أكد في مقابلة مع قناتي السورية والإخبارية السورية أن الوضع المعيشي لن يتحسّن إن لم نتحرّك كدولة ومجتمع الرئيس الأسد: عندما لا يخرج المحتل التركي فلن يكون هناك خيار سوى الحرب الإعلام أهم أداة في مكافحة الفساد.. ومن الضروري أن يقود عملية الحوار لإصلاح القوانين
كل ما ينتج عن لجنة مناقشة الدستور ويتوافق مع المصلحة الوطنية
سنوافق عليه.. وإذا كان أي بند يتعارض مع مصلحة الوطن فسنقف ضده
دخول الجيش السوري إلى منطقة الجزيرة سيتم بالتزامن مع دخول الخدمات كاملة وعودة سلطة الدولة تدريجياً
معظم الأكراد على علاقة جيدة مع الدولة السورية.. ودائماً يتواصلون معنا ويطرحون أفكاراً وطنية حقيقية
كل من يقاتل في إدلب هم جيش تركي ولو كان اسمهم “قاعدة وأحرار شام”
وما يحصل في منطقة الجزيرة لا يلهينا عن أهمية المعركة الشاملة
لدينا أدوات عديدة لتحسين الوضع الاقتصادي وتخفيف الاعتماد
على الدولار.. والحل بتسريع خدمات الدولة وبتسهيلات لدفع المشاريع
أكد السيد الرئيس بشار الأسد أن سورية لم تقدّم أي تنازلات فيما يتعلق بتشكيل لجنة مناقشة الدستور، وما يهمنا أن أي شيء ينتج عن لقاءاتها، ويتوافق مع المصلحة الوطنية، حتى لو كان دستوراً جديداً، سنوافق عليه، وإذا كان تعديلاً للدستور، ولو بنداً واحداً، ويتعارض مع مصلحة الوطن، فسنقف ضده ولن نسير به، وأشار، في مقابلة مع قناتي السورية والإخبارية السورية، إلى أن الإعلام أهم أداة في مكافحة الفساد، ومن الضروري أن يقود عملية الحوار لإصلاح القوانين.
وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:
المذيعة: مرحباً بكم مشاهدينا في هذا الحوار الخاص مع سيادة رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الأسد، شكراً للاستضافة سيادة الرئيس، علماً بأن آخر حوار لسيادتكم مع الإعلام السوري كان منذ سنوات. لذلك لدينا الكثير من الأسئلة سنبدؤها بالسياسي ومن ثم ننتقل إلى الوضع الداخلي السوري.
الرئيس الأسد: أهلاً وسهلاً بكِ، ولنتحدث كما هي العادة بصراحة كاملة..
المذيع: تحية طيبة مشاهدينا.. وتحية لكم سيادة الرئيس.. وشكراً على هذه الاستضافة، الملفات السياسية ضاغطة قليلاً.. سوف نبدأ بالسياسي سيادة الرئيس.. الولايات المتحدة أعلنت قبل أيام عن مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي، وشكرت كلاً من روسيا، سورية، العراق، الأتراك، والأكراد للمساعدة في عملية قتل البغدادي.. شَكَر ترامب سورية سيادة الرئيس ولم نسمع تعليقاً من دمشق.. ما تعليقكم على شكر ترامب لسورية؟ هل ساهمت سورية فعلاً بهذه العملية؟.
الرئيس الأسد: على الإطلاق. لم نسمع بهذا الموضوع سوى من الإعلام، ربما يكون الهدف من وضع عدد من الدول والجهات المساهمة في هذه العملية إعطاءها المصداقية، وبالتالي ستشعر هذه الدول بأنها ليست محرجة، ولكن لديها رغبة أن تكون جزءاً من عملية “عظيمة” -كما حاولوا تصويرها- وبالتالي سيُعطى لها نوع من الرصيد لنقل، بمكافحة الإرهاب. نحن لسنا بحاجة لهذا الرصيد. نحن من يكافح الإرهاب. لم يكن لنا أية علاقة.. لا يوجد أي تواصل بيننا وبين أية مؤسسة من المؤسسات الأمريكية، والأهم من كل ذلك لا نعرف إذا كانت العملية حصلت حقاً أم لا.. فلم يكن هناك طائرات على الرادارات، لماذا لم تُعرض جثة البغدادي؟! كما يقولون بقايا.. هذا نفس سيناريو ابن لادن. بالمقابل إذا كانوا سيستخدمون حججاً مختلفة لعدم إظهارها.. سنعود لعملية القبض على الرئيس صدام حسين عندما عرضوها من الألف إلى الياء، ووضعوا صوراً وفيديوهات له بعد عملية القبض عليه، وعندما قاموا بقتل أبنائه بعد عدة أشهر عرضوا الجثث كما هي. لماذا قاموا بإخفاء كل شيء عن عملية ابن لادن واليوم عن عملية أبو بكر البغدادي؟ هذا جزء من الخدع الأمريكية. علينا ألّا نصدّق كل ما يقولونه إلّا إذا أتوا بالدليل.. السياسي الأمريكي متهم حتى يثبت العكس، وليس بريئاً حتى يثبت العكس.
سيادة الرئيس، عملياً إن كان فعلاً قُتل البغدادي، هل يعني هذا نهاية تنظيمه؟ أم أن هناك كالعادة قادة جدداً، تنظيمات جديدة يجري إعدادها عندما تحترق أوراق من سبقها؟
الرئيس الأسد: أولاً البغدادي يمثّل “داعش”، و”داعش” تمثّل فكراً هو الفكر الوهابي المتطرّف، وهذا الفكر عمره الآن أكثر من قرنين من الزمن. طالما أن هذا الفكر لم ينته ولم يتراجع، فهذا يعني أنه لن يكون هناك تأثير لموت البغدادي -أو حتى لموت “داعش” كلها- على هذا الفكر المتطرّف. هذا بالنسبة للفكر، أما بالنسبة للبغدادي كشخص فمن المعروف أنه كان بالسجون الأمريكية في العراق، وهم أخرجوه لكي يلعب هذا الدور، فهو مجرد شخص يُبدّل ويُستبدل بأي لحظة وبأي وقت، هل يا ترى هو فعلاً قُتل؟ هل يا ترى قُتل، ولكن بطريقة مختلفة، طريقة عادية جداً؟ أو أنه اختطف؟ أو انه أُخفي؟ أو أنه استُبدل بعملية تجميل؟ الله أعلم! السياسة الأمريكية لا تختلف عن هوليوود.. هي تعتمد على الخيال، خيال ليس علمياً، مجرد خيال. تستطيعين أن تذهبي بالسياسة الأمريكية وترينها الآن في هوليوود، وتستطيعين أن تأتي بهوليوود إلى السياسة الأمريكية.. أعتقد أن كل ما يتعلق بهذا الموضوع هو خدعة، سيُعاد إنتاج البغدادي باسم آخر، وبشخص آخر، وربما يُعاد إنتاج “داعش” كلها، حسب الحاجة، تحت عنوان آخر، ولكن يبقى الفكر نفسه والاستخدام نفسه والمدير هو الأمريكي نفسه.
سؤال: أثيرت تساؤلات في الشارع حول الاتفاق الروسي – التركي، خاصة البند المتعلق بالحفاظ على الوضع الراهن في منطقة العدوان التركي، تل أبيض ورأس العين بعمق 32 كيلومتراً. ما فهمه البعض أنه شرعنة للاحتلال التركي، خاصة أن الاتفاق لم يتطرّق لأي دور لسورية، ضمن هذه المناطق التي تمّ الحديث عنها.. ما ردكم على ذلك؟
الرئيس الأسد: أولاً المبادئ الروسية واضحة خلال هذه الحرب -قبل أن يكون هناك قاعدة روسية تدعم الجيش السوري في عام 2015- تستند إلى القانون الدولي، إلى سيادة سورية، إلى وحدة الأراضي السورية، هذا الموضوع لم يتغيّر لا قبل ولا بعد ولا بتغيّر الظروف، ولكن السياسة الروسية تعتمد على التعامل مع الأمر الواقع.. فهذا الأمر الواقع حقق شيئين: أولاً سحب المجموعات المسلحة من الشمال إلى الجنوب، بالتنسيق مع الجيش السوري، وبالمقابل صعود الجيش السوري شمالاً إلى المنطقة التي لا يحتلها التركي، وهذا -بحد ذاته أو كلا الأمرين- أمر إيجابي لا يُلغي سلبية الوجود التركي، ريثما يتم إخراج التركي بطريقة أو بأخرى. فهذا الاتفاق هو اتفاق مؤقّت ليس دائماً. ولنأخذ مثالاً مناطق خفض التصعيد في مرحلة من المراحل.. اعتقد البعض بأنها دائمة، وأنها ستُبقي الحق للإرهابيين بالوجود في مناطقهم إلى مالا نهاية. لا.. الحقيقة كانت فرصة تحمي المدنيين من جانب، وتُوجد فرصة للتحاور مع الإرهابيين من أجل إخراجهم لاحقاً، فعلينا أن نفرّق بين الأهداف النهائية أو الاستراتيجية، وبين التكتيك. بالمدى المنظور هو اتفاق جيد، هذا من جانب.. دعني أوضّح لماذا جيد، وهو الجانب الآخر، أولاً دخول التركي بغض النظر عن أنه يعبّر عن مطامع تركيا السيئة، فهو أيضاً يعبّر عن رغبة أمريكية.. التركي لديه مطامع، والعلاقة الروسية -انطلاقاً من المبادئ، وانطلاقاً من المصالح الروسية- هي علاقة جيدة لأنها تلجم الأطماع التركية.. هذا من جانب، من جانب آخر تقطع الطريق على اللعبة الأمريكية المطلوبة في الشمال. ولأوضّح هذا الموضوع.. المقترح الألماني الأخير الذي تمّ تأييده مباشرة من قبل الناتو -والألماني لن يصرّح إلا باسم أمريكا، والناتو هو أمريكا- تحدّث عن إعادة الأمن لهذه المنطقة برعاية دولية، أي إنه أيضاً تكريسٌ لخروج هذه المنطقة من تحت سيطرة الدولة السورية، وتكريس التقسيم. فإذاً الروسي بهذا الاتفاق لجم التركي، وقطع الطريق على الأمريكي، وعلى دعوة التدويل التي طرحها الألماني. لذلك نحن نقول: إن هذا الاتفاق هو خطوة إيجابية لا تحقق كل شيء، بمعنى أنه دخل التركي وفجأة خرج التركي، ولكنها تخفف الأضرار، وتهيئ الطريق لتحرير هذه المنطقة في القريب، الذي نتمنى أن يكون قريباً.. عاجلاً..
مداخلة: إن شاء الله
سؤال: بما أنكم سيادة الرئيس قد وصفتم الاتفاق بالمؤقّت، وتركيا كما عرفناها لا تلتزم بالاتفاقات.. لا تلتزم بأي شيء. بناءً على ذلك، السؤال: ماذا لو بقيت تركيا تحتل المناطق التي سيطرت عليها خلال العدوان الأخير؟ أنتم ذكرتم مراراً أن الدولة السورية ستستخدم كل الوسائل للدفاع عن نفسها، عملياً ألم يمنع الاتفاق الروسي التركي قدرة استخدام هذه الوسائل؟
الرئيس الأسد: لنأخذ مثالاً آخر وهو إدلب، هناك اتفاق من خلال أستانا بأن يخرج التركي، ولم يلب، ولكننا نقوم بتحرير إدلب.. كان هناك تأخير لمدة عام أعطيت العملية السياسية والحوارات السياسية والمحاولات المختلفة لإخراج الإرهابيين كل شيء.. استنفدت كل الفرص، وبالنهاية قمنا بالتحرير -طبعاً التدريجي- من خلال عملية عسكرية. نفس الشيء سيحصل في المنطقة الشمالية، بعد أن تُستنفد كل الفرص السياسية، مع الأخذ بالاعتبار بأن أردوغان كان يهدف من بدايات الحرب لخلق مشكلة بين الشعب السوري والشعب التركي، كي يكون الشعب التركي شعباً عدواً، وهذا يحصل من خلال صدام عسكري، لأن الجيش التركي كان في بدايات الحرب مع الجيش السوري، وكان يتعاون معنا إلى أقصى الحدود، إلى أن قام أردوغان بالانقلاب عليه، لذلك يمكن العمل بهذا الاتجاه مع الحرص على ألا تكون تركيا دولة عدوة، الآن أردوغان ومجموعته أعداء، لأنه هو يقود هذه السياسات، ولكن حتى الآن القوى السياسية في تركيا بمعظمها هي ضد سياسات أردوغان، فعلينا أن نكون حريصين على ألّا نحوّل تركيا إلى عدو، وهنا يأتي دور الأصدقاء، الدور الروسي والدور الإيراني.
سؤال: إذا سمحتم لي استكمالاً للفكرة سيادة الرئيس، الإجراءات التي قام بها التركي في الفترة الماضية وأردوغان تحديداً، التتريك، بناء الجامعات، فرض لغات معينة، هذه إجراءات لمن لا يفكر بالخروج. بما أن سيادتكم تحدثتم عن أنه سيخرج عاجلاً أم آجلاً، ماذا عن هذه الإجراءات؟
الرئيس الأسد: تماماً، لو كان يفكر بالخروج لكان خرج من إدلب، طبعاً قد تقولين لا يوجد جيش تركي بمعنى الجيش في إدلب، لكن الساحة السورية هي ساحة واحدة ومسرح عمليات واحد، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال. التركي هو وكيل الأمريكي لهذه الحرب، وفي كل مكان حاربنا كنا نحارب الوكيل التركي، فعندما لا يخرج بكل الوسائل فلن يكون هناك خيار سوى الحرب. هذا شيء بديهي، ولكن أنا أقول بالمدى المنظور: علينا أن نترك المجال للعملية السياسية بأشكالها المختلفة، إن لم تعط نتائج، فهذا عدو، سنذهب إلى الحرب.. لا يوجد خيار آخر.
سؤال: رغم ذلك قال البعض: إن الانسحاب الأمريكي من الشمال السوري، وبدء العدوان بعد ذلك، ومن ثم الاتفاق الروسي-التركي، كل ذلك جاء في سياق اتفاق أمريكي -روسي-تركي، ما قولكم؟
الرئيس الأسد: هذا الكلام أريد منه إظهار الروسي بأنه كان راضياً عن الدخول التركي، أو أنه يريد أن يغضّ النظر، الحقيقة لا. هو كان قلقاً منذ أكثر من عام من جدية هذا الطرح، وكلنا كان يعلم بأن الطرح التركي جدي، ولكنه كان ملجوماً بحكم الأوامر أو الرغبة الأمريكية، وربما يأخذ البعض على الروسي المأخذ الذي أدى إلى هذه النتيجة، وهو موقفهم بالأمم المتحدة. كما قلت قبل قليل الروسي يتعامل مع الوقائع، وبالتالي يحاول أن يهيئ كل الظروف السياسية من أجل تمهيد الطريق للخروج من سورية، ولجم الأضرار التركية أو الجموح التركي باتجاه تحقيق المزيد من الضرر عبر احتلال المزيد من الأراضي، لكن بكل تأكيد الروسي لم يكن جزءاً من هذا الاتفاق. الاتفاقات الروسية دائماً معلنة، الاتفاق بينه وبين تركيا أعلن مباشرة بالإعلام بكل بنوده، والاتفاق بيننا وبين الأكراد بوساطة روسية وبدعم روسي، كان أيضاً معلناً منذ اللحظة الأولى.. لا توجد أشياء مخفيّة في السياسة الروسية، وهذا شيء مريح جداً بالنسبة لنا.
سؤال: لكن اللقاءات الأمريكية – التركية غير معلنة، قلتم كثيراً: إن المنطقة العازلة كانت الهدف الأول لأردوغان منذ اليوم الأول للحرب على سورية. الرئيس أوباما كان يرفض هذه المنطقة العازلة، اليوم نشهد ربما إجراءات، هل هذا يعني أن أوباما أفضل من ترامب؟
الرئيس الأسد: علينا ألا نراهن على أي رئيس أمريكي. أولاً بالنسبة لأردوغان أن يتحدّث بأننا قررنا أن ندخل وأبلغنا الأمريكيين، أي يحاول الظهور بمظهر الدولة العظمى، أو صاحب القرار، هذه كلها مسرحية بينه وبين الأمريكيين. في البداية لم يُسمح لأي جهة بالتدخل لأنهم كانوا يعتبرون، أي الأمريكيين والغرب، بأن المظاهرات سوف تنتشر وستحسم الموضوع. لم تحسم الموضوع.. لم تتوسّع كما يريدون، فانتقلوا للسلاح، لم يحسم السلاح الموضوع، انتقلوا للمجموعات المتطرّفة الإرهابية بعقيدتها المجنونة التي ستحسم عسكرياً هذا الموضوع، ولم تتمكّن. هنا كان دور “داعش” في صيف 2014، لكي تشتت جهود الجيش العربي السوري، وتمكّنت من تشتيت قواتنا العسكرية. هنا كان الدخول الروسي. عندما فشلت كل الرهانات على الساحة الميدانية، كان لابد من الدخول التركي لقلب الطاولة، هذا هو دوره.
أما بالنسبة لترامب، فقد تسألني سؤالاً وأعطيك جواباً قد يبدو غريباً، أقول لك هو أفضل رئيس أمريكي، لماذا؟ ليس لأن سياساته جيدة، ولكن لأنه الرئيس الأكثر شفافية. كل الرؤساء الأمريكيين يرتكبون كل الموبقات السياسية وكل الجرائم، ويأخذون جائزة نوبل، ويظهرون بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان، وعن القيم الأمريكية الراقية والفريدة، والقيم الغربية بشكل عام، ولكنهم عبارة عن مجموعة من المجرمين الذين يمثلون ويعبّرون عن مصالح اللوبيات الأمريكية، وهي الشركات الكبرى، السلاح والنفط وغيرها.
ترامب يتحدّث بكل شفافية. يقول: نحن نريد النفط. هذه حقيقة السياسة الأمريكية -على الأقل ما بعد الحرب العالمية الثانية.. نحن نريد أن نتخلّص من فلان.. نحن نريد أن نقدّم خدمة مقابل مال.. هذه هي حقيقة السياسة الأمريكية. ماذا نريد أفضل من خصم شفاف؟ فلذلك لا، الفرق شكلي، الحقيقة واحدة.
سؤال: قائد ميليشيا “قسد” مظلوم عبدي، كانت له تصريحات صحفية تحدّث فيها بأن ترامب وعدهم قبل الانسحاب بالتواصل مع الروس لإيجاد حل للقضية الكردية، عبر الاتفاق بين كل من الروس والدولة السورية لإعطاء الكرد فرصة للدفاع عن أنفسهم، هل فعلاً حصل هذا الاتفاق سيادة الرئيس؟ وما مصير المناطق غير الحدودية في منطقة الجزيرة السورية، المناطق التي كانت تحت سيطرة ميليشيات مسلحة تحت مسمى “قسد”؟ هل هذه المناطق عملياً سُلّمت للدولة السورية، وإن كانت سُلمت بأي شكل؟ هو فقط عسكرياً؟ أم أن عودة مؤسسات الدولة السورية إلى هذه المناطق حصلت؟
الرئيس الأسد (مداخلة): تقصدين اتفاقاً أمريكياً كردياً؟
تتمة السؤال: الأمريكي وعد الأكراد بأنه سيحل قضيتهم عبر التأثير على الروسي ليتفاهم مع الدولة السورية حتى يعطيهم فرصة ليدافعوا عن أنفسهم.
الرئيس الأسد: كل ما يقوله الأمريكي -بغض النظر عن حقيقة الاتصال أم لا- كما قلت قبل قليل، كل ما يقوله ليس له مصداقية، سواء قاله لعدو أو لصديق، النتيجة واحدة، لا يعوّل عليه. لذلك لا نضيّع وقتنا بهذه النقطة، الاتفاق الروسي الوحيد مع الأكراد هو ما تحدّثنا عنه عن دور روسي في الاتفاق بين الجيش العربي السوري والأكراد -أو مع المجموعات الكردية التي تسمي نفسها “قسد” لكي لا نقول الأكراد- من أجل دخول الجيش السوري. طبعاً لا يمكن أن يدخل الجيش السوري فقط من أجل القيام بعمل أمني عسكري بحت، دخول الجيش السوري هو تعبير عن دخول الدولة، ودخول الدولة يعني الدخول بكل الخدمات التي يجب أن تقدّمها الدولة، هذا الاتفاق حصل.. وصلنا لأغلب المناطق، ولكن ليس بشكل كامل، مازالت هناك عقبات تظهر. نتدخّل لأنه لدينا علاقات مباشرة وقديمة مع هذه المجموعات من قبل الدخول التركي. تحصل استجابة أحياناً، لا تحصل استجابة في مكان آخر، ولكن بكل تأكيد سيتم الدخول السوري أو دخول الجيش العربي السوري بالتزامن مع دخول الخدمات كاملة، أي عودة سلطة الدولة كاملة.
أعود وأقول: أولاً، هذا شيء يحصل تدريجياً، ثانياً، نحن لا نعيد السلطة كما كانت سابقاً بشكل مباشر. هناك حقائق على الأرض، بحاجة لمعالجة تأخذ زمناً، هناك حقائق شعبية استجدت خلال غياب الدولة، هناك مجموعات مسلحة، لا يمكن أن ننتظر منها تسليم السلاح مباشرة. لن نطلب منهم هذا الشيء، فنحن أيضاً يجب أن تكون سياستنا تدريجية وعقلانية، وتأخذ بالاعتبار الوقائع، لكن الهدف النهائي هو العودة إلى الوضع السابق، وهو سيطرة الدولة كاملة.
سؤال: بعد كل ما حصل، أي قاموا باستهداف الدولة السورية، ومواطنيها، واستهداف الجيش العربي السوري، وأيضاً كل سنوات الحرب كان دورهم سيّئاً، والارتهان الواضح للأمريكي، بعد كل هذا سيادة الرئيس، هل نحن كسوريين قادرون أن نعود للعيش مع الأكراد معاً؟
الرئيس الأسد: لكي نكون دقيقين، هذا الموضوع يُطرح بشكل مستمر، ويُطرح أحياناً بالجلسات الخاصة الكلام نفسه، وأنا أعرف أنكم تنقلون دائماً ما يُطرح بغض النظر أحياناً عن القناعات الشخصية، ما حصل هو تشويه للمفاهيم خلال هذه الحرب.. أن نقول بأن هذه الشريحة تتصف بهذه الصفة سلبية أو إيجابية، هو كلام غير موضوعي وغير عقلاني، وأيضاً غير وطني. كان هناك من الأكراد أشخاص أخذوا موقع العميل والمرتهن للأمريكي صحيح، ولكن أيضاً كان لدى العرب حالات مشابهة، في منطقة الجزيرة وفي باقي المناطق في سورية، وهذا ينطبق ربما على معظم الشرائح في سورية، فالخطأ الذي حصل هو أن مجموعة من الأكراد الذين قاموا بهذا العمل، وضعوا أنفسهم نواباً ليس فقط عن الأكراد، وإنما عن العرب أيضاً، وعن كل الشرائح المختلفة الموجودة في منطقة الجزيرة، وأتى الأمريكي من خلال دعم السلاح ودعم الأموال.. طبعاً ليس من الأمريكي، بل من بعض دول الخليج العربية، ليكرّس سلطة هؤلاء على كل الشرائح، فأصبحنا نعتقد بأن كل من هو موجود هناك هو من الأكراد. لا، علينا أن نقول: إن التعامل الآن هو مع هذه الأحزاب، أما الأكراد فمعظمهم كانوا دائماً على علاقة جيدة مع الدولة السورية، وكانوا دائماً يتواصلون معنا، ويطرحون أفكاراً وطنية حقيقية، وفي بعض المناطق، التي دخلنا إليها، كان رد فعل الأكراد لا يقل إيجابية وفرحاً وسعادة عن باقي الشرائح. فهذا التقييم غير دقيق، نعم بكل بساطة نستطيع أن نعيش مرة أخرى، وإذا كان الجواب لا، فهذا يعني أن سورية لن تكون مستقرة في يوم من الأيام.
سؤال: لكن ما هي المشكلة مع الأكراد سيادة الرئيس حتى قبل الحرب؟ أين تكمن المشكلة معهم؟
الرئيس الأسد: هذه المجموعات منذ عقود، مع أننا وقفنا معها، وكدنا ندفع الثمن في عام 1998 بصدام عسكري مع تركيا بسببها، ولكننا كنا نقف معهم انطلاقاً من الحقوق الثقافية لهذه المجموعات، أو لهذه الشريحة. بماذا تتهم الدولة السورية؟ تتهم الدولة السورية بأنها شوفينية، وتتهم أحياناً حزب البعث بأنه حزب شوفيني، مع أن موضوع الإحصاء الذي تمّ في عام 1962 لم يكن حزب البعث حينها موجوداً في السلطة، ونتهم بأننا نحرم هذه الشريحة من حقوق ثقافية. دعنا نفترض بأن هذا صحيح، هل يمكن أن أكون أنا كشخص منفتحاً ومنغلقاً بالوقت نفسه؟ لا يمكن. هل يمكن أن تكون الدولة متسامحة أو منفتحة بالوقت نفسه، ومنغلقة أو غير متسامحة أو غير منفتحة بوقت واحد؟ هذا الكلام غير ممكن. لنأخذ مثالاً من هي آخر شريحة انضمت للنسيج السوري؟ هي الأرمن. الأرمن كانت أولاً شريحة وطنية بامتياز، هذا موضوع أثبتته الحرب بشكل قاطع، وبنفس الوقت هذه الشريحة لديها جمعيات خاصة.. لديها كنائس خاصة، والأكثر حساسية أن لديها مدارس خاصة.. وإذا حضرت أي احتفال أرمني، عرساً أو غير عرس -وأنا لدي أصدقاء أرمن وكنت أحضر احتفالاتهم في مراحل سابقة- ستجدهم يغنون أغانيهم التراثية، ولكن بعدها يغنون الأغاني الوطنية ذات البعد السياسي. هل هناك حرية أكثر من ذلك؟! وهذه الشريحة هي أقل شريحة من أرمن العالم ذابت في المجتمع، هي اندمجت، ولكنها لم تذب حافظت على كل خصائصها. لماذا نكون منفتحين هنا وغير منفتحين هناك؟ لأن هناك طروحات انفصالية، هناك خرائط تسوّق بأن هذه “كردستان سورية”، وهي جزء من كردستان الكبرى. هذا حقنا، من حقنا أن ندافع عن وحدة أراضينا وأن نكون حذرين من الطروحات الانفصالية، ولكن لا توجد لدينا مشكلة مع التنوع السوري، بالعكس التنوع السوري هو تنوع جميل، وهو تنوع غني، وهذا الغنى يعني قوة. الغنى والتنوع شيء، والتقسيم والانفصال وتفتيت البلد شيء آخر، شيء مناقض.. هذه هي المشكلة.
سؤال: استكمالاً سيادة الرئيس لفكرة العيش مع بعض، مرّ في جوابكم أنه يجب أن نعيش مع بعض في النهاية، فكرة العيش مع بعض.. ليست فقط المشكلة بالنسبة للمكوّن الكردي، هناك مجاميع بشرية موجودة في مناطق متعدّدة كانت خارج كنف الدولة السورية لسنوات في الفترة الماضية، ماذا عن هؤلاء؟ ما هي خطة الدولة بشأنهم ليعودوا فعلاً لفكرة هذا العيش المشترك وخاصة الأطفال منهم، جيل سورية القادم.. ما هي الخطة بشأنهم؟
الرئيس الأسد: فعلياً المشكلة هي مع الأطفال بالدرجة الأولى، ومع الجيل الشاب بالدرجة الثانية، أي مشاكل عدة، واحدة منها أن هذا الجيل لا يعرف ماذا تعني دولة وقانون. لم يعش في كنف الدولة، وإنما عاش في كنف مجموعات مسلحة، لكن التأثير الأسوأ والأخطر هو على الأطفال الذين البعض منهم لم يتعلّم اللغة العربية في بعض المناطق. البعض منهم تعلّم مفاهيم خاطئة، قد تكون مفاهيم متطرّفة أو مفاهيم ضد الدولة، أو مفاهيم ضد الوطن، وغيرها من المفاهيم، التي طُرحت خارجياً، وكُرّست لهم في مناهج رسمية. هذا الموضوع كان الحديث الأساسي خلال الأسابيع القليلة الماضية، وخاصة خلال الأيام القليلة الماضية، لأن دخول الجيش السوري إلى مناطق واسعة دفعة واحدة في المناطق الشمالية أظهر هذه المشكلة، ولكن على نطاق واسع. الآن هناك وزارات.. خاصة وزارة التربية وأيضاً وزارة الدفاع، ووزارة الداخلية يقومون بدراسة هذا الموضوع، وأعتقد أنه سيصدر بيان وحلّ -ولو بالعموميات بالمرحلة الأولى- ولاحقاً تتبعه إجراءات إدارية من أجل استيعاب كل هؤلاء في نظام الدولة السوري، أي: من سيلتحقون بخدمة العلم؟ من سيلتحق بالشرطة؟ من سيتابع دراسته بالمدارس؟ شخص أصبح عمره مثلاً اثني عشر عاماً كيف نتعامل معه؟ هو لا يعرف شيئاً عن المنهاج السوري، وبالتالي لا بد أن يتابع المنهاج السوري الوطني. الشيء نفسه لمن كانوا في المرحلة الابتدائية.. فأعتقد أن الحل بأن نستوعب الجميع ضمن المنظومة الوطنية، ولكن لابد من إجراءات خاصة من أجل إعادة دمجهم بهذه المنظومة، وأعتقد خلال أيام ربما نكون أمام تصوّر ما.
سؤال: بالعودة إلى السياسة وللولايات المتحدة الأمريكية تحديداً، الرئيس دونالد ترامب أعلن عن نيته إبقاء عدد محدود من جنوده في سورية مع إعادة نشر عدد منهم على الحدود الأردنية وحدود العدو الإسرائيلي، بينما يتولّى عدد آخر حماية حقول النفط. ما موقفكم من هذا الكلام سيادة الرئيس، وكيف سيكون رد الدولة السورية على هذا الوجود غير الشرعي؟
الرئيس الأسد: بغض النظر أيضاً عن هذه التصريحات. بالواقع، الأمريكي محتل. هو موجود.. سواء وُجِد شرقاً أم شمالاً أم جنوباً.. النتيجة واحدة، ومرة أخرى أقول: لا نأخذ بتصريحاته، لكن الآن نتحدّث عن الواقع.. كيف نتعامل مع هذا الواقع؟ عندما تصل لمرحلة تقول: إنني انتهيت -من باقي المناطق، كما قلت هناك أولويات عسكرية- عندما ننتهي من هذه المناطق حسب الأولويات ونصل لتحرير منطقة فيها الأمريكي.. لن أمارس العنتريات وأقول بأننا سنرسل الجيش لمواجهة أمريكا، نحن نتحدّث عن دولة عظمى – هل لدينا الإمكانيات؟ أعتقد بأن هذا الكلام واضح بالنسبة لنا كسوريين، هل نذهب باتجاه المقاومة، إذا كان هناك مقاومة فسيكون مصير الأمريكي كما حصل في العراق. ولكن كلمة مقاومة بحاجة لحالة شعبية نقيض العمالة، حالة شعبية وطنية تقوم هي بعملية المقاومة، والدور الطبيعي للدولة في هذه الحالة هو أن تهيّئ كل الظروف، وأن تهيّئ كل الدعم لأي مقاومة شعبية تحصل ضد المحتل. ولكن بعيداً عن العقلية الأمريكية الاستعمارية وعن العقلية التجارية التي تأتي لتستعمر منطقة من أجل المال والنفط وغير ذلك.. من غير المنطقي أن نتحدّث عن كل هذه العوامل، وننسى أن العامل الأساسي الذي جلبَ الأمريكي وغير الأمريكي والتركي إلى هذه المنطقة هو سوري عميل. هو سوري خائن. فالتعامل مع كل الحالات الأخرى هو تعامل مع الأعراض.. يجب أن نتعامل مع الأسباب.. يجب أن نتعامل مع هذا السوري، ونحاول أن نعيد صياغة الوضع الوطني في المجتمع السوري.. استعادة الوطنية، واستعادة وحدة الرأي، وألّا يكون هناك خائن سوري، ووطني سوري.. بل أن يكون السوري وطنياً، وألّا تكون الخيانة في ذلك الوقت مجرد وجهة نظر كخلاف على أي موضوع سياسي.. أن نكون كلنا موحّدين تجاه الاحتلال. عندما نصل لهذه الحالة، أنا أؤكد لك أن الأمريكي سيخرج وحده، لن تكون لديه فرصة للبقاء في سورية، ولن تكون لديه القدرة -وهو دولة عظمى- على أن يكون موجوداً في سورية. هذا الشيء رأيناه في لبنان في مرحلة من المراحل، ورأيناه في العراق في مرحلة لاحقة. هذا ما أعتقد أنه الحل السليم.
سؤال: كانت لكم جولة الأسبوع الماضي على خطوط النار في إدلب، فاجأتم بها السوريين، وفاجأتم العالم، وذكرتم خلال حديثكم مع جنود الجيش العربي السوري هناك أن المعركة في الشرق، ولكن إدلب هي مخفر متقدّم للعدو في الغرب لتشتيت قوات الجيش العربي السوري. البعض اعتبر أن هذه الزيارة هي إشارة انطلاق أو بدء ساعة الصفر لمعركة إدلب القادمة. هي فعلاً كذلك؟
الرئيس الأسد: لا لم يكن هناك أي ربط بين وجودي وبين ساعة الصفر، أولاً أنا أقوم بجولات من وقت لآخر في المناطق التي تُعتبر مناطق ساخنة وخطرة، لأن هؤلاء الأبطال هم الذين يقومون بالمهمة الأصعب، ومن الطبيعي أن أفكّر بزيارة هؤلاء تحديداً، فهذا شيء درجت العادة عليه بالنسبة لي، ولكن زيارة إدلب تحديداً كانت لأنه ربما اعتقد العالم بأن كل الموضوع السوري الآن اختُصر فيما يحصل في الشمال، وأصبحت القضية هي جيش تركي يدخل إلى الأرض السورية، ونسينا أن كل من يقاتل في إدلب هم جيش تركي، ولو كان اسمهم “قاعدة وأحرار شام” وغير هذا الكلام. وأنا أؤكد أن هؤلاء أقرب إلى قلب أردوغان من الجيش التركي نفسه، فلذلك علينا ألّا ننسى أنه من الناحية السياسية، وبالنسبة للموضوع التركي تحديداً، المعركة هنا تبقى هي الأساس، ولأنها مرتبطة بمعركة المنطقة الشمالية الشرقية أو منطقة الجزيرة.. هذا هو السبب الذي يجعلني أؤكّد على أن ما يحصل هناك -على أهميته وكِبَر مساحته- لا يلهينا عن أهمية إدلب بالمعركة الشاملة.
سؤال: تقولون سيادة الرئيس بأنه ليس هناك ربط بين وجودكم في إدلب وساعة الصفر، ولكن هل هناك ربط بين وجودكم في إدلب وبين اللقاء الذي جرى في اليوم نفسه بين تركيا وروسيا؟
الرئيس الأسد: الحقيقة عندما كنت هناك كنت قد نسيت تماماً أن هناك قمة في اليوم نفسه، لم أكن أذكر، أعرف أن هناك قمة ستحصل خلال أيام وأعرف أنها ربما يوم الثلاثاء..
مداخلة الصحفي: ولكن عفواً سيادة الرئيس تصريحاتكم أعطت انطباعاً بأنه رفض استباقي..
الرئيس الأسد: صحيح؟!..
مداخلة: أو ضد هذا اللقاء..
الرئيس الأسد: بعض المقالات والتعليقات أعطت شعوراً بالغضب، وبالتالي فهم هذا الغضب بأنه غضب من القمة، وأن هذه القمة ضدنا، الحقيقة أبداً.. على الإطلاق لم أكن غاضباً. تصريحاتي ضد أردوغان تصريحات مستمرة.. قلت “لص” وهو بدأ من الأيام الأولى بسرقة كل ما يتعلق بسورية فهو لص، أنا لم أشتمه، أنا أصفه. هي صفة وهذا الوصف حقيقي.. من يسرق مصانع ومحاصيل ومؤخراً أراضي ماذا أسميه، “فاعل خير”؟! لا توجد تسمية أخرى.. وقبلها في خطابي في مجلس الشعب قلت: إنه أزعر سياسي، هو يمارس هذه الزعرنة السياسية على أوسع نطاق، يكذب على الجميع، ويبتز الجميع، وينافق.. وعلناً.. نحن لا نخترع صفة. هو يعلن نفسه بصفاته الحقيقية، فأنا قمت بعملية توصيف. أما بالنسبة للاتفاق، فكما قلت قبل قليل: نحن نعتقد بأن الدخول الروسي في أي مكان يخدمنا، لأن المبادئ واحدة والمعركة واحدة. فدخول الروسي بكل تأكيد ستكون له نتائج إيجابية بدأنا نرى جزءاً منها، بالعكس تماماً، نحن كنا سعداء بهذه القمة، وسعداء بالعلاقة الروسية التركية بشكل عام، بعكس ما يعتقد البعض بأن الروسي يساير التركي، لا يهم إذا كان يسايره أم لا.. لا يهم إذا كان يلعب معه لعبة تكتيكية. المهم ما هي الاستراتيجية.. فلذلك أستطيع أن أقول: لا أبداً، لا علاقة بين تصريحاتي وبين القمة.
سؤال: سأبقى في موضوع إدلب، ولكن من منطلق آخر أو من جهة أخرى. غير بيدرسون المبعوث الدولي الخاص إلى سورية، كان له حديث في إحدى الصحف حول الوضع في إدلب، وصفه بالمعقّد، وأنا سأذكر النقاط التي تحدّث بها.. طالب بحل يضمن أمن المدنيين، وتناول مسألة وجود مجموعات إرهابية هناك، تحدّث عن ضرورة تجنّب عملية عسكرية شاملة -حسب رأيه لن تساهم في حل المشكلة، بل ستكون لها تبعات إنسانية بالغة- ما رأيكم بهذا الكلام؟ وعملياً هل يمكن أن تتأخّر أو تتوقّف العملية فعليا بناءً على ضغوطات أممية وفقاً لتلميحات بيدرسون؟
الرئيس الأسد: إذا كان بيدرسون لديه الأدوات والقدرة على حلّها من دون عملية عسكرية شاملة، فهذا شيء جيّد، لماذا لا يقوم بالحل إذا كان لديه تصوّر واضح؟. لا نمانع.. والقضية بسيطة جداً، يستطيع هو أن يذهب إلى تركيا، ويُقنع تركيا أن تقنع الإرهابيين بأن تقوم بعملية فصل بين المدنيين والمسلحين، يجلس المدني في منطقة والمسلح في منطقة أخرى، والأسهل من ذلك إذا كان قادراً أن يحدّد من هو المسلّح ومن هو غير المسلّح. حقيقةً عملية مكافحة الإرهاب لا تتم بالتنظير ولا بالكلام الإنشائي ولا بالمواعظ.
أما بالنسبة للتأخير، لو كنا ننتظر قراراً أممياً -وعندما نقول قراراً أممياً، فهو فعلياً قرار أمريكا وفرنسا وبريطانيا ومن معهم- لما كنا حررنا منطقة في سورية منذ الأيام الأولى، فهذه الضغوط ليس لها تأثير، يؤخذ بالاعتبار أحياناً ظرف سياسي، كما قلت: نترك المجال للعمل السياسي لكي لا يكون هناك مبرر، ولكن عندما تُستنفد كل هذه الفرص فلا بد من القيام بعمل عسكري من أجل إنقاذ المدنيين. لا أستطيع أن أنقذ المدنيين، وأنا أتركهم تحت سلطة المسلّح. فالمنطق الغربي الذي يقول بأن إيقاف العملية العسكرية هو لحماية المدنيين، منطق مقلوب، طبعاً بشكل مقصود، وبشكل خبيث. أما وجود المدني تحت سلطة الإرهابي بالنسبة له فهو حماية للمدني، المفروض العكس، الدخول العسكري هو لحماية المدنيين، وعندما تترك هذا المدني تحت سلطة الإرهابي، فأنت تخدم الإرهابي، وأنت تساهم في قتل المدني.
سؤال: سيادة الرئيس، لا تنتظرون قراراً أممياً. لكن تنتظرون قراراً روسياً؟ هل يمكن للروس أن يؤخّروا بدء العملية. رأينا سابقاً توقّف عمليات عسكرية في إدلب لدرجة أن البعض قال: إن الروس ضغطوا باتجاه التوقيف في كل مرة بسبب تفاهمات خاصة مع الأتراك، ما حقيقة هذا الكلام؟
الرئيس الأسد: كلمة ضغط، ليست هي الكلمة الدقيقة، نحن والروس والإيرانيون نخوض معركة عسكرية واحدة، ونخوض معركة سياسية واحدة، فدائماً نتحدّث، ونرى ما هي الظروف التي تسمح بالعملية. عدّة مرات اتفقنا بشكل ثلاثي على موعد محدّد لعملية، وتم تأجيل هذه العملية أكثر من مرة، لأن هناك إما مستجدات عسكرية أو مستجدات سياسية، فهذا الشيء نقاش طبيعي.. هناك شيء نراه نحن، يتعلّق بالساحة الداخلية، وهناك شيء تراه إيران متعلّق بالساحة الإقليمية، وهناك شيء آخر يراه الروسي متعلّق بالساحة الدولية، هنا يأتي التكامل، وهنا يأتي الحوار. مؤخّراً حصلت خمسة لقاءات بيني أنا وبين مسؤولين روس وإيرانيين خلال أقل من شهر، يعني كان هناك أقل من أسبوع بين اللقاء والآخر، وبين كل لقاء ولقاء كانت تتغيّر المعطيات العسكرية والسياسية.. وما كنا نتفق عليه في اللقاء الأول، كنا نغيّر جزءاً منه، ونعدّله في اللقاء الثاني والثالث والرابع، وآخر لقاء كان أمس. فالتغيّر السريع للمعطيات يُحتّم أحياناً تأجيل العمليات، هذا من جانب، ومن جانب آخر، هناك تواصل بيننا وبين المدنيين في تلك المناطق، فنحن فعلاً نحاول أن نفتح المجال قدر المستطاع لانتقال المدنيين من تلك المناطق إلى مناطقنا، وهذا يحقن دماءهم، وإذا كان هناك حل سياسي -في بعض الحالات نجحنا به- نحقن دماء الجنود السوريين، أيضاً هذه أولوية، لا يجوز أن نضعها جانباً. فإذاً هناك معطيات كثيرة لا مجال لذكرها الآن تؤثّر في هذا القرار وتؤجّله، هو ليس قضية ضغوط، الروسي لديه حماس مثل حماسنا لمكافحة الإرهاب، وإلّا لماذا يرسل طائراته؟ لكن التوقيتات هي عملية حوار.
سؤال: لكن الرئيس بوتين أعلن عن انتهاء العمليات الكبرى في سورية، هل ستكون روسيا معنا في إدلب، سيادة الرئيس؟ هل ستشارك في العملية العسكرية؟
الرئيس الأسد: هي كانت معنا في عملية تحرير خان شيخون وما حولها، وإعلان انتهاء العمليات الكبرى، لا يعني انتهاء مكافحة الإرهاب، فعلاً، المعارك الكبرى تقريباً انتهت، لأن أغلب المناطق إما تسلّم طوعاً أو أن تكون فيها عمليات محدودة، وعملية خان شيخون قد تظهر على الخريطة بأنها كبرى، ولكن كان هناك انهيار للمسلحين، فربما هذا هو المقصود بالنسبة للعمليات الكبرى. ولكن تصريحاتهم بشأن عودة إدلب لسيطرة الدولة السورية والتصميم على ضرب الإرهاب لم تتبدّل.
سؤال: سأبقى في إدلب وبالنقطة نفسها، عملياً نقاط كثيرة تُحكى في هذا الموضوع، الإرهابيون في إدلب نفسهم الذين تحدث عنهم بيدرسون، كيف سيتم التعامل معهم؟ ترحيل؟ عملياً كانت هناك تجارب بهذا الموضوع، جرى ترحيل إرهابيين من مناطق عديدة في الجغرافيا السورية إلى إدلب، اليوم الإرهابيون في إدلب، مثلاً هل تقبل تركيا أن يتم ترحيلهم إليها أو كيف هو التعامل معهم؟
الرئيس الأسد: إن لم تقبل تركيا، هذه مشكلة تركية لا تعنينا، ولكن سنتعامل معهم بالطرق السابقة نفسها، طبعاً البعض يسأل: حسناً كان هناك مناطق ينتقل إليها الإرهابي، ولكن الآن إدلب لا يوجد بعدها منطقة يخرج إليها الإرهابي، إلى أين سيخرجون؟ إن لم يخرجوا إلى تركيا سيكون أمامهم خياران، إما العودة إلى حضن الدولة وتسوية الأوضاع، أو الحرب. لا يوجد خيار آخر لا بالنسبة لنا ولا بالنسبة لهم، هذان هما الخياران الوحيدان.
سؤال: تداولت بعض وسائل الإعلام تسريبات عن لقاءات مع الأتراك، هل هذا الكلام صحيح؟ وعلى أي مستوى؟ وماذا نتج عن هذه اللقاءات إن حصلت فعلاً؟
الرئيس الأسد: كل المستويات لهذه اللقاءات كانت أمنية، ولكن بمستويات مختلفة. بضعة لقاءات منها -ربما لقاءان أو ثلاثة- حصلت عند كسب داخل الحدود السورية قرب الحدود المشتركة، ولقاء أو أكثر حصلت في روسيا، لا أذكر بدقة عددها لأنها تمّت خلال العامين الماضيين، ولكن لم يكن هناك أي نتائج حقيقية، على الأقل كنا نتوقّع أن نصل لحل بالنسبة للانسحاب المتفق عليه في أستانا لمسافة 15 كم غرباً وشمالاً في منطقة خفض التصعيد في إدلب. لم تحصل أي نتائج.
سؤال: إذاً تؤكدون أنه حصلت لقاءات مع الجانب التركي، لكن هذا كان قبل الاتفاق؟
الرئيس الأسد: طبعاً حصلت لقاءات ثلاثية بوساطة روسية وبوجود روسي، ونحن أصررنا على الوجود الروسي لأننا لا نثق بالتركي، كي يكون هناك شاهد.
سؤال: ليست لقاءات ثنائية؟
الرئيس الأسد: لا، ثلاثية، كلها كانت ثلاثية..
سؤال: ثلاثية بوجود الروسي؟ هذا قبل الاتفاق الروسي التركي الأخير؟
الرئيس الأسد: طبعاً.
تتمة السؤال: أنتم مستعدون الآن للجلوس مع التركي، حالياً بعد العدوان وبعد الاتفاق؟
الرئيس الأسد: إذا سألتني، ماذا سأشعر لو اضطررت أنا شخصياً لكي أصافح أو ألتقي مع شخص من جماعة أردوغان أو من يشبهه أو من يمثل نهجه.. لن أتشرّف بمثل هذا اللقاء وسأشعر بالاشمئزاز، ولكن المشاعر نضعها جانباً عندما تكون هناك مصلحة وطنية، إذا كان هناك لقاء سيحقق نتائج.. كل ما يحقق مصلحة الوطن لا بد من القيام به وهذه مهام الدولة. لا أتوقّع أنه إذا حصل لقاء أن تكون هناك نتائج إلا إذا تغيّرت الظروف بالنسبة للتركي. ولأن التركي الأردوغاني هو شخصية انتهازية ومنظومة انتهازية وعقيدة انتهازية، فهي ستحقق نتائج -بحسب تغيّر الظروف- عندما تكون مضغوطة، بحسب الظروف الداخلية أو الخارجية أو ربما فشلها في سورية. عندها ربما تحقق نتائجها.
سؤال: السؤال الحساس بهذا الموضوع أنه بالنهاية، التركي محتل، يعني إذا كان لدي قابلية نوعاً ما أو فرصة أو اعتقاد أنه يمكن أن ألتقي مع التركي، التركي مُحتل مثله مثل الإسرائيلي، فمن الممكن أن ألتقي مع الإسرائيلي، هذا سؤال حساس نوعاً ما لكن يُطرح؟
الرئيس الأسد: صحيح، وهذا طُرح عندما بدأنا باللقاءات معهم، طُرح داخل الدولة، كيف نلتقي معهم وهم محتلون في عفرين وفي مناطق أخرى، وحتى إن لم يكن محتلاً فهو يدعم الإرهاب.. يعني هو عدو عملياً بالمنطق الوطني. هذا صحيح. لكن الفرق بينه وبين “إسرائيل” أن “إسرائيل” هي دولة لا نعترف بشرعية وجودها، نحن لا نعترف بوجود الشعب الإسرائيلي، لا يوجد شعب إسرائيلي إلا من عدة قرون قبل الميلاد، أما الآن فهم شتات أتوا واحتلوا الأرض وأخرجوا الشعب. أما الشعب التركي.. لا.. فهو شعب موجود وهو شعب جار ويوجد بيننا تاريخ مشترك بغض النظر إذا كان هذا التاريخ سيئاً أم جيداً أم متنوّعاً، لا يهم.. تركيا دولة موجودة وهي دولة جارة والخلاف على موضوع لواء اسكندرون يختلف عن مجيء شعب بلا أرض ليجلس محل أرض وشعب.. فنحن لا نقارن، وحتى “إسرائيل” عندما تفاوضنا معها بالتسعينيات لم نعطها اعترافاً. كنا نتفاوض من أجل الوصول إلى السلام، إذا تحقّق السلام وعادت الحقوق يحصل اعتراف، فالمقارنة غير سليمة، تركيا سوف تبقى موجودة والشعب التركي يجب أن يبقى شعباً شقيقاً، وأردوغان كان يراهن في البداية على أن يجمع كل الشعب التركي خلفه من أجل أن يخلق عداء مع الشعب السوري وبالتالي يكون حراً بالتصرف.. علينا أن نكون حريصين وألا ننظر بالطريقة نفسها وأؤكد مرة أخرى أن البعض -ليس فقط القوى السياسية- في داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية التركية، هو ضد أردوغان. هذا السبب الذي دفعنا من جانب، من جانب آخر -وهذا كان نقاشاً مع الأصدقاء الروس والإيرانيين، فالموضوع طُرِح مع أكثر من طرف صديق- بأننا صحيح نحن ندافع عنكم ولكن بالنهاية أنتم أصحاب القضية، وهذا صحيح، الأرض أرضي والقضية قضيتي، فلماذا لا أطرحها مباشرة معهم وأقوم بواجبي ولو أنني لا أتوقّع نتائج، ولكن ربما في يوم من الأيام تكون هناك نتائج وخاصةً مع تغيّر الظروف داخل تركيا وفي العالم وكما قلت في سورية.
سؤال: سأستمر بالحديث عن “إسرائيل”، البعض يصفها بالحاضر الغائب بالأحداث في سورية، وبالمستفيد الأكبر مما حصل فيها، حقيقةً هل هي اليوم مرتاحة أكثر من أي وقت مضى مع إضعاف كل من سورية وحزب الله وإيران بناءً على رأي التحليلات؟
الرئيس الأسد: هي الحاضر الحاضر، لم تكن غائباً على الإطلاق، غائب لغوياً لأننا نقاتل نوابها أو عملاءها أو إمعاتها أو أدواتها بأشكال مختلفة.. البعض منها عسكري والبعض منها سياسي.. كلهم أدوات يخدمون “إسرائيل” بشكل مباشر -من خلال علاقة مباشرة- أو عبر الأمريكي، ولكن لأن المعركة على الواقع هي مع هذه القوى فبشكل طبيعي أصبحت اللغة تتحدث عن هؤلاء وليس عن “إسرائيل”، أما “إسرائيل”. فهي شريك أساسي في كل ما يحصل وهذا طبيعي، هي دولة عدوة. ماذا ستفعل؟ ستشاهد وتنتظر؟! لا ستكون مبادرة وستكون الأكثر فاعلية من أجل ضرب سورية والشعب السوري والوطن السوري وكل ما يمت إلى سورية بصلة.
مداخلة: الاستفادة عملياً مما حصل..
الرئيس الأسد: هذا بديهي، حتى لو لم نتحدّث عنه فهذا بديهية من بديهياتنا الوطنية في سورية.
سؤال: سيادة الرئيس، كل الاعتداءات التي قام بها كيان العدو الإسرائيلي على سورية لم نر موقفاً عربياً ولم تتحرّك الجامعة العربية. العدوان التركي عندما بدأ اجتمعت الجامعة العربية على مستوى وزراء خارجية، الانطباعات الأولية كانت جيدة، البيان الختامي وُصف بالإيجابي، بالمقابل لم نسمع بياناً من الدولة السورية ولا تصريحاً، لماذا؟
الرئيس الأسد: أنت تذكر عندما تمّ تجميد عضوية سورية في جامعة الدول العربية، هل قمنا بإصدار بيان؟ لم نقم بذلك. فإذا لم نكن قد أصدرنا بياناً كنتيجة لخروج سورية من جامعة الدول العربية، فلماذا نصدر بياناً عندما بدؤوا بطرح عودة سورية إليها؟ أعتقد بأن مضمون جوابي واضح، واللبيب من الإشارة يفهم، ولا أعتقد أن المشاهدين يعتقدون بأن طرح هذا الموضوع يستحق أكثر من بضع الجمل التي ذكرناها.
المذيع: صحيح.
سؤال: نتعمّق قليلاً بالسياسة البحتة سيادة الرئيس، نتحدّث بما يخص اللجنة الدستورية، ما تفسيركم للانتقادات التي وجهها الطرف الآخر لهذه اللجنة، علماً أنها كانت مطلباً لهم لسنوات؟
الرئيس الأسد: كانوا يعتقدون بكل بساطة بأننا سنرفض تشكيل هذه اللجنة، وربما أصيبوا بصدمة عندما تمكنّا من القيام بتشكيلها، لأنهم كانوا يضعون العقبات ويلقون باللائمة على الطرف الحكومي السوري، وكنا نتعامل مع هذه العقبات بطريقة سياسية محدّدة، أن تقدّم بعض الأمور -لا أسميها تنازلات لأن التنازل يتمّ عن الأساسيات، ونحن لم نتنازل عن الأساسيات على الإطلاق- ولكن عن بعض الأمور التي نعتبرها شكلية، فأصابتهم الصدمة بالمحصلة، لذلك شنّوا هجوماً شديداً عليها. هذا بالمختصر ما حصل.
سؤال: لم تقدّم الدولة السورية أية تنازلات تحت ضغط روسي أو إيراني؟
الرئيس الأسد: لا، لو كنّا قدّمنا تنازلات فعلياً لما كانوا هاجموها بل لكانوا مدحوا عملية تشكيل اللجنة الدستورية، عملية الهجوم هي التي تؤكّد أننا لم نقدّم تنازلات على الإطلاق ولا يمكن تقديم تنازلات، ربما تُستخدم اللجنة الدستورية وما سيصدر من نتائج عنها لاحقاً كمنصة انطلاق للهجوم وضرب بنية الدولة السورية.. هذا ما يخطط له الغرب منذ سنوات ونحن نعرف هذا الشي. لذلك لم يكن أمامنا خيار للتنازل عن مسلمات وعن ثوابت ترتبط بمصلحة سورية، فكان هناك بعض التفاصيل التي ليست لها أهمية. هم -أو البعض منهم أو الطرف الآخر لكي لا نحدّد بعضاً أو كلاً- غطّوا أنفسهم بإطار “المعارضة المعتدلة” كما يسمونها، واضطروا في كثير من الأحيان لطرح أسماء ترتبط مباشرةً بـ “جبهة النصرة” وكنا نرفض لأنها “جبهة نصرة”.
مداخلة: إرهابية.
الرئيس الأسد: إرهابيون، ولكن بالمحصلة وافقنا على عدد من هؤلاء، وهذا كان ربما يشكّل مفاجأة.. قلنا النتيجة واحدة، الخلفية واحدة، الانتماء واحد، السيد واحد.
مداخلة: صحيح.
الرئيس الأسد: ومصدر القرار سيكون واحداً، والتصويت في المستقبل سيكون واحداً، فالإشارة ستأتي من جهة واحدة.
مداخلة: يعني دمى لا أكثر.
الرئيس الأسد: تماماً، فوافقنا وهذا مثال فقط، طبعاً كان هناك تفاصيل أخرى كثيرة، وهذا ما فاجأهم. لذلك لا، لم نتنازل عن أي شيء من المسلمات.
سؤال: بيدرسون تحدّث عن اجتماعات لجنة مناقشة الدستور في جنيف بأنها هي التي تفتح الباب للوصول إلى الحل الشامل للأزمة السورية، وبرأيه هذا الحل يتضمّن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تحت إشراف الأمم المتحدة وبموجب قرار مجلس الأمن 2254، وتحدّث عن ضمان مشاركة السوريين في المهجر. هل ستقبلون بإشراف أممي بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية؟ وهل أصلاً هذا الموضوع من ضمن اختصاصات هذه اللجنة؟ ومن له الحق بالتصويت عملياً؟
الرئيس الأسد: بالنسبة لقوله: إن هذه اللجنة تقوم بـ أو تهيئ لحل شامل، لا، هذا الكلام غير صحيح، هي تؤمن جزءاً من الحل ربما. ولكن هو بهذه الحالة وبهذا الكلام يغض النظر عن الإرهابيين، اللجنة الدستورية مع بقاء الإرهابيين ستحل المشكلة؟! كيف؟ هذا الكلام مستحيل. لا هذا الكلام مرفوض. الحل يبدأ من ضرب الإرهاب في سورية، الحل يبدأ من إيقاف التدخل الخارجي في سورية، وأي حوار سوري- سوري يكون مكملاً، مساهماً، له دور ما، ولكن لا يحل محل الأولى والثانية -فهذه نقطة لكي لا نترك مجالاً لجزء من التصريح وكأننا وافقنا عليه- أما إذا كان يعتقد بأن القرار 2254 يعطي الصلاحية لأي جهة أممية أو غيرها لكي تقوم بالإشراف على الانتخابات، فأنا أريد أن أذكر بأن بداية القرار تتحدّث عن السيادة السورية، والسيادة السورية تعبّر عنها الدولة السورية فقط ولا أحد آخر ولا أي جهة أخرى، فالانتخابات التي ستحصل ستكون بشكل كامل من الألف إلى الياء تحت إشراف الدولة السورية، وإذا أردنا أن نقوم بدعوة أي جهة أخرى، دولية، دول، جمعيات، منظمات، أشخاص، شخصيات، لا يهم.. سيكون تحت إشراف الدولة السورية وبسيادة الدولة السورية. اللجنة الدستورية لا علاقة لها بموضوع الانتخابات.. لها علاقة فقط بموضوع الدستور، أما إذا كانوا يعتقدون أنهم سيعودون إلى عصر الانتداب، فسأقول لهم: هذا لن يكون سوى في أحلامكم.
سؤال: نبقى في تصريحات بيدرسون سيادة الرئيس. بيدرسون قال: إن مجرد الاتفاق على تشكيل اللجنة يعتبر قبولاً ضمنياً للطرف الآخر، ويمثل تعهّداً مشتركاً أمام الشعب السوري بمحاولة الاتفاق تحت رعاية الأمم المتحدة على الترتيبات الدستورية لسورية. البعض استنكر هذا القبول أو منح هذا القبول الضمني للطرف الآخر من قبل اللجنة كونها لا تمثّل الشعب السوري، وليست منتخبة من الشعب السوري. ما تعليقكم؟
الرئيس الأسد: كل ما طرحته من أسئلة صحيح، على الأقل من الناحية القانونية. أولاً لكي نحدّد من هو الطرف الأول والثاني، البعض يعتقد أن الطرف الأول هو الدولة السورية أو الحكومة السورية. لا، الطرف الأول هو الذي يمثّل وجهة نظر الحكومة السورية، أما الحكومة السورية فهي ليست جزءاً من هذه المفاوضات ولا من هذا النقاش.
مداخلة: يعني المدعوم من الدولة السورية هو الطرف الأول.
الرئيس الأسد: تماماً، هي تدعم هذا الطرف لأننا نعتبر أن وجهة النظر واحدة، هؤلاء أشخاص من نفس جو الحكومة السورية السياسي، ولكن هذا لا يعني أننا نحن كحكومة نفاوض. من الناحية القانونية نحن غير موجودين في اللجنة الدستورية، ولا يعني اعتراف الحكومة بأي طرف، هذا موضوع منته. فإذاً الطرف الأول.. هو يتحدّث عن طرف يمثّل وجهة نظر الحكومة السورية. فهنا نسأل سؤالاً ماذا يقصد بكلمة قبول ضمني؟ نقبل بماذا؟ كل ما قبل به هذا الطرف، هو أولاً أن يكون جزءاً من سوتشي وأن يجلس مع الطرف الآخر في سوتشي، ولاحقاً أن يشكل لجنة دستورية ويناقش معه أفكاراً حول الدستور. هذا ما قبل به، أما أن يكون قد قبل بمعنى غيّر من طبيعة هذا الطرف فهناك أشياء لا علاقة لها بقبولنا، كيف أغيّر من طبيعة هذا الطرف؟ هناك طرف، هو الطرف الأول، موجود في سورية، يعيش في سورية، ينتمي للشعب السوري بكل ما فيه، وهناك دولة تمثّل وجهة النظر نفسها، أيضاً منتخبة من قبل الشعب السوري، ولديها دعم أغلبية الشعب السوري. أما الطرف الآخر فهو معيّن من قبل من؟ هو معيّن من قبل تركيا. لماذا تأخرت اللجنة الدستورية؟ عام كامل ونحن نفاوض تركيا عبر الدول الضامنة، روسيا وإيران. هو لم يعيّن من قبل طرف سوري، الجزء الأكبر منهم لا يمثّل حتى الإرهابي، وربما لا يمثّل نفسه، يمثّل الدول التي فرضته.. وهي تركيا حصراً، وطبعاً من يقف خلفها، من يكلّف تركيا، الأمريكي وغيره. وهناك الطرف الآخر الذي هو طرف كما قلت يمثل الارهابيين فعلاً. فقبلت بماذا؟ قبلت بالإرهابي أن يكون وطنياً؟ أم قبلت بالمعيّن من قبل الآخرين أو بالعميل أن يصبح وطنياً مثلاً؟ لا. نتحدّث الآن بصراحة لماذا نكذب ونقول كلاماً دبلوماسياً؟! الحقيقة أن هناك طرفاً وطنياً يتعامل مع طرف عميل ومع طرف ارهابي. هذا بكل بساطة. ولكن لضرورة الكلام الدبلوماسي، لكي لا نغضب الجميع، أنا سأقول لك هو حوار سوري- سوري. ولكن طبعا حوار سوري- سوري بالهوية وجواز السفر وبالجنسية، أما الانتماء فهذا نقاش آخر. كلنا نعرف الجواب بعيداً عما نقوله في الكلام الدبلوماسي.
سؤال: بيدرسون اعتبر أن إطلاق أعمال اللجنة هو عودة فعلية لجنيف، هل عدنا إلى جنيف بعد أربع سنوات؟ وماذا عن سوتشي وأستانا؟
الرئيس الأسد: لا. عدنا إلى جنيف جغرافياً فقط. أما سياسياً فنحن جزء من سوتشي وكل ما يحصل هو جزء من سوتشي واستمرار لسوتشي ومرجعيته هي سوتشي. جنيف ليست موجودة، ليست جزءاً من هذا الموضوع. تمثيل الأمم المتحدة ومشاركتها في اجتماع سوتشي يعطيها بعداً أممياً وهذا كان ضرورياً، ولكن هذا لا يعني أن تدخل جنيف على سوتشي. جنيف غير موجودة.
سؤال: تصريحات بيدرسون وكل التصريحات التي استعرضناها، هل يمكن أن تكون استباقاً لعمل اللجنة أم إنها خارج سياق العمل تماماً؟ وبالنسبة للدستور تحديداً هل ما يجري هو دراسة تغيير كامل للدستور أم مناقشة الدستور أم تعديل بعض مواد الدستور؟
الرئيس الأسد: طبعاً ستكون هناك محاولة لتوجيه عمل اللجنة باتجاه معيّن. هذا شيء أكيد، ونحن واعون لهذا الشيء ولن نسمح به. بكل بساطة. لذلك كل ما يصرح به من خارج اللجنة نفسها ليس له قيمة، قيمته صفر مكعب بكل بساطة. لذلك علينا ألا نضيع وقتنا بهذه التصريحات ولا نعطيها أي أهمية. ما هي النقطة الثانية؟
سؤال: بالنسبة للذي يجري من عمل اللجنة، هل هو مناقشة مواد الدستور أم تعديل بعضها أم تغيير كامل للدستور؟
الرئيس الأسد: هذا جزء كبير من النقاش حول تشكيل اللجنة الدستورية، هل نعدّل الدستور أم نكون أمام دستور جديد؟ قلنا: إننا عندما نعدل بنداً من الدستور ونطرحه على التصويت فهو دستور جديد، فلا يوجد فاصل بين التعديل وبين الدستور الجديد، لأنه لا يوجد ما يحدّد الدستور الجديد، أي دستوراً كاملاً بالمطلق، هذا كلام نظري ليس له معنى. ما يهمنا هو أن أي شيء ينتج عن لقاءات هذه اللجنة ونعتبر أنه يتوافق مع المصلحة الوطنية.. وحتى لو كان دستوراً جديداً من الألف الى الياء سنوافق عليه. وإذا كان تعديلاً للدستور ولو بنداً واحداً ولكن هذا البند يقف ضد مصلحة الوطن فسوف نقف ضده ولن نسير به. فلكي لا نضيع وقتنا بهذا الحوار السفسطائي علينا أن نتحدّث ما هي المضامين. نعرف تماماً ما هي اللعبة التي سيلعبونها، هي لعبة إضعاف الدولة وتحويلها الى دولة لا يمكن أن تكون عليها سيطرة من الداخل وبالتالي تكون السيطرة عليها من الخارج. اللعبة واضحة، كما يحصل في دول مجاورة ولا داعي لذكر الأسماء. لن يحصل هذا الشيء ولكنهم سيحاولون ونحن لن نقبل. هذا هو الملخص لأشهر ربما من الحوار، وربما أكثر، الله أعلم. طبعاً أقصد الحوار المستقبلي.
سؤال: أطلنا الحديث عن لجنة مناقشة الدستور، طبعاً من خلال أسئلتنا وأخذنا لكل التصريحات. سأنتقل إلى الحديث عن الداخل السوري، بما أننا تحدّثنا عن محاولات التأثير، فبالتأكيد ما يهم هو الداخل السوري. خلال سنوات الحرب عانى السوريون من ارتفاع للأسعار وتوقف للإنتاج ونقص فرص العمل. تداعيات كثيرة كانت بسبب الإرهاب والحصار والوضع العسكري الصعب الذي كان على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية. بالوضع الطبيعي أو النتائج الطبيعية تراجع الوضع المعيشي للأسر السورية، ولكن اليوم الوضع الميداني تحسّن. عادت معظم الأراضي إلى سيطرة الدولة السورية، ماذا عن الوضع المعيشي؟ هل هناك بوادر بتحسّن هذا الوضع؟ أم إنه سيبقى على ما هو عليه حتى تحرير كل الأراضي السورية؟
الرئيس الأسد: إذا كان هو نتيجة الوضع الميداني فقط والإرهاب وإلخ.. فالأفضل أن ننتظر. ولكن هذا الكلام ليس منطقياً، وكما تعرفين البعض يحاول دائماً الإلقاء بكل المشكلة فقط على الوضع الأمني. الوضع الأمني له تأثير كبير لا شك، ولكن ليس مطلقاً. هذا يعطي جواباً عن الجزء الأخير من السؤال، هل ننتظر؟ لا. لأننا لو كنا فقط سننتظر، فحتى لو تحسّن الوضع الميداني لن يكون هناك تحسّن للوضع المعيشي. الوضع المعيشي لن يتحسّن وحده إن لم نتحرك، بكل بساطة، كدولة وكمجتمع بكل المستويات. تحرير بعض المناطق ربما ينعكس على الوضع الاقتصادي إذا استثمرت هذه المناطق لدخولها في الدورة التنموية والاقتصادية في سورية.
مداخلة: مناطق ثروات وما إلى ذلك تحديداً؟
الرئيس الأسد: قد يكون ثروة وقد يكون مثلاً منطقة سياحية. الآن لن تأتينا سياحة، فهذه المنطقة لن تكون جزءاً مؤثّراً كثيراً في الوضع الاقتصادي. منطقة فيها زراعة كالمناطق الشمالية هذا موضوع أساسي، لأننا نستورد بعض الأشياء التي كنا نصدّرها، ولأنها تستورد بطرق مختلفة للالتفاف على الحصار، فكنا ندفع رقماً إضافياً كبيراً وإلخ.. منطقة كحلب، هي عصب الصناعة السورية، وهي مع دمشق عصب الاقتصاد السوري. فإذاً منطقة عن منطقة تختلف، لكن إذا حررنا هذه المنطقة ولم نقم بإجراءات لتحريك الاقتصاد فلن يتحرّك. فإذاً علينا أن نستعجل أولاً كدولة لتهيئة البنية التحتية من استعادة الكهرباء وغيرها من الأمور.. دور مؤسسات الدولة، لكي نسمح لدورة العمل أن تعود. أنا هنا لا أتحدّث عن الصناعات والمشاريع الكبرى، حتى قبل الحرب كان لدينا تصوّر بأن المشاريع الكبرى جيدة، ولكنها ليست الحل. بالنسبة لبلد مثل سورية قوة اقتصادها بالمشاريع المتوسطة والصغرى. هذا ما يحرّك الاقتصاد. المشكلة أن البعض ينتظر. يقول لك: انتظر ماذا سيحصل بعد. إذا أردنا أن ننتظر فعلينا ألّا ننتظر البوادر التي تسألين عنها، هل هناك بوادر؟ طبعاً هناك تحسّن، أي إن هناك صناعات ظهرت، وهناك ورشات عادت للعمل. وبالوقت نفسه هناك عدد من الناس عاد من الخارج أكبر من حجم تطوّر الاقتصاد، وبالتالي عندما تسألين أي شخص يقول، لكن هذا الشيء غير ملموس.. طبعاً غير ملموس لأن العودة أكبر من الحركة. التحدي الآن كيف نستطيع أن ندمج كل أولئك الناس بالعودة إلى الدورة الاقتصادية. الجواب هل نستطيع؟ طبعاً نستطيع. لا يمكن أن نقول: لا، الظروف لا تسمح لنا. لا، لدينا بعض الكسل وبعض الاتكالية، ولدينا أحياناً عدم وجود رؤية كيف نتحرّك، وعندما أقول لدينا، أقصد نحن كلنا كمجتمع، كدولة وكمواطنين، الدولة تهيّئ الظروف والبنية التحتية، ولكنها لا تقوم بفتح كل المحلات والورشات والصناعات.
سؤال: السيد الرئيس إذا كنا نستطيع أن نرى استجابة فعلية من الحكومة لتوجيهاتكم المستمرة لوزرائها بالتعامل بشفافية مع المواطن، لماذا هذا الاستهتار والارتجال في عمل مؤسساتنا الحكومية مع غياب أي تخطيط أو بديل استباقي كما يقول البعض ممن يُحمّلون الحكومة بشكل مباشر التفريط بدماء الشهداء والجرحى وتضحيات السوريين؟
الرئيس الأسد: أولاً إذا أردنا أن نتحدث عن المؤسسات الحكومية، لكي أتحدّث بشكل موضوعي، لا آخذ الأمور بشكل شامل، لأن هناك وزارات تعمل، وهناك وزارات فيها ربما تكاسل أو تقصير.. هناك ضمن الوزارات مؤسسات تعمل، وهناك مؤسسات لا تقوم بواجباتها.. فإذا أردنا أن نتحدّث بشكل موضوعي، فلابد من أن نحدد قطاعات محدّدة لكي نميز بينها. أي حديث شامل هو حديث عام لا يعكس الواقع. طبعاً في الجلسات الخاصة نستطيع أن نتحدّث بشكل عام، أن نقول الدولة لا تعمل، الحكومة لا تعمل، ولكن أنا مسؤول لا أستطيع أن أتحدّث إلّا بشكل علمي ورقمي وموضوعي. فإذاً في الواقع هناك تقصير وهناك العكس. الآن لأبتدئ من الجانب الإيجابي، لو كانت كل المؤسسات لا تعمل، فمن أين نأتي بالرواتب؟ وكيف يذهب الطلاب إلى المدارس؟ وهناك شهداء في التربية، وهناك شهداء في الكهرباء، وتضرب الكهرباء وتحل المشكلة؟ هناك حصار ومع ذلك نستطيع أن نؤمّن، بالرغم من صعوبة ذلك، المواد الأساسية النفطية والقمح وغيره. فإذاً هناك عمل. طبعاً قد تقول لي: إن الشيء الطبيعي أن الناس تتحدث عن الألم، هذا الشيء الطبيعي، أنا لا أتوقّع أن الناس ستتحدث عن إيجابيات. طبيعة الإنسان أن يتحدّث عن الألم.. عندما أكون بصحة جيدة لا أتحدّث كل يوم بأن صحتي جيدة، لكن عندما أمرض أتحدّث عن المرض. هذا الشيء الطبيعي، ولكن عندما أتحدّث بحالة تقييم لا بد من أن أقيّم كل الجوانب، لذلك أنا مضطر للحديث عن جانب إيجابي لكي أنتقل إلى الجانب السلبي.. الجانب السلبي والتقصير. هنا التحدي. كيف نميّز بين الأسباب المرتبطة بالأزمة والحرب، وبين الأسباب المرتبطة بتقصيرنا؟ عند انتقاد شخص للدولة يتحدّث وكأنه لا توجد حرب، وعندما يتحدّث مسؤول في بعض الحالات يلقي بكل اللائمة على الحرب. التحدي كيف نوجد الفاصل بين الأول والثاني. هذا ما نقوم به الآن. مثلاً أزمة البنزين والمازوت، حقيقة في هذا الموضوع كان الموضوع مرتبطاً بالحصار، كان مرتبطاً بقدرتنا على تأمين هذه المواد، والمشكلة أن الدولة نفسها محاصرة، لا تقوم بالاستيراد، هي تقوم عبر وسائل أخرى -لا يمكننا أن نتحدّث كيف- بتأمين هذه المواد، فنؤمنها. أغلب الأحيان ننجح وأحياناً لا ننجح.. وهذه الأحيان هي خارج إرادتنا. الكهرباء، هناك ضرب مستمر للبنية التحتية، والصواريخ تذهب إلى محطات الكهرباء أولاً. هل نحمّل المسؤول مسؤولية صواريخ الإرهابيين؟ يجب أن نكون موضوعيين في بعض الحالات. مثلاً استرددنا آبار غاز، وحسّنت وضع الكهرباء، ولكن من عادوا، والورشات التي بدأت تعمل من جديد، حاجتها للطاقة أكبر بكثير مما حصّلنا من غاز وكهرباء. يجب أن نرى كل هذه الأمور.
السؤال كيف نميّز بين التقصير والحرب. الآن لا نناقش بهذه الطريقة. نحن على مستوى الدولة نحاول أن نصل لهذه النتائج، ونصل لنتائج تتعلق بالتقصير. التقصير يجب ألّا يعطى فرصة للاستمرار. المسؤول المقصّر يجب أن يذهب. طبعاً هناك أيضاً الفساد. التقصير شيء والفساد شيء آخر.. قد تكون النتيجة واحدة أحياناً، ولكن أنا أتحدّث الآن عن مسؤول غير فاسد ولكنه مقصّر، أو مسؤول لا يمتلك رؤية. عندما نكتشف أنه لا يمتلك الأولى ولا الثانية، فأقول يجب أن يذهب مباشرة.
سؤال: هناك نقطة في هذا الموضوع، بأن تكون الرؤية واضحة. سعر الدولار. من المنطقي بأنه خلال الحرب يرتفع سعر الدولار نتيجة الحرب نفسها، والحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة على بلدنا، لكن في الفترة الأخيرة الارتفاعات غير مفهومة، وتؤثّر في أدق الأمور الحياتية اليومية. ما تفسيركم لهذا الارتفاع غير المفهوم؟
الرئيس الأسد: هناك بديهيات.. هناك الحصار لا شك يؤثّر في واردات الدولة من الدولار أو من العملة الصعبة بشكل عام. هذا يؤثّر في سعر الصرف، وسعر الصرف يؤثّر في الأسعار. هناك واردات الدولة التي تتراجع بسبب قلة التصدير وقلة السياحة.. لن يأتيكِ سائح في ظروف الحرب، والدول التي نعتمد عليها بالتصدير مع كل أسف تساهم بالحصار بشكل أو بآخر، رغم أن هناك تصديراً غير نظامي.. حيث نتمكّن أحياناً من إيجاد بعض الأقنية له. هناك لعبة المضاربات التي تحصل، البعض منها يحصل من داخل سورية، والبعض منها يحصل من خارج سورية. هناك لعبة المضاربات التي تحصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ونحن ننجر إليها. هناك العامل النفسي وهو أخطر شيء.. نسمع أن الليرة انخفضت، فنقوم مباشرة بشراء الدولار. ما الذي يحصل؟ نعتقد أننا وفّرنا على أنفسنا بعض المال، لكن الذي يحصل هو أن سعر الصرف ينخفض بشكل حاد وبشكل متسارع جداً، وبالتالي ترتفع الأسعار بشكل كبير، وما وفّرته بالدولار أخسره في الأسعار. وبالتالي في هذه الحالة بعض المواطنين الذين يقومون بهذا العمل يخسرون بسبب الأسعار أكثر مما وفّروه عندما صرّفوا بالدولار. فإذاً هناك عدة جوانب. الآن هل تستطيع الدولة أن تتدخل؟ تستطيع، ولكن بما أن الواردات قليلة والاحتياجات كبيرة، وبما أن القمح يكلّف أكثر بكثير من قبل، والحاجات الأساسية كالنفط والمحروقات وغيرها تكلّف أكثر بكثير، فهل أستنزف وأستهلك ما أحصّله من دولار بالمضاربات، أم أستهلكه في الحاجات الأساسية؟ إذا اُستنزف بالدولار، يعني أنه لن يكون هناك قمح ومحروقات. هذه هي الحقيقة. هذا لا يعني أنه لا توجد واردات. توجد واردات، ولكن هذه الواردات ليست كما كانت قبل، هذا بديهي. فأين هي الأولويات؟ استهلاك السلاح والذخيرة هو أولوية أولى.. أحياناً نضطر للضغط في مجال لكي نوفّر السلاح.
سؤال: ألا توجد إجراءات للدولة تستطيع أن تقوم بها فعلاً لتضبط سعر الصرف؟
الرئيس الأسد: هناك إجراءات. لو أردت أن تقارني بدول موجودة في منطقتنا، ويهتز سعر الدولار فيها. لاحظي أنه يهتز بأيام أضعافاً مضاعفة. هي معجزة أن سعر الصرف كان بحدود نهاية الـ40 أو الـ50 ليرة، وبعد تسع سنوات من الحرب مازال بحدود الـ 600 أو ما حولها أو أقل أو أكثر، حسب التحرّك أو التذبذب.
هذا غير منطقي، كان من المفترض أن تنهار الليرة بشكل مطلق في نهاية عام 2012، ولو لم تكن هناك أدوات أيضاً لا نستطيع أن نعلنها -لأنها لعبة ذات طابع خفي- لكانت انهارت كلياً. سأعطيك مثالاً بالنسبة لليرة.. أحد العوامل التي لا يعرفها الناس أن تحرير منطقة ليس بالضرورة أن يخدم الليرة، تحرير منطقة قد يلغي الدولار الذي كان يأتي لصالح الإرهابيين الذين كانوا يصرفونه لشراء بضائع من جانب، أو لضخه من جانب آخر، وكانت إحدى أدوات الدولة هي الاستفادة من هذا الدولار. فالأمور ليست مطلقة بالطبع، ولا نستطيع أن نقول: إن الإرهابي كان يخدمنا في هذا الشأن.. وليس كل ما هو إيجابي يعني أنه سينعكس إيجاباً. لذلك أقول الموضوع معقّد. الآن بعض الخبراء يقولون: إن هناك عملية تجفيف للدولار في المنطقة، وبالتالي كل المنطقة تدفع ثمن الدولار، لكن لاحظي الفرق بيننا وبين دول مجاورة. تركيا في الأيام الأخيرة خسرت أمس اثنين بالمئة من سعر الليرة التركية فقط بسبب قرار كونغرس. يعني الدول تخضع بشكل مطلق. نحن بالرغم من ظروفنا لا نخضع بشكل مطلق، نحن نعاني وندافع ونقاتل، ونحن تُشن علينا حرب. هذه الدول لا تُشن عليها بالضرورة حرب، ومع ذلك تكون النتائج قاسية عليها، وتسند بفعل سياسي ومالي خارجي. فإذاً التحديات صعبة، ولكن أعود وأقول الحل ليس صعباً، ليس بالضرورة أن يكون الحل لعبة دولار بالذات، وإنما لعبة اقتصادية. إذاً عدنا لسؤالك الأول وبدأنا نفكر بأن دورة الاقتصاد هي الأساس وليست المضاربات.. إذا تمكّنا من تحريك دورة الاقتصاد عندها سنتمكن من خلق المزيد من الأدوات للسلطات النقدية وللمجتمع لتحسين وضعه الاقتصادي وتخفيف الاعتماد على الدولار. صناعات أخرى نقوم بها الآن صغيرة أو متوسطة توفّر علينا استهلاك مواد من الخارج، وتخفف الضغط على الليرة. لدينا أدوات عديدة. نستطيع، ولكن لعبة المضاربات ليست هي الحل، هذا ما أعتقده.
سؤال: أفهم من كلام سيادتك أن السياسات هذه أو الإجراءات ربما يكون ظهور نتائجها أطول، لكنها هي الأفضل والأنجح.
الرئيس الأسد: ما أريد أن أقوله في الإجابة عن كل الأسئلة الاقتصادية. الحل موجود. هناك من يعتقد أنني عندما أضع كل هذه العوامل، فلأنني أريد أن أقول إنه ليس بيدنا حل. كلا. الملخص، الحلول موجودة وليست مستحيلة، وما قمنا به يؤكد أنه ليس مستحيلاً، ولكن هذا لا يعني أننا قمنا بأفضل ما نستطيع. هذه هي النقطة. الآن كيف؟ هذا بحاجة لحوار اقتصادي، ولكني أعطيك العناوين الكبرى بأننا نستطيع. موضوع الدولار والاقتصاد والوضع المعيشي كله مترابط.. كله حلقة واحدة.. هو ليس أجزاء. هو جزء واحد، ولكن حله هو بتسريع خدمات الدولة وبتسهيلات لدفع المشاريع، وهذا ما نقوم به الآن، ولكن أيضاً ننتظر الاستجابة لأن الضغوطات على رؤوس الأموال كبيرة في الخارج لكي لا يستثمروا في سورية.
سؤال: وحلّه أيضاً سيادة الرئيس بموضوع مكافحة الفساد. يتمّ الحديث الآن عن حملة طالت عدداً من رجال الأعمال والمسؤولين الذين تدور حولهم شبهات الفساد. هل هذا صحيح سيادة الرئيس؟ هل تأتي هذه الحملة من ضمن إجراءات مكافحة الفساد؟ وهل ستشمل أشخاصاً آخرين؟
الرئيس الأسد: صحيح. لكنها ليست حملة، لأن كلمة حملة تظهر وكأننا بدأنا الآن. الحملة لها بداية ولها نهاية ومؤقتة، وهذا الكلام غير صحيح، يعني إما إننا كنا قابلين بالفساد وفجأة لم نعد نقبل به، أو إننا لم نكن نراه. كلا هو مرئي، والبداية عمرها الآن بشكل أساسي أكثر من ثلاث سنوات، لماذا؟ لأننا في بداية الحرب فعلاً لم يكن الوضع الداخلي له أولوية على الإطلاق، كنا نعيش حالة تأمين الحاجات الأساسية لكي نعيش، ولكن كان هناك نهش بالدولة وبالوطن من قبل الإرهابيين ونهش أكبر من قبل الفاسدين، هذه كانت المشكلة، البلد لا تتحمّل.
مداخلة: كنا نريد فقط أن نبقى أحياء..
الرئيس الأسد: في السنوات الأولى.. بعدها عندما ازداد النهش، بدأنا عملياً بالعودة لعملية مكافحة الفساد التي كنا بدأنا بها، ولكن الظروف كانت مختلفة قبل الحرب، والأولويات كانت مختلفة. الآن أعطيت الأولوية لمكافحة الفساد بسبب الظروف الاقتصادية التي نعيشها، ولأن جزءاً من هذا الخزان الذي هو الدولة كان مثقوباً ثقوباً كثيرة.. وبالتالي أي واردات تأتي إليه تذهب فلا نستفيد منها. أين بدأنا؟ بدأنا بالمؤسسة العسكرية.. حيث لا توجد دولة تبدأ بالمحاسبة في المؤسسة العسكرية في قلب حرب، وهذه المؤسسة مقدّسة. ولكن لأنها مقدّسة في الحرب، ولأنها تمثّل الانضباط فهي لا تسمح بأن تكون هي بالوقت نفسه رمزاً من رموز الفساد، وبدأت المحاسبة فيها، وهناك ضباط كبار ذهبوا إلى السجن وطبعاً مع ضباط آخرين وبمستويات مختلفة ومن ثبتت براءته خرج من السجن، وهناك من هو قيد المحاكمة حتى اليوم بعد عدة سنوات. إذا لم تكن هناك محاباة. وكان هناك سؤال: هل من المعقول المؤسسة العسكرية؟ وفي قلب الحرب؟ قلنا المؤسسة العسكرية تحارب الإرهاب، وتحارب الفساد، هي تحارب كل شيء لأنها ستكون في المقدمة في كل شيء. وكانت هناك وزارة الداخلية.. ووزارة الاتصالات.. عدة مؤسسات.. ولكن الآن طرح الموضوع لأن هناك جوانب في المجتمع.. أشخاصاً، مؤسسات، هي محل اهتمام المجتمع.. هي دائماً تحت نظر المجتمع، فظهر الموضوع على الساحة.. لكن عملياً لا يوجد شيء جديد في الواقع. أما بالنسبة للمحاسبة، نعم هي مستمرة بالنسبة لسؤالك.. نعم هي مستمرة..
سؤال: سنشهد أشخاصاً آخرين؟
الرئيس الأسد: طالما أن هناك فساداً فستكون هناك مكافحة. هذا الموضوع محسوم. بهذا الظرف وبغير ظروف هذا الموضوع جزء من تطوير الدولة.. لا يمكن أن نتحدّث عن تطوير الدولة إدارة أو غيرها، ولا تكون هناك مكافحة فساد.. هذا بديهيات.
سؤال: هناك من روّج أن الدولة احتاجت لأموال أو أن الحلفاء طالبوا الدولة بديونهم فقامت الدولة بوضع يدها على أموال تجار بطريقة انتقامية، حتى إن البعض وصل لمرحلة توصيف الموضوع بـ “ريتز كارلتون سورية”.. ما تعليقكم على هذا؟
الرئيس الأسد: هم دائماً يصفون سورية بـ “النظام”.. لا يقولون دولة. ما هو الهدف من كلمة “نظام”؟ أن نظهر كأننا عصابة.. طغمة.. وهكذا.. ولكن الدولة لها أسس.. يعني دستور.. أنظمة.. ضوابط واضحة. نحن دولة ولسنا مشيخة، كما هو الحال في بعض الدول.. والدولة فيها دستور وفيها قانون. أول شيء في الدستور أو أحد أهم البنود هو حماية الملكية الخاصة. لا نستطيع أن نأتي تحت أي عنوان، ونقول لشخص: نحن أخذنا هذه الملكية. الآن هناك مصادرات كثيرة لأشخاص إرهابيين تمّت مصادرتها بشكل مؤقت.. وتمّ وضع اليد عليها، ولكنها لم تنتقل إلى ملكية الدولة لأنه لا يوجد حكم قضائي.. فهي بحاجة لحكم قضائي مع أن صاحبها إرهابي. قد يقول أي شخص بشكل بديهي.. يجب أن تذهب لملكية الدولة. لا.. هذا بحاجة لحكم قضائي.. فبهذا الإطار لا يمكن للدولة أن تقول تحت أي عنوان.. حتى لو كان فاسداً.. أنت فاسد أعطني أموالك. هذا كلام يناقض أساس الدولة.
مداخلة: وإنما إجراءات على أساس قانوني
الرئيس الأسد: أولاً.. إجراءات قانونية، وهناك عدة حالات الناس تخلط بينها. هناك مجموعة من رجال الأعمال حصل اجتماع بينهم وبين المسؤولين في الدولة من أجل دعم الليرة السورية، عندما بدأ التراجع السريع، كما قلت بسبب حالة الخوف والحالة النفسية.. لأنه لا يوجد سبب اقتصادي يدعو لانهيار الليرة السورية.. فطلبت منهم مساعدة مؤسسات الدولة، وخاصة المصرف، للقيام بهذا الشيء وقاموا به. هذا لا يعني تبرعاً للدولة.. هم يضخون عملة صعبة، ويأخذون بدلاً منها عملة سورية.
مداخلة: تحريك اقتصادي
الرئيس الأسد: تماماً بطريقة معينة.. بخطة معينة متفق عليها وقاموا بهذا الشيء.. وأعطت نتائج سريعة. وهناك مكافحة الفساد التي سألتم عنها قبل قليل.. هناك مسؤولون، وهناك أشخاص بالقطاع الخاص.. الفساد دائماً مشترك.. وفي القطاع الخاص تمّ الطلب من كل من هدر أموال الدولة أن يعيد الأموال لأن الهدف باللغة العامية هو “العنب وليس الناطور”.. نريد أموال الدولة أولاً قبل أن نلاحق ونحوّل إلى القضاء.. وتبقى في القضاء لسنوات. هناك وثائق.. هل أنت مستعد لإعادة أموال الدولة؟ الكثير منهم عبّر عن رغبته. فإذاً هناك جوانب للموضوع.
مداخلة: لكن لماذا تمّ الترويج أو فهم الناس أحياناً أن موضوع الملاحقة أو المحاسبة طال فقط التجار ولم نسمع عن أسماء مسؤولين.. وإنما فقط عن تجار ورجال أعمال؟
الرئيس الأسد: لذلك قلت إن المحاسبة بدأت في الجيش وفي وزارة الداخلية والنقل وغيرها.. الآن مستمرة.. كلها تمس مسؤولين بالدرجة الأولى.. وكل الموجودين في السجون هم موظفو دولة ومسؤولون بمستويات مختلفة. لا يمكن أن تحاسبي طرفاً وعنده شريك آخر.. هناك دائماً شراكة في الموضوع.. ولكن أحياناً اسم المسؤول لا يظهر لعدم اهتمام الناس.. وأحياناً اسم القطاع الخاص لا يظهر لعدم معرفة الناس بهذا الشخص. القضية قضية تسويق إعلامي، ونحن لا نعتمد ولم نعتمد على موضوع التسويق الإعلامي والبروباغندا بأننا الآن نحارب الفساد.. ما يهمنا الآن هو أن نكافح الفساد حقيقة ومن خلال الواقع وليس من خلال التطبيل والتزمير.
سؤال: لذلك يتمّ الحديث عن مشروع قانون للكشف عن الذمم المالية لكل من يعمل في القطاع العام؟
الرئيس الأسد: هذا مؤخراً.. بدأ النقاش به منذ أشهر، وكانت هناك ورشة الأسبوع الماضي تحت رعاية وزارة التنمية الإدارية وهو قانون مهم. الحقيقة الموضوع ليس بجديد.. طرح قبل الحرب بحوالي عام ولكن لم يكن في ذلك الوقت بصيغة قانون. كان بصيغة قرار. أي إن أي شخص يريد أن يدخل إلى الدولة يصرّح عن أملاكه.. لكي يكون لهذا التصريح مرجعية لسؤاله عن أملاكه التي ستظهر لاحقاً، وخاصة أن الكل كان يسأل.. “س من الناس” لديه أملاك.. يجب أن تقول له من أين له هذا؟!. كنا نقول لهم لا تستطيعون أن تقولوا من أين لك هذا دون مرجعية.. لا بد من مرجعية قانونية. هذا ما نقوم به الآن. الخلل الأساسي في موضوع الفساد هو القوانين. هذا القانون سيشكل مرجعية مهمة لأي شخص يدخل إلى الدولة. بعد عام أو بعد عشرين عاماً تستطيع أن تسأله من أين حصلت على هذه الأملاك؟
سؤال: ما هي الإجراءات التي سيتم اتخاذها في هذا المجال؟
الرئيس الأسد: قانون الكشف عن الذمم المالية أو التصريح عنها هو جزء. ملاحقة الفاسدين بأخطاء معينة هو جزء. لكن في الحقيقة إذا عدت لنقاش حول موضوع الفساد الذي يدور الآن، وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، فهو يتحدّث عن كل شيء ما عدا أساس الفساد. أساس الفساد لدينا هو القوانين.. وطبعاً ما يأتي بعدها تعليمات تنفيذية.. إجراءات.. قرارات.. إلخ… البنية القانونية للفساد هي المشكلة. لماذا؟ لأن أغلب الحالات التي تحوّل إلى القضاء هي عبارة عن تطبيق للقانون، وطالما أنه طبّق القانون.. ولو كانت لديك قناعة كاملة بأنه فاسد.. لكنه قانونياً بريء لأنه طبّق القانون.
القانون مليء بالثغرات، وأبسط ثغرة من تلك الثغرات هي كلمة يجوز “يجوز أن يقوم بكذا”، لذلك كان حديثي خلال اجتماعي قبل الأخير أو ربما عندما أقسمت الحكومة بعد إجراء تعديل حكومي.. عن موضوع تشكيل لجنة لتعديل القوانين، وأولاً إلغاء الاستثناء. الاستثناء ليس بالضرورة أن يقول بشكل واضح يسمح للمسؤول الفلاني بإعطاء استثناء، وإنما يمكن أن يكون بكلمة “يجوز”.
كلمة “يجوز” يعني أعطاني أكثر من احتمال لكي أطبّق. أطبّق هذه الاحتمالات بحسن نوايا، وأخلق فوارق بين الناس.. وأطبّقها بسوء نية وأقبض أموالاً. وبالتالي أكون فاسداً بالمعنى المالي. لذلك بدأنا أولاً بكل ما يظهر من الاستثناءات. بالنسبة لرئيس الجمهورية بدأنا بها “يجوز لرئيس الجمهورية أن يقوم بكذا”.. إذا كنت أنا أريد أن أطبّق القانون بشكل عادل لا يمكن.. لأنني سأعطي مجالاً لكي يطبّق هذا البند بحالة معينة، ولكن سأحرم شخصاً آخر لأنني لن ألتقي به ولن يصل بطريقة ما إلي. فبدأنا بإلغاء هذا الشيء بدءاً من صلاحيات رئيس الجمهورية.. والحالات الاستثنائية الضرورية لأي مستوى كقانون الجمارك الآن وغيرها.. قلنا توضع ضوابط.. ولا تترك بشكل استنسابي لأي موظّف بغض النظر عن مستواه. فإذاً نحن لدينا استثناءات كثيرة، ولا توجد لدينا ضوابط على الإطلاق.. بما فيها التوظيف وكل هذه الأمور. فإذا لو شبهنا قوانيننا أيضاً بالخزان هي مثقوبة وبحاجة لسد الثقوب بقوانين جديدة.
هذا ما بدأنا به وبدأنا بقوانين الإدارة المحلية لأن موضوع المخالفات الذي نراه في كل مكان جزء منه مقونن. هل يا ترى القانون بحاجة لإعادة نظر؟ هذا ما يجب أن نقوم به.. فإذا نحن نركّز الآن على قانون الفساد.. لأن ما نقوم به الآن من مكافحة فساد هو معالجة للأعراض ولا يحل المشكلة.
سؤال: إذاً هي مكافحة البيئة الفاسدة وليس الفاسدين؟
الرئيس الأسد: تماماً.
سؤال: وهنا أسأل عن دورنا كإعلام طبعاً أخيراً وشكراً على رحابة صدركم.. استحملتم كل هذه الأسئلة؟
الرئيس الأسد: أهلاً وسهلاً.
سؤال: كإعلام.. ومن ضمن فكرة محاربة البيئة الفاسدة لنا دور؟ وكيف ترون هذا الدور؟
الرئيس الأسد:
دور أساسي جداً.. وباتجاهين. بالمناسبة كان لقائي الأخير مع الحكومة مكرّساً فقط لموضوع دور الإعلام.. أولاً لأنني أعرف أن الإعلام سيكون له أعداء كثر من الدولة ومن خارجها عندما يتحدّث في موضوع الفساد لأسباب مختلفة.. ليس فقط المصالح.. لكن نحن بطبيعتنا.. بثقافتنا لا نحب النقد. وحتى لو كان النقد عاماً نحوّله مباشرة إلى حالة شخصانية.. ونعتبره شيئاً شخصياً، وتبدأ ردود الأفعال بالظهور.. وهذا يخلق مشكلة كبيرة.. إما بمحاربة الإعلام من الأساس أو بمحاربة المعلومات التي تحتاجونها للقيام بمهامكم في هذه الحالة. فكان اللقاء هو فقط لدفع الإعلام الرسمي.. أولاً لأن الإعلام هو أهم أداة في مكافحة الفساد.. الفساد دائماً واسع ودائماً يشمل قطاعات كثيرة لأن علاقة الناس بالدولة وعلاقة مختلف القطاعات بالدولة هي علاقة ليست يومية وإنما في كل ساعة. وبالتالي لا يمكن بأي آلية أن تلاحق كل هذه الحالات. هنا يأتي دور الإعلام باعتباره يفترض أن يكون موجوداً في كل زوايا المجتمع، فيشكّل عاملاً أساسياً مساعداً للكشف عن مواضع الفساد. النقطة الأهم التي تحدّثت أو مررت عليها الآن عندما نتحدث عن قوانين وعن بيئة وعن أشياء من الجذر بحاجة لإعادة إصلاح. من الضروري أن يقود الإعلام عملية الحوار لعملية هذا الإصلاح.. أتحدث عن قوانين.. الآن أنا في الدولة أتيت بقانونيين لدراسة الخلل، ولكن القانوني ليس بالضرورة أن يمتلك الرؤية، القانوني يمتلك الصياغة.
مداخلة: أن يقدّم الحل حتى..
الرئيس الأسد: يمتلك الصياغة.. الصياغة جزء من القانون. الجزء الآخر هو الرؤية. من يقدم الرؤية؟ المسؤول فقط. لا.. هناك تفاصيل المسؤول بحكم موقعه وخبرته لا يراها. وكل شخص في المجتمع بحكم وجوده بزاوية من زوايا المجتمع لا يرى الحل كله.. يرى جزءاً من الحل. الإعلام هو الذي يجمعنا معاً للنقاش في هذا الحل. هناك جزء آخر. رأينا.. أو نرى الآن.. فعل مضارع مازال مستمراً.. أن هناك فوضى نقاش وحوار على مواقع التواصل الاجتماعي. هنا يأتي دور الإعلام الوطني لكي ينقل هذا الإعلام من السطحية.. ومن الشخصانية أحياناً ومن التشفّي ومن الانتقام ومن فتح مجال للعب بنا من الخارج دون أن يكون لدينا الوعي لذلك.. هو يأتي ليضع منهجية حقيقية لحوار جدي ولحوار ناضج ووطني.. وبالتالي لحوار منتج. فالحقيقة يعوّل عليكم، ولو أنكم مازلتم في البدايات من خلال البرامج التي بدأتم بها مؤخراً.. ولكن الأفق للصعود بمستوى هذا الحوار ومكافحة الفساد ومعالجة القوانين ومعالجة الأسماء والفاسدين.. الأفق أمامكم طويل جداً ومفتوح طبعاً لكي تقوموا بدور كبير. وأنا شخصياً أعوّل وأنا داعم للإعلام الرسمي بهذا الاتجاه.
المذيعة: شكراً لدعمكم سيادة الرئيس، وهذا بالتأكيد يمنحنا عملياً المد لكن يحمّلنا مسؤولية بالتأكيد.
الرئيس الأسد: شكراً لكم، وأنا سعيد أن أقيم هذا الحوار مع مؤسستين وطنيتين مهمتين وأساسيتين. وبكل تأكيد يعوّل على دور المسؤول وعلى دور الدولة في مستقبل سورية سواء كان مكافحة الفساد أو مكافحة الإرهاب أو غيرها من الأمور التي حاولتم أن تنقلوا من خلالها وجهة نظر المواطن. ونحن نعوّل عليكم كإعلام أن تكونوا، وكنتم، جزءاً من المعركة أيضاً ضد الإرهاب وضد الفساد وضد التخلّف وضد أي خطأ يأخذ البلد إلى الخلف بدلاً من أن يأخذها إلى الأمام.
أهلا وسهلاً بكم.
المذيعان: شكراً لكم سيادة الرئيس..