ما الهدف من قتل البغدادي الآن؟
ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع ستراتجيك كالتشر 1/11/2019
كان لافتاً تقديم ترامب شكره لروسيا لمساعدتها في تقديم الخدمات اللوجستية لتنفيذ الهجوم الذي أدّى إلى مقتل أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم “داعش” داخل محافظة إدلب. لكن هذه الرواية تتناقض مع ما صرّح به الناطق الرسمي لوزارة الدفاع الروسية الميجور جنرال ايجور كوناشينكوف بأن روسيا لم تكن مشاركة في الغارة كما ادّعى ترامب، وأن بيانات الطائرات الجوية الروسية تشير إلى عدم وجود غارات جوية أمريكية في محيط المنطقة التي تمّ الإعلان عنها. وذهب المتحدث إلى أبعد من ذلك مشيراً إلى أنه لا توجد أدلة حول ما إذا كانت مهمة الاغتيال قد حدثت بالطريقة التي ادّعتها واشنطن علناً.
من أوجه الخلل الأخرى في الحساب الرسمي للولايات المتحدة، أن القاعدة التي كان يختبئ بها البغدادي موجودة في موقع معروف بأنه معقل لجماعة أخرى تابعة لتنظيم “القاعدة” العدو اللدود للإرهابيين في “داعش”. وبعد ذلك لماذا وكيف كان زعيم “داعش” قادراً على الحفاظ على قاعدة محاطة بالإرهابيين الأعداء؟!.
بحسب صحيفة نيويورك تايمز، يُزعم أن البغدادي دفع 67،000 دولار للجماعة الإرهابية المنافسة الذين يسمّون “حراس الدين” لتوفير الحماية له. كما يشكّل الإغفال الواضح للخلفية التاريخية المتعلقة بهوية البغدادي وكيفية وصوله إلى العراق وسورية في التغطية الإعلامية الأمريكية علامات استفهام أخرى.
فهناك أدلة كثيرة على أن البغدادي العراقي المولد قد تمّ تجنيده من قبل الاستخبارات الأمريكية أثناء سجنه خلال الحرب الأمريكية على العراق في فترة منتصف وأواخر عام 2000. وقد احتُجز في سجن أبو غريب، لكن أُطلق سراحه بعد ذلك على الرغم من ماضيه الإرهابي المعروف.
وفي حوالي عام 2012، كانت إدارة أوباما تقوم بتعبئة الأصول الجهادية سراً وتسليحها للقيام بحربها الخفية ضد الحكومة السورية. ويُعتقد أن البغدادي كان أحد أهم عناصر وكالة الاستخبارات المركزية في الحرب الأمريكية القذرة على سورية، رغم ادعاء واشنطن أن مشاركتها في سورية كانت لهزيمة “داعش” وغيرها من الجماعات الإرهابية.
نكاد نجزم أن ما صوّره ترامب ووسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة للنجاح المذهل في القضاء على قائد إرهابي هو تشويه للواقع والأحداث. والطريقة التي تفاخر بها ترامب حول العملية المزعومة تشير إلى أنه يسعى إلى تعزيز فرص إعادة انتخابه العام المقبل، فخطابه الاستعراضي حول قتل زعيم “داعش” ليس إلا محاولة منه لإظهار صورته كرئيس قويّ. وبشكل أعمّ، أتاح الحدث لوسائل الإعلام الأمريكية الإعلان عن مزايا القوة العسكرية الأمريكية في تقديم إرهابي سيئ السمعة “إلى العدالة”.
لكن الواقع أن الحرب التي دامت ما يقرب من ثماني سنوات على سورية كشفت عن إجرام واشنطن وحلفائها في الناتو لتأجيج المذابح، والدليل أنه عندما تخلّى ترامب عن حلفائه الشهر الماضي، تمّ إدانة هذه الخطوة. لذلك كانت عملية قتل البغدادي مثيرة تشبه “فيلماً” -كما وصفها ترامب- وكانت علاجاً في الوقت المناسب لصورة واشنطن المشوهة، فظاهرياً تمّ منح الولايات المتحدة الوسائل لتجديد رواياتها الدعائية بأنها “تحارب الإرهاب” بدلاً من حقيقة استخدام الإرهاب لحروبها من أجل تغيير الأنظمة والأهداف الإمبريالية الأخرى.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل قُتل أبو بكر البغدادي فعلاً؟ فهذه ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها تقديم تقارير حول “قتله” من قبل القوات الأمريكية التي قدّمت ادعاءات مماثلة في السنوات الماضية. هناك الكثير من الأسئلة والتناقضات لجعل رواية واشنطن للأحداث دقيقة. والأكثر ترجيحاً، أنها كانت دعاية مفتعلة بعناية لتلميع صورة واشنطن المشينة.
ولعلّ الأمر الوحيد المؤكد، هو أن الولايات المتحدة ستواصل استخدام الجماعات الإرهابية في المستقبل من أجل تحقيق أهدافها الجيوسياسية الخبيثة، فهناك الكثير من “أمثال البغدادي” الذين ستزرعهم واشنطن وتنظمهم، بينما تزرع الفوضى والدمار في الشرق الأوسط وما وراءه لتحقيق مصالحها الأنانية.