“الممر”.. عودة السينما المصرية إلى أفلام الحروب
مع فيلم “الممر”، كتابة وإخراج “شريف عرفة”–إنتاج 2019- 129 دقيقة-، تعود السينما المصرية بقوة إلى إنتاج أفلام الحرب، وذلك بعد انقطاع عن هذا النوع من الأفلام، منذ منتصف –الألفينات- آخر إنتاجات مهمة كانت “يوم الكرامة -2004- وقبله كان أُشُتهر فيلم “الطريق إلى إيلات”، ويرجح الكثير من النقاد أن شهرة أو رواج الفيلم الأخير هو استناده على أحداث واقعية، يدمج بين عملية نفذها الجيش المصري ضد بارجة قبالة سواحل مدينة “بور سعيد” المصرية، وعمليات أخرى تمت ضد بوارج إسرائيلية أخرى في مرفأ “إيلات” في جنوب فلسطين المحتلة، غير ذلك، فإن السينما المصرية لم تنجح في تحويل أفلام الحروب إلى أفلام جماهيرية، واقتصر نجاحها على الأفلام الرومانسية والكوميدية.
يبدو أن هذه المعادلة لم تزل “مستمرة مع فيلم “الممر”، الذي فشل حتى الآن في استرداد تكاليف إنتاجه المهولة، مقارنة بميزانية الأفلام المصرية، رغم الحملة الإعلامية الترويجية الكبيرة التي حظي بها الفيلم، واهتمام وسائل الإعلام المحلية والخارجية به، إلا أنه لم يحقق إلى الآن سوى “74” مليون جنيه مصري، من أصل 100 مليون هي تكاليف الإنتاج الضخم، الذي غامر به المنتج “هشام عبد الخالق. يحكي الفيلم عن عملية تقوم بها، قوات الصاعقة المصرية في مهمة لتدمير مستودعات العدو، ثم يتعرضون لمهمة جديدة طارئة وهي إنقاذ مجموعة من الأسرى، التفصيل الأخير فتح باب الانتقاد على الفيلم، بأنه يتشابه مع الفيلم الأمريكي “إنقاذ الجندي رايان”، الذي يقوم على قصة مجموعة من المارينز الأمريكي، في مهمة لإنقاذ جندي خلف خطوط العدو، وقالت الدكتورة “عزة أحمد هيكل”، عميد كلية “اللغة والأعلام” في “الأكاديمية العربية”، في معرض رأيها عن الفيلم، أن العمل يعتمد في الأساس على قصة غير واقعية، بالرغم من أن سجل الحرب، مليء بالقصص والبطولات التي تستحق أن تُروى، ولكن يكفي أن الفيلم اعتمد على التقنية الحديثة، ومَشاهد الحرب والصراع، من الناحية العسكرية والتقنية، لإظهار براعة وقوة وعزيمة الجندي المصري، هدف الفيلم، هو إبهار جيل الشباب بإمكانيات الجيش المصري، حتى وإن كانت هناك نكسة أو هزيمة”.
في نظرة نقدية للفيلم لا بد أن نسأل: لماذا يختار الفيلم، قصة مرتبطة بالنكسة؟ المبرر الذي ساقته الدكتورة “هيكل” أعلاه، ليس كافيا، عن كون الفيلم يسعى إلى عرض حالة من البطولة في فترة الهزيمة، وهي تبرر نقطة الضعف الأكبر في الفيلم، لأنه يُظهر بطولات من غير طائل، كما أنه وبصرف النظر عن رأيها، أرى أن هناك مشكلة عميقة في النص، تظهر أولا في الحوارات التي كتبها “أمير طعيمة”، والتي ظهرت مباشرة، ركيكة، مليئة بمقولة الفيلم نفسه، التي يسعى كاتبها لتلقينها للجمهور، فظهرت الشخصيات تتكلم بلسان الكاتب، وأقرب إلى درس توجيه معنوي مصور منه إلى لغة جنود حقيقية في التدريب والمعركة، كما أن تغيير الهدف من نسف مستودعات العدو، إلى إنقاذ الأسرى قد أصاب الحبكة في مقتل، فهل نجحوا بالمهمة الأولى التي تكفي لوحدها للحبكة على طريقة فيلم “الطريق إلى إيلات”؟، لقد ذهبوا في شيء وعادوا في شيء آخر.
المثير للاستغراب هو إظهار شخصية ضابط صهيوني، كان المستوى الذي ظهر به، هو الأفضل في الأداء، فنراه يقف أمام صورة لـ “جمال عبد الناصر”، ويقول لصاحب الصورة: “لسا عاوز ترمينا في البحر يا جمال”!
المستوى الكارثي للنص جعل هذه الجملة التي قالها الضابط الصهيوني، تتفوق على غيرها، في تأكيد على معاني الهزيمة، من خلال انتصار العدو!
النص الضعيف يؤدي عادة إلى إخراج ضعيف، ولكن ما هو عنصر الإبهار في الفيلم؟ لقد استعان صُناع الفيلم بفريق عمل أميركي لتصميم مشاهد الأكشن والمعارك الحربية، وقد جاءت جيدة في التفجيرات، وبناء المواقع، القفز، الاحتراق، تفجير الدبابات والمروحيات، لكنها أضافت نكبة جديدة إلى نكبات الفيلم؛ لقد ظهر الجنود المصريون يمشون ويركضون ويهاجمون، ويقفون في الارتال، وغيرها من “تفاصيل الأكشن”، على طريقة الجنود الأمريكيين!
أيضا واحدة من أهم المشاكل التي يعاني منها الفيلم، ومن المُستغرب أن تمرّ على مخرج مُحنك مثل “شريف عرفة”، هي المواصفات الشكلية لشخصية البطل، فمواصفات البطل الشكلية في الفيلم، بعيدة ومفارقة لصفات المصريين عموما- بشرة بيضاء، عينين خضراوين، شعر فاتح-وهذه الصفات الشكلية لا تنطبق على عموم المصريين، أو على الصفات الشكلية التي تُعبّر عنهم عموما-البشرة السمراء، العيون السوداء بالبياض المحيط بها، الشعر الأسود المُجعد- وهكذا وجد أغلب المشاهدين من الذين يقومون بشكل لا إرادي بمحاكاة البطل في بطولته، وجدوا أنه ببساطة مختلف عنهم في الشكل، فالبطل اقرب لمواصفات بطل السينما الأمريكية لا السينما المصرية، التي كانت قد تخلت عن إسناد إدوار البطولة للممثلين الوسيمين، ونجحت في أفلامها الاجتماعية عموما، بسحب هذه الصفة كشرط لشخصية البطل، فظهر أبطال ونجوم ليست الوسامة هي جواز عبورهم للنجومية الكاسحة، منهم أحمد زكي، عادل إمام، وآخرين.
المخرج “شريف عرفة” كنا عرفناه بأفلام بديعة من تأليف الكاتب الكبير “وحيد حامد”، مثل “الإرهاب والكباب”، و”النوم في العسل”، وهي أفلام ذات مضمون جيد وطابع كوميدي، ولكنه مع هذه التجربة في أفلام الحرب، لا يبدو على ذلك المستوى الجيد السابق.
يمكن التفاؤل على مضض بأن فيلم “الممر” يُعتبر عودة للاهتمام بأفلام الحروب، وقد يكون البذخ على الفيلم مؤشرا جيدا على نزوع صُناع السينما المصرية، إلى التركيز على النوع الأهم في السينما، نوع “الحروب”.
تمّام علي بركات