اللجنة الدستورية.. و”المعارضة” في آخر صرعاتها!
رغم أجواء التشجيع الأممي التي رافقت انطلاق عمل اللجنة الدستورية في جنيف يوم أمس، إلا أن ما يسمى “معارضة سورية” في الخارج – لا تعرف في العمل السياسي إلا الندب واللطم واستدعاء الأجنبي والاستقواء بالمستعمرين – لم تجد أفضل من التعبير عن الإحباط والتشاؤم من لجنة “عبثية” تشكّلت “تحت الضغوط الميدانية”، وفي خضم صراع “صراع بات محسوماً من هو المنتصر فيه”، لا بل تفتّقت النظرة الفوقية و”التشاوفية” – والكارهة، بالوراثة، للشعب السوري – لدى بعض المعارضين عن السخرية من أي استفتاء على تعديلات دستورية محتملة، أو على أي مسودة دستور جديد، انطلاقاً من أن الشعب السوري لا يملك الجدارة والأهلية التي تمكّنه من التعبير عن رأيه بمعزل عن وصاية “الأساتذة” في عواصم الغرب والخليج!.
ليست هذه النظرة التشاؤمية بالجديدة، ولا هي غير معهودة على الأقل، فـ “المعارضة” السورية – كما شاءت الاحتفاء بنفسها من خلال هذا الوصف – ومعها ما يسمّى “وفودها”، و”ممثليها”، إنما تتمثّل في تصريحاتها ومواقفها حقيقة تصريحات ومواقف “أربابها” في الرياض والدوحة وإسطنبول ولندن وبرلين وباريس، وفي آخر الدهليز مواقف “رب أربابها” في البيت الأبيض الأمريكي، فهي لم تكن سيدة نفسها يوماً ما، ولم تدرك يوماً ما معنى أن تكون سيّدة، وهي إن كانت تشارك في أعمال اللجنة الدستورية فلأن “الأرباب” لا يرون في هذه اللجنة إلا “بوابة” متاحة قد يمكن النفاذ منها للتعويض عن الهزيمة العسكرية، وإلا فالرهان على إطالة أمد الأزمة، والتعطيل.. والتعطيل، بانتظار “المعجزة” التي ستهيئ لهم الظروف المناسبة للعب أي دور سياسي في مستقبل الشعب العربي السوري.
“جحافل” المعارضين السوريين – الموزعين بانتقائية فائقة على قوائم الدعم المالي الخليجي والغربي – هم أساساً قدامى “العملاء” الذين “اشتغلوا” منذ ثمانينيات القرن الماضي لحساب الاستخبارات الفرنسية والأمريكية على الأخص، والذين امتطوا، في شيخوختهم، صهوة الثورات الملوّنة مطالبين بـ “التغيير”.. ولكن بعد أن أنجزوا، بكامل “مرونتهم” الإيديولوجية، “مهمة” الانقلاب من الإرهاب الأحمر الماركسي إلى التكفير الأسود الداعشي، في تحالفات تعيد تشكيل نفسها بين مرحلة وأخرى، وبشكل دوري، مع الإبقاء على الداعم التاريخي ممثلاً بالاستخبارات الأمريكية على طول الخط.
والحقيقة، التي يجب أن تقال، إن هذه المعارضة ليست لا تمثّل الشعب السوري وحسب، بل وهي غير جديرة بأن تمثّل أي سوري، حتى ولو كان معارضاً في الصميم، وهي إن كانت موجودة اليوم في لجنة دستورية فلأن مصالح الطامعين والمستعمرين الجدد والحاقدين على سورية والسوريين، تقتضي ذلك، تماماً كما اقتضت مصالح هؤلاء تجنيد بعض “السوريين” كمرتزقة وقتلة مأجورين، لبعض الوقت، في إطار أجندات مشبوهة أساسها استرخاص حياة السوريين، والغرض النهائي منها هو تفتيت الوطن السوري.
ما هو النص الدستوري، أو التعديلات الدستورية، التي تتطلع “المعارضة” المزعومة لـ “فرضها” بعد تسع سنوات من انتهاج التدمير والتخريب والتهجير والقتل المنهجي؟ هل يمكن أن يكون توافق السوريين معلّقاً – مثلاً – على الأنموذج الأردوغاني في ممارسة السلطة وقيادة الحكم؟ هل هي شريعة آل سعود؟ ولماذا هذا الرفض لدستور يعترف بالحريات والحقوق الأساسية ويقوم على أساس الممارسة الديموقراطية، والمساواة أمام القانون بعيداً عن العرق والدين؟ وهل يريدون إعادة سورية إلى العصور الوسطى، أم الإلقاء بها، في مجاهيل العدمية واللا انتماء، لقمة سائغة للغرب الاستعماري؟!
حتى اليوم، وبعد كل هذا التيه، لا تعرف “المعارضة” من المعارضة إلا الانضواء تحت أمرة الأجنبي.. لقد حملت السلاح، وأزهقت الأرواح، ونهبت ودمّرت وسرقت وأحرقت وخرّبت، وشرّدت الملايين، وضحّت بمستقبل جيل واحد من السوريين على الأقل، لشيء واحد فقط هو خدمة الأجنبي، وهي اليوم في جنيف استمراراً لهذه المهمة، وليس غير، فإن لم تستطع – ولن تستطيع – فسوف نكون أمام سيناريو جديد وطويل من الخداع والتضليل والانسحاب والعودة المستمرين.
“أحرار” المعارضة يتأبطون “دستوراً” حمّلهم إياه سادتهم وأولياء نعمتهم.. تلك كانت آخر صرعاتهم مساء أمس.. يا للغد المشرق الذي يعدون به السوريين؟!
بسام هاشم