالة يقدمون دعماً نفسياً وقانونياً، أما عن الجمعيات والمنظمات الأهلية فلا يمكن حسب القش القول إنها مقصّرة، فهي تقدم خدمات دعم نفسي ورعاية للأطفال، واستوعبت حالات عدة، إلا أن الطلب على الخدمات كثير، ما يتسبب بضغط عليها.
رادعة!
وفيما نص قانون العقوبات على السجن من ستة أشهر لثلاث سنوات لمن يتسبب بأذى لأي شخص قصداً، وعشر سنوات إذا أدى الفعل لقطع أو استئصال عضو، أو بتر أحد الأطراف، أو تعطيلها، أو تسبب في إحداث تشويه جسيم أو أية عاهة أخرى، يرى صدقني وجوب زيادة هذه العقوبة في القانون الجديد إذا كان المعتدى عليه طفلاً، أما الجرائم الجنسية فالعقوبة مشددة جداً، حسب صدقني، قد تصل للمؤبد أو الإعدام، ونتيجة تزايد حالات تجنيد الأطفال خلال الأزمة، أدرجت في قانون العقوبات عام 2013 مادة تنص على عقوبات جنائية مشددة لمن يستدرج طفلاً لأعمال عسكرية أو خدمات قد تصل للإعدام، واعتبر المرسوم 3/2010 “قانون مكافحة الإتجار بالأشخاص” أي استغلال الطفل بعمل غير مشروع بمثابة إتجار، والعقوبة تصل لـ 10 سنوات “أشغال شاقة”، إذ يؤكد المستشار في إدارة التشريع أن الطفل محمي من أن يكون متاجراً به، حتى إن القانون أدرج الصور الجنسية تحت بند المتاجرة بالأشخاص، ومثلها بعض حالات العمالة غير الشرعية كشبكات التسول مثلاً.
ريم ربيع