تكشّف أركان المؤامرة على سورية
إعداد: سمر سامي السمارة
تكشف البيانات الجديدة أن المرتزقة والعصابات المسلحة التي يقوم مسؤولون أمريكيون سابقون وحاليون بالتخلص منهم في الوقت الحالي، هم أنفسهم الذين دربتهم وسلحتهم وكالة الاستخبارات المركزية والبنتاغون فيما مضى. هذا التقديم مرده إلى اللقطات التي تُظهر الإعدام الميداني الذي نفذه أفراد من مرتزقة “الجيش الوطني” التركي أثناء غزوهم لشمال سورية، والتي أثارت غضب الأمريكيين والمثقفين وكبار الساسة المناهضين للسياسة الأمريكية.
وبحسب صحيفة واشنطن بوست، أدان مسؤول أمريكي المرتزقة الذين وصفهم بأنهم “مجانيين ولا يمكن الثقة بهم”، كما وصفهم مسؤول آخر “بالمجرمين، قطاع طرق وقراصنة يستحقون المحي من على وجه الأرض”. وفي الوقت نفسه، وصفت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون المشهد بأنه “رعب مقزز” ملقية باللوم على الرئيس ترامب في ارتكاب الأعمال الوحشية.
في الحقيقة، لم يتم اختيار المقاتلين الضالعين في الأعمال الوحشية في شمال سورية بصورة اعتباطية فقد كان الكثير منهم عناصر سابقة في ما يسمى “الجيش الحر” ممن سلحتهم وكالة الاستخبارات المركزية والبنتاغون ووصفتهم بـ ” الفصائل المعتدلة”. وبحسب بحث نشره مركز الفكر التركي الموالي للحكومة “سيتا” ، في تشرين الأول الماضي فإن ” الولايات المتحدة كانت تدعم 21 فصيلاً من الفصائل الـ 28 في القوات التركية المرتزقة، ثلاثة منها ضمن ما يسمى برنامج البنتاغون لقتال “داعش”، والثمانية عشر الأخرى تقوم وكالة الاستخبارات المركزية بدعمهم وتزويدهم بالمال وتدريبهم عبر غرفة عمليات “موم” في تركيا، وهي غرفة عمليات استخبارات مشتركة تابعة لمن يسمون أنفسهم بـ “أصدقاء سورية” لدعم المعارضة المسلحة. بالإضافة إلى ذلك زودت الولايات المتحدة أربعة عشر فصيلاً من الـ 28 بصواريخ ” تاو” الموجهة ضد الدبابات.
بعبارة أخرى، فإن الجيش التركي أعاد تشكيل العصابات المسلحة التي تم تسليحها وتزويدها بالمعدات في ظل إدارة أوباما، لتكون بمثابة رأس الحربة لغزوه الوحشي لشمال سورية. وكان قائد هذه القوة “سليم إدريس” الذي يشغل الآن منصب “وزير الدفاع” في ما يُسمى بـ”الحكومة المؤقتة” التي تدعمها تركيا، وهو نفس الشخص الذي استضاف جون ماكين عندما قام السيناتور بتوغله البغيض في سورية عام 2013.
إن الإرهاب والعنف الذي قامت به هذه المجموعة من المتطرفين مؤخراً، هو نفس الرعب والإرهاب الذي فرضته ومارسته بحق كافة السوريين طوال سنوات الحرب، والفارق الوحيد أنها كانت تحظى بمباركة كبار المسؤولين في واشنطن عندما كان هدفها تغيير النظام في دمشق، ولكن الآن بعد أن قامت بقتل وترويع أفراد من قوة تابعة للولايات المتحدة سارع رعاتهم السابقين إلى إدانتهم ووصفهم بـ “قطاع طرق وقراصنة”.
استخدمت تركيا المجموعات الإرهابية ضد “وحدات حماية الشعب الكردية” للمرة الأولى في آذار عام 2018، عندما شنت هجوماً على مدينة عفرين شمال سورية خلال عملية ما يسمى “غصن الزيتون”، وشهدت تلك الهجمات الشرسة ارتكاب أفظع الجرائم من قبل رجال العصابات في “الجيش الحر” الذي كانت تسميهم الولايات المتحدة بـ “الفصائل المعتدلة ” وتقوم وكالة الاستخبارات المركزية بتسليحهم وتمويلهم.
في ذلك الوقت كانت منظمة “الخوذ البيضاء”، التي تدعي أنها جماعة الدفاع المدني المفترضة والتي تم ترشيحها لجائزة نوبل وتحتفل بها وسائل الإعلام الغربية بوصف العاملين فيها كمنقذين للأرواح وتمولها الحكومتان الأمريكية والبريطانية، كانت متواجدة في عفرين ولكن أفرادها كانوا يقدمون المساعدة للإرهابيين والمتطرفين، وكانوا يعملون كوكلاء للأتراك.
وفي تشرين الأول هذا العام، عندما عاد هؤلاء المتطرفون المدعومون من تركيا إلى شمال سورية، ارتكبوا أفظع الجرائم. فقد قامت ميليشيات ما يُسمى “بالجيش الوطني ” المدعوم تركياً بسحب الأمينة العامة لحزب “سورية المستقبل” هفرين خلف من سيارتها وتم إعدامها مع سائقها. كما واصلت عصابات المرتزقة تحرير أسرى “داعش” عمداً من السجون غير الخاضعة للحراسة، وإطلاق سراح المئات من رفقائهم الأيديولوجيين إلى ساحة المعركة.
وفي الفيديو الذي نشر مؤخراً، أظهرت هذه اللقطات المثيرة للصدمة والهلع المرتزقة وهم يقطعون رؤوس ضحاياهم. ومن المعروف أن ميليشا “نور الدين الزنكي” ، وهي إحدى المليشيات الإرهابية التي تشارك في الغزو التركي والتي كانت وكالة الاستخبارات المركزية تدعمها سابقاً قامت بموجة مروعة من عمليات التعذيب والقتل بالمدن السورية منذ عام 2012. والواقع أنه لم يكن بمقدور هؤلاء المرتزقة ارتكاب كل تلك الجرائم لو لم تنفق واشنطن مليارات الدولارات لدعمهم وتسليحهم.
المروجون لـ “الفصائل المعتدلة”
أدانت هيلاري كلينتون بشدة الجيش التركي ووكلاءه بسبب الممارسات الوحشية التي انتهجها أثناء غزوه لشمال سورية في شهر تشرين الأول، وهي التي توجهت إلى اسطنبول لحشد الدعم والتأييد لتلك الميليشيات بعينها خلال مؤتمر ما يسمى “أصدقاء سورية” الذي عقده رئيس النظام التركي رجب أردوغان عندما كانت وزيرة للخارجية في عام 2012.
وعلقت لاحقاً، “سيكون هؤلاء الرجال الأشداء الذين تعودوا على حمل السلاح هم الممثلون المحتملون في أي انتقال سياسي، وليس أولئك الذين يتحدثون في الخارج. وبالتالي، كنا بحاجة لمعرفة الطريقة التي تمكننا من دعمهم على الأرض، وتجهيزهم بشكل أفضل” . أحد هؤلاء “الرجال الأشداء” هو سليم إدريس “وزير الدفاع” في ما يسمى “الحكومة المؤقتة” غير الموجودة في سورية والزعيم الفعلي للمرتزقة التي أرسلتها تركيا إلى شمال سورية.
وبالعودة إلى عام 2013 ، كان إدريس ممن احتفت بهم واشنطن مبشرة به قائداً مستقبلياً لسورية. وعندما قام السناتور جون ماكين في وقت لاحق بزيارة مفاجئة إلى الحدود التركية السورية في أيار 2013، للمطالبة بتدخل عسكري أمريكي، استقبله إدريس، قائد ما يسمى “الجيش الحر” آنذاك، الذي كان مدعوماً من الولايات المتحدة بحفاوة.
وبحسب تصريح إدريس لـ جوش روجين، المراسل الذي يؤيد المحافظين الجدد بتغيير النظام في سورية، “ما نريده من الحكومة الأمريكية هو اتخاذ قرار بدعم “الثورة السورية” بالأسلحة والذخيرة والصواريخ المضادة للدبابات. صحيح أن إدريس وحلفاءه لم يحصلوا على التدخل الشامل الذي طلبوه من إدارة أوباما، إلا أنهم تلقوا شحنات من الأسلحة الثقيلة، بما في ذلك مئات صواريخ “التاو” المضادة للدبابات.
كما روجت وسائل الإعلام الغربية لهم عبر مراسليها، فكانت كلاريسا وارد مراسلة الـ “سي إن إن” من المروجين المتحمسين بشكل خاص لما يسمى “الجيش الحر”، وقد اندمجت مع مقاتليه، وصورتهم كمقاومة بطولية باسلة. ، وكان داني غولد من بين أسراب المراسلين الغربيين الذين انضموا إلى المسلحين في أوج الحرب. وفي عام 2013 أمضى داني غولد وقته مع مجموعة من المتطرفين الساعيين لتغير النظام عبر الانترنت المطالبين بالتدخل الأمريكي في البلاد وتشويه سمعة أي شخص لم يوافق على ذلك بشراسة. وعندما بدأ الغزو التركي لشمال سورية ، أفاد غولد أن عناصر من ما يسمى “الجيش الحر” الذي انخرط فيه عام 2013 يشاركون في الهجوم الوحشي شمال سورية.
عانى غولد كما هيلاري كلينتون وبقية الداعمين السابقين للمتطرفين بشكل واضح من حالة النشاز الإدراكي، فلم يعد أحد قادرا على تحمل مسؤولية الترويج لهؤلاء المتطرفين وهم يجتاحون بوحشية المدن السورية منذ سنوات، أو تشويه أي شخص يعارض بقوة أجندة تغيير النظام.
لذلك يأمل الخبراء والسياسيون الغربيون أن لا يلاحظ أحد أنهم قضوا السنوات الماضية يحتفلون بهؤلاء الإرهابيين، وقد يبدؤون بالتستر، ليس فقط من الانتكاسة التي تتوالى فصولها في شمال سورية، ولكن من قيود سجلاتهم الخاصة، خاصةً أن
هذه المجموعة من المتطفلين التي فرضت على الرأي العام أصبحت الآن مكشوفة تماماً، وأن الغرب كان يروج لجماعات من أكثر المتطرفين على هذا الكوكب