الانسحاب من البريكست مقابل الانتخابات
ترجمة: عناية ناصر
عن موقع جابان تايمز 1/11/2019
في تطور غريب آخر في ملحمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أشار البرلمان البريطاني إلى موافقته على صفقة الانسحاب التي اقترحها رئيس الوزراء بوريس جونسون مع الاتحاد الأوروبي، لكنه قرّر أيضاً أنه يجب إجراء انتخابات عامة في 12 كانون الأول قبل أن يتمّ التصديق على الصفقة في النهاية.
وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تمنح المحافظين من أنصار جونسون المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي زمام المبادرة مع بدء الحملة، إلا أنها تشير أيضاً إلى أن أغلبية واضحة من الناخبين البريطانيين -أكبر من تلك التي أيّدت “الانسحاب” في استفتاء عام 2016- تفضّل بالفعل البقاء في الاتحاد الأوروبي.
كانت استطلاعات الرأي التي أُجريت حتى قبل استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تميل إلى إظهار ميل الأغلبية “للبقاء”، لكنهم وجدوا أيضاً أن معظم البريطانيين لا يبدون اهتماماً بالاتحاد الأوروبي بطريقة أو بأخرى. ولم تكن مسألة عضوية الاتحاد الأوروبي مسألة ذات أولوية بالنسبة لمعظم الناس. في الواقع، فإن اللامبالاة جعلت الاستفتاء فرصة لمؤيدي الانسحاب. ونتيجة لذلك، كان من المحتمل أن تؤدي العشوائية أو عدم جدوى فعالية خطاب أي من الجانبين إلى دفع النتيجة في أي من الاتجاهين. في هذه الحالة، أصبحت الهجرة قضية مركزية في عام 2016، بسبب التغطية الإعلامية للهجرة الجماعية وتدفق اللاجئين عبر البحر المتوسط ومنطقة البلقان. بالنسبة لمؤيدي الانسحاب كان فشل الاتحاد الأوروبي في إدارة الأزمة بمثابة فرصة سانحة.
ومع ذلك، عندما ينظر مؤرّخو المستقبل إلى هذا الحدث، ربما يستنتجون أنه كان هناك محيط من اللامبالاة يتوسط بين مجموعتين من المؤمنين الحقيقيين المتشدّدين على كل جانب من جوانب المسألة الأوروبية. كانت بريطانيا دائماً دولة عضواً شبه متردّد في الاتحاد الأوروبي، لذلك لم يستغرق الأمر الكثير للإخلال بالتوازن قليلاً لصالح المغادرة.
جاءت اللحظة الرئيسية عندما اتخذ رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، مدفوعاً بالديناميات السياسية داخل حزب المحافظين، قراراً مصيرياً بإجراء استفتاء حول هذه القضية، وسط الضغوط الاقتصادية والسياسية للركود الطويل الذي أعقب الأزمة المالية العالمية عام 2008.
ومنذ تأسيس الجماعة الاقتصادية الأوروبية (السابقة للاتحاد الأوروبي) في عام 1957، كان لدى البريطانيين وجهة نظر انفصالية إلى حدّ ما، وأحياناً متناقضة، عن التكامل الأوروبي. ظل هذا الحال حتى بعد انضمام المملكة المتحدة إلى الكتلة في عام 1973، وحتى بعد أن تبنّت غالبية كبيرة من الناخبين البريطانيين عضوية الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 1975. بالنسبة للبريطانيين، كونهم جزءاً من “أوروبا” فإن ذلك يعني لهم علاقة مصلحة آنية، وليس زواج حب.
وخير دليل هنا أن شعار الخدمة الجوية البريطانية الشهير “من يملك الجرأة يكسب” لا يتناسب إطلاقاً مع الوضع في حال البريكست، إذ يمكن القول “من يهتم يكسب”. في الفترة السابقة لاستفتاء عام 2016، فشلت القوى الموالية للاتحاد الأوروبي في جعل ما يكفي من البريطانيين يهتمون بعضوية الاتحاد الأوروبي، لذلك ربما سيتغيّر هذا خلال الحملة الانتخابية العامة في كانون الأول، لكن من المجازفة الرهان على ذلك وعلى مؤيدي الاتحاد الأوروبي في الدول الأعضاء الأخرى الانتباه لذلك، فاللامبالاة عدوهم الأكبر.