الفوضى من أجل الفوضى
ربما لم يكن مفاجئاً أن يتم تفجير الساحتين اللبنانية والعراقية على النحو الذي نشهده حالياً من مظاهرات، وقطع طرقات، وإغلاق مطارات، وتعطيل البلدين تحت ذرائع وحجج مطلبية شعبية محقة في ظاهرها، ومبيّتة ومبطّنة في أهدافها، ولاسيما بعد التطوّرات المتلاحقة التي شهدها خط طهران بغداد دمشق بيروت بافتتاح معبر “البوكمال القائم” الحدودي، والذي أعاد وصل المحور برياً بعد إغلاق لخمس سنوات بفعل سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي على المنطقة، فالهدف واضح: هو أن تبقى الفوضى في تلك الدول مستمرة كي لا تُمنح القوى المنتصرة أي فرصة لالتقاط أنفاسها بعد حروب طويلة مع الإرهاب التكفيري وانطلاق نحو تعزيز قدراتها.
المراقب لما يحصل في لبنان يرى أن الحراك بدايةً رفع مطالب بمكافحة الفساد وتحقيق نمو وحل مشكلة البطالة، فكان رد السلطة بإقرار ورقة إصلاحية تعد غير مسبوقة في تاريخ لبنان بعد الطائف، من رفع السرية المصرفية، ودعم الصناعة والتصدير، وإقرار قوانين معلقة، وإطلاق مشاريع استثمارية عملاقة، لنتفاجأ بأن رئيس الحكومة يقدّم استقالته بطريقة مريبة، وهو الذي كان قطع وعداً بالاستقالة إذا لم تقر ورقته، وليصبح بنظر المحتجين في الشارع، ثائراً، لا بل ويطالبون بعودته إلى رئاسة الحكومة، وهو الذي كان وما يزال رمزاً لحريرية سياسية أدت إلى إثقال لبنان بديون وصلت إلى 110 مليارات دولار.. فهل هذا هو الإصلاح الذي تنشده تلك القوى المحتجة؟، فيما كان لافتاً أن الحراك الذي أطلق شعار “كلن يعني كلن”، اختار شريحة معينة من الطبقة السياسية، وبدأ يهاجمها سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو من خلال الهتافات التي تطلق في الساحات والميادين، وكأن المطلوب جر هذا المكوّن إلى صدام مع الشارع والجيش والدولة، ما يوحي أن المظاهرات التي بدأت مطلبية، تحوّلت إلى أداة سياسية تريد تصفية خصوم وقوى تقف حجر عثرة أمام مشاريع متنفذين في السلطة!.
الأمر لا يختلف كثيراً عما يجري في العراق، فالمتظاهرون رفعوا مطالبهم، فاستجابت القوى السياسية والحكومة، وأقرت أيضاً حزمة من الإصلاحات هي الأولى منذ إقرار دستور الاحتلال الأمريكي، فكانت خطوة متقدّمة نحو إعادة إعمار البلد الذي دمّره “داعش” الإرهابي، ليكون الرد من قبل بعض الشارع بالتصويب على القوى والأحزاب السياسية التي كانت السبب الرئيس في القضاء على “داعش”، فهل يعقل أن تكون مطالب الجماهير “الثائرة” هي الانتقام من القوى التي كانت سبباً بتخليصها من الإرهاب التكفيري؟!.
إن الانتصار التي حققه الجيشان العراقي والسوري وقوى المقاومة في لبنان وإيران على الإرهاب التكفيري، ومنعه من تحقيق الهدف الذي أوجد من أجله، دفع بأمريكا وحلفائها للبحث عن خطط بديلة تكفل بأن تدوم الفوضى، وتستمر على كامل المحور، وهنا يمكن قراءة انسحاب الاحتلال الأمريكي المرتبك من الجزيرة السورية، وإفساح المجال أمام الاحتلال التركي للحلول مكانه، ثم التراجع والحفاظ على عدد من الجنود لسرقة النفط، هو لمنع الدولة السورية من قطف ثمار انتصار تحقق بعد سنوات من الحرب، فيما كما كان لافتاً ما دأبت عليه وسائل الإعلام المرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي من تهليل غير مسبوق لما بات يسمى بالموجة الثانية من “الربيع العربي”، وكأنه الخلاص لكل شعوب المنطقة، في حين ما تزال آثار موجته الأولى ماثلة للعيان من فوضى ودمار واقتتال في البلدان التي ضربها.
إذاً، ما يجري هو فصل جديد من فصول المواجهة في المنطقة، فالفشل العسكري تمّ نقله إلى قوى ناعمة تستخدم مطالب الناس وهمومها للوصول إلى الهدف المنشود، وهو تدمير تلك الدول وإحلال الفوضى.. ولكن كما استطاعت القوى الحية في كامل المحور دحر الإرهاب والقضاء عليه، فإن هذه القوى ستنتصر من جديد، وترسم مستقبل أبنائها.
سنان حسن