“ديناميكا الثقافة”
بين الثقافة والحضارة رابط متين يصعب فك عراه مهما سعى البعض لفرض أمر واقع على مقاس أفراد أو مؤسسات أو غير ذلك، فالعلاقة بينهما تكاملية كل منهما ينتج من الآخر، فالثقافة هي فعل حياة، ولكل فعل ردة فعل، وعندما تتحقق مقومات وشروط الفعل الأولى الذي هو الثقافة فلا بد من تولد الفعل الثاني الذي هو الحضارة، وهكذا لكل منهما تأثيره المباشر في الارتباط الفكري والروحي بين الإنسان ومحيطه الديمغرافي، لكن الكثيرين عندنا ممن يعتقدون أنهم يدعمون “الديناميكا الثقافية” ويساهمون في تطويرها هم في الواقع لا يدركون أهمية هذه المعادلة التكاملية عندما يمارسون الاصطفاف الطبقي في ممارسة الفعل الثقافي بشكل يعزله عن رابطه الحضاري.
إن أدبيات الحدث الثقافي تفترض التعامل مع بشر من لحم ودم وضرورة المساواة بينهم في حق الحصول اللائق على الثقافة كما كفلها الدستور والأعراف الإنسانية في كل دول العالم، في حين عندما تقوم جهة حكومية عامة أو أهلية خاصة بحجز كامل الكتلة الوسطى من كراسي مدرج مسرح مديرية الثقافة بحمص على سبيل المثال لحاشية المسؤولين ومعارفهم وأقربائهم ووضع حواجز، ممن يدعون منظمين، في الممرات لفرز الجمهور، طبقيا واجتماعيا، بين من يحق له الجلوس في الوسط ومن هو أهل للجلوس في الأطراف، ومن هو جدير بالجلوس في الصالة، ومن لا يستحق غير ممارسة حقه الثقافي في “البلكون” وفق اعتبارات يحددها أناس يجهلون الأدبيات والأخلاقيات الحضارية للممارسة الثقافية، بأسلوب لا يمت لهذه الأدبيات بصلة، فكلنا يعرف أن المسؤول الذي يأتي وبرفقته مرافقين ومصور خاص لحضور فعالية فنية أو أدبية أو اجتماعية، هو لا يأتي حبا وشغفا بها، بل يأتي كنوع من إثبات الوجود والتقاط الصور لتلميع صورته أمام الجهة التي هي أعلى منه. فمن كان هدفه تلقي الثقافة والاستمتاع بها عليه أن يحترمها ويحترم الآخرين القادمين لمتابعتها ولا يعيبه وينتقص من مكانته لو تساوى معهم وجلس حيث يجلسون واحترم الموعد الذي يحترمونه.
في الثقافة يجب أن تكون كل الأعراف و”الاتيكيت” استثناء لاسيما في تجاوز الرؤية الإدارية والوظيفية في التأسيس لمشهد ثقافي راق يخلق حالة تفاعلية تشجع جميع الناس على ارتياد المراكز والدور الثقافية عن شغف، لما لهذه المراكز من دور هام في تهذيب النفوس والسلوك وخلق جيل متنور ومتحضر إنسانيا واجتماعيا.
آصف إبراهيم